الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مالي أنا والشورى؟

رمضان متولي

2008 / 8 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لن أكتب عن حريق الشورى. مالي أنا ومبنى الشورى وسكانه وزائروه؟ أنا أنتمي إلى الأحياء الفقيرة الضيقة، التي تسميها الحكومة أحياء عشوائية، أنتمي إلى حواريها المزدحمة والخانقة في النهار والليل، رائحة مطاعم الفول والمقاهي وصيحات الباعة الجائلين، أنتمي إلى الأرض الطينية المزروعة وكآبة القرى. هناك أشعر بالأمان والألفة وسط أهلي الذين أعرفهم وأثق فيهم وأتعاطف معهم رغم كل ما في أحيائنا وقرانا من قبح وتخلف وإهمال.

مالي أنا ومبنى الشورى الفخم المهيب، الذي لم أشعر تجاهه وتجاه كل المباني الأخرى المرتبطة بالسلطة إلا بالخوف والريبة، بدءا من أسواره الطويلة وحتى بوابته العالية ورجل الأمن التكعيبي بنظرة عينيه الشرسة واستعداده الدائم لإطلاق النار على أصحاب الثياب الرثة والملامح الفقيرة المتعبة والعيون الزائغة إذا اقتربوا من هذه المناطق المحرمة التي عين لحراستها منهم هم بالذات، رغم الافتراض بأنها تمثلهم.؟!

مالي ومبنى الشورى والسلطة ورموزها؟ تلك البنايات الشاهقة الفخمة التي يعجب بها علماء الأثار والمؤرخون والفنانون التشكيليون لا تمثل بالنسبة لي إلا بيتا آخر للسلطان أو الوالي، ربما حفر تحت قبابه العالية قبوا مخيفا يعذب فيه المعارضون أو تخبأ فيه الثروات الطائلة المنهوبة من عرق العمال وبؤس الفلاحين.

مالي ومال الشورى؟ يقولون إنه مبنى البرلمان، يدخله رجال بياقات بيضاء ناصعة وروابط للعنق وبزات أنيقة، ونساء غاية في الأناقة والرقة رغم تجاعيد العمر وبريق المساحيق، إنهم كبراء البلد ورموزه ومن يهتمون بشأنه. يجلسون ويناقشون ويصفقون ويبتسمون ويتصافحون في نهاية كل لقاء بعد حصولهم على مكافآت سخية ومزايا تكفي لبناء عشرات المدارس والمستشفيات في أحيائنا المحرومة، ولكنهم يفضلون إنفاقها عادة في منتجعات الساحل الشمالي وفنادق شرم الشيخ.

يقولون أنهم يتداولون ويناقشون ويوافقون على القوانين التي تنظم البلاد وتسير أمور العباد. آه، وتلك هي الكارثة. إنها القوانين نفسها، تلك الغابة الكثيفة من النصوص المتشابكة والملغزة التي تنتهي في كل مرة إلى تسعيرة جديدة للرشاوى في مختلف أجهزة الحكومة. إنها هي التي جعلت موظف المجلس المحلي (أو المجلس البلدي الذي كتب فيه الرائع بيرم التونسي إحدى قصائدة الخالدة) يتحول بقدرة قادر بعد سنوات قليلة من التحاقه بالوظيفة إلى مالك عمارة كبيرة هي الأعلى في حينا الفقير. وهي نفس القوانين التي جعلت ضباط وأمناء الشرطة، بل وحتى المخبرين، أشباه آلهة في بلدتنا، يفعلون ما يشاءون ولا يسألون، وجعلت زوجة أمين الشرطة تباهي الجميع بما تملك من أساور الذهب التي تصطف من رسغيها وحتى المرفقين.

وبمناسبة هذه القوانين، سأروي لكم ما حدث لي مع سائق التاكسي هذا الصباح، رغم أنني نادرا ما ألجأ إلى استخدام التاكسي في تنقلاتي وأفضل استخدام الميكروباص أو الأتوبيسات العامة، لكنني اليوم كنت أحتاج السرعة والراحة للقيام ببعض المشاوير قبل الذهاب إلى العمل. المهم أنني ركبت التاكسي من وراق العرب حيث أسكن إلى المهندسين، دخنت أنا والسائق في الطريق ولم يطلب مني ربط الحزام أو أي شيء، ومشينا في شوراعنا المحطمة والمكتظة حتى دخلنا حي المهندسين الراقي، وبعد قضاء بعض الأمور ركبت تاكسيا آخرا متجها إلى عملي في الدقي. وأول دخولي السيارة الثانية، طلب مني السائق مباشرة ربط الحزام، ثم أخرجت سيجارة وقدمتها له لكنه رفض وقال لي إذا أردت أن تدخن يجب أن تجهز في يدك خمسين جنيها لرجل المرور، ورغم أنني لا أعرف مدى دقة هذه المعلومة استجبت ولم أدخن. المهم أنه دار حديث بيني وبين السائق، قال إنهم يصنعون هذه القوانين لنهبنا وحصارنا نحن، وأخذ يشير إلى السيارات الفارهة التي تنتظر على جانبي الطريق في صفين وثلاثة صفوف ويتساءل لماذا لم يتحرك أحد منهم هنا لتسجيل المخالفات أو سحب هذه السيارات من الشارع لتيسير حركة المرور، ثم فجأة أشار لي إلى أحد أمناء الشرطة وهو يتسلم بعض النقود من شخص بجانبه بملابس مدنية، وكان مقدم شرطة واقفا على بعد أمتار قليلة. وقال لي لا تعتقد أن أمين الشرطة يتصرف هكذا من تلقاء نفسه، إنهم يقتسمون الغنيمة في نهاية اليوم.

في أحيائنا الفقيرة لا يوجد قانون. وجهات تنفيذ القانون لا تنزل الشارع ولا تعبأ بالناس وإنما تنتظر في مكاتبها وتحصل على الغنائم دون أن تتحرك. أما في أحيائهم الغنية فإنهم ينزلون، ولكنهم ينفذون القانون بانتقائية وبطريقتهم الخاصة، بحيث تترجم النصوص المعقدة والملغزة إلى عبارة بسيطة لخصها لي أحد زملائي فيما يتعلق بقانون المرور قائلا: "المخالفة بإيصال = 500 جنيه، وبدون إيصال = 100 جنيه".

هكذا تعلمنا ألا نتعاطف مع القانون وألا نتعامل معه، إلا باعتباره مثل القضاء والقدر مصائبه تنتقي ضحاياها، ولكنها بخلاف القضاء والقدر تنتقي ضحاياها وفقا لقواعد أخرى يحكمها المال والنفوذ، ومن لا يمتلك مالا أو نفوذا فعليه الاستسلام لمصير لا يعلمه إلا الله. وتعلمنا أن الشورى، والبرلمان والقانون والسلطة ليست إلا طفيليات تتغذى على دمائنا وتتاجر بآلامنا – هكذا علمتنا التجربة، فلماذا نلام على الشماتة عندما تأكل النار رموز قهرنا؟ ولماذا يبرأون هم ويعيشون في رغد وطمأنينة وقد أحرقونا وأغرقونا في عبارات ممدوح اسماعيل، الذي كان عضوا في مجلس الشورى ولم ترفع عنه الحصانة قبل خروجه من مصر ملوثا بدماء أكثر من ألف من أهالينا؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة