الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصاد المعرفة وتقييم عمل المثقفين واختصاصيين بموجب قانون القيمة

حسقيل قوجمان

2008 / 8 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تعقيبا على الحلقة الاخيرة من حوار مع الاخ فؤاد نمري حول اقتصاد المعرفة ارسل لي قارئ عزيز السؤال التالي: "اقتصاد المعرفة .ألم يكن لينين هو من أضاف دور المثقفين ووضعهم مع البروليتاريا فيما يعرف بالماركسية – اللينينية".
في الحقيقة لم يكن لينين هو الذي بحث موضوع المثقفين والاختصاصيين بل كان كارل ماركس نفسه. ففي بحث قانون القيمة الذي ينص على ان قيمة السلعة تتحدد بساعات العمل الاجتماعي الضروري لانتاجها بين كارل ماركس ان عمل المثقفين والاختصاصيين يختلف عن عمل العمال البسطاء نظرا لما يبذلونه من جهد في فترة اعدادهم كدراسة الطب او الهندسة او تخصص العامل التكنيكي او ما شابه ذلك. وكيفية انعكاس ذلك على قيمة السلعة المنتجة هو بان تنعكس ساعة عمل هؤلاء الاختصاصيين والمثقفين في قيمة السلعة باكثر من ساعة عمل العامل البسيط. وقانون القيمة لا يتحقق عن طريق دفاتر حسابات الشركة او تقدير صاحب العمل البرجوازي وانما هو قانون طبيعي يحدد قيمة السلعة بصورة طبيعية مستقلة عن ارادة الانسان. فليس الراسمالي هو الذي يحسب قيمة ساعة عمل المثقف او الاختصاصي وانما هو قانون القيمة ذاته الذي يحدد قيمة عمل العامل المتخصص او المثقف الاختصاصي في تكوين قيمة السلعة المنتجة.
في النظام الراسمالي لا يعترف الراسماليون بوجود قانون القيمة ولا ياخذونه بنظر الاعتبار في حساباتهم وانما يجرون حساباتهم وفقا للراسمال الذي يستخدمونه والاجور التي يدفعونها للعمال والمهندسين والفنيين ويقدرون ارباحهم وخسائرهم بموجب حساب الارباح والخسائر في دفاتر حساباتهم. ولكن قانون القيمة يتحقق بالاستقلال عن ارادتهم عن طريق المنافسة بين مختلف الراسماليين وتحويل راسمالهم الى الانتاج الذي يشعرون بانه اكثر ربحا وفي تحديد اسعار بضائعهم التي تنافس امثالهم من الراسماليين. فعن طريق المنافسة وعمليات العرض والطلب يتحقق قانون القيمة وتتحدد اسعار البضائع بما يقرب من قيمتها الحقيقية التي يحددها قانون القيمة. لناخذ مثلا من حياتنا اليومية. كان الحاسب الالكتروني قبل عشرين سنة اقل كفاءة واكثر وزنا من الحاسبات في يومنا. ولكن سعره كان يقدر بالاف الجنيهات. اما الحاسب اليوم فقد اصبح اقل وزنا واكثر كفاءة مما كان عليه انذاك ولكن سعره اليوم يقرر بمئات الجنيهات وليس بالالاف. فلو كان الراسمالي هو الذي يسيطر على قيمة الحاسبات لما تدهورت اسعارها بل لزاد ثمنها نظرا لزيادة كفاءاتها. ولكن ما يقرر اسعار الحاسبات هو قيمتها المقررة بساعات العمل اللازمة لانتاجها ولذلك تدهورت اسعار الحاسبات رغم ان القوة الشرائية لمبلغ الف جنيه قبل عشرين عاما كان اضعاف قوته الشرائية حاليا. وهذا التدهور في القيمة الشرائية للنقود هو الاخر يجري بموجب قانون طبيعي اخر اكتشفه كارل ماركس هو قانون قيمة النقود في المجتمع.
ان الماركسية اللينينية هي ماركسية المرحلة الامبريالية للنظام الراسمالي. ان تحول النظام الراسمالي من نظام تنافسي الى نظام احتكاري امبريالي خلق قوانين جديدة لم يكن لها وجود او كانت قوانين غير حاسمة في تنظيم النظام الراسمالي. وكان دور لينين هو اكتشاف هذه القوانين الجديدة وتحديد نتائجها على سير المجتمع الامبريالي وعلى اهداف الطبقة العاملة في الاطاحة بهذا النظام وبناء نظام جديد هو النظام الاشتراكي. ولكن القوانين الجديدة للمرحلة الامبريالية لم تشمل قانون القيمة الذي بقي يفعل في هذه المرحلة بنفس الطريقة التي كان يفعل بها في المرحلة التنافسية من النظام الراسمالي.
كان احد القوانين الجديدة التي ظهرت في النظام الراسمالي لدى تحوله الى المرحلة الامبريالية امكانية قيام الثورة البروليتارية، ثورة الطبقة العاملة، في بلد واحد وبناء المجتمع الاشتراكي في هذا البلد وهو ما لم يكن ممكنا في عهد المرحلة التنافسية من النظام الراسمالي. وكان دور لينين في هذا الخصوص اكتشاف هذا القانون الجديد ومحاولة استغلاله والاستفادة منه في حركة الثورة الروسية. وقد افلح لينين في قيادة الطبقة العاملة الروسية بالتحالف مع فقراء الفلاحين في ثورة اكتوبر والاطاحة بالنظام الراسمالي في روسيا والشروع في بناء مجتمع اشتراكي فيها رغم الاحاطة الراسمالية الامبريالية. ولكن مؤامرة اغتيال لينين ومرضه ووفاته المبكرة لم تسمح له في تحقيق بناء المجتمع الاشتراكي ووقع دور قيادة شعوب الاتحاد السوفييتي في هذا المجال على عاتق ستالين. فتحت قيادة الحزب البلشفي، حزب لينين، وعلى راسه ستالين استطاعت شعوب الاتحاد السوفييتي بناء مجتمع اشتراكي بعد نضال عسير وحققت شعوب الاتحاد السوفييتي انجاز بناء مثل هذا المجتمع في الثلاثينات وكان دستور الاتحاد السوفييتي لسنة ۱٩۳٦تعبيرا عن هذا المجتمع الاول في تاريخ البشرية.
ان احد ميزات المجتمع الاشتراكي هي ان هذا المجتمع يعترف بقانون القيمة ويعمل بموجبه بصورة واعية. ولكن قانون القيمة لم يعد القانون المنظم للانتاج في هذا المجتمع كما كان الحال في النظام الراسمالي، وانما اصبح مفعوله التنظيمي مفعولا ضيقا اخذا في الزوال. وسبب ذلك هو ان الجزء الاعظم من الانتاج الاجتماعي في المجتمع الاشتراكي ليس انتاجا سلعيا اي انتاج سلع لاجل التداول، اي البيع والشراء. فانتاج الحديد في المجتمع الاشتراكي مثلا لا يحول الحديد الى سلعة تبيعها الدولة الى المصانع والمعامل بل ان الحديد يبقى ملكا للدولة، اي ملكا للشعوب السوفييتية، يجري توزيعه بصورة مبرمجة حسب حاجات المجتمع. وهذا يصدق على كافة المنتجات الاخرى عدا جزء ضئيل منها هو الجزء المخصص للاستهلاك المباشر. ودور قانون القيمة في المنتجات الاشتراكية هو تحديد ربحية المشروع او خسارته من حيث الانتاج المباشر رغم ان هذه الربحية ليست شرطا من شروط بقاء المشروع كما هو الحال في المجتمع الراسمالي لان بقاءه مرتبط بالبرنامج العام للانتاج الاشتراكي وان خسارته لا تعتبر سببا لالغائه او تغييره ولكن دراسة قانون القيمة في هذا المشروع تساعد على تحويل المشروع الخاسر الى مشروع مربح انتاجيا. حتى المكائن الزراعية المستخدمة في الزراعة لا تصبح ملكا للمزارع التعاونية بل تبقى ملكا للدولة تقدم الخدمات للمزارع التعاونية لقاء جزء من انتاج هذه المزارع.
جزء ضئيل من الانتاج الاجتماعي يشكل انتاجا سلعيا معدا للبيع والشراء هو المواد الاستهلاكية المباشرة والانتاج الزراعي الذي يجري تبادله مع الدولة لقاء المواد الصناعية التي تحتاجها المزارع التعاونية. وهنا يكون لقانون القيمة دور اكبر من مجرد تحديد ربحية او خسارة المشاريع. هنا يكون لقانون القيمة دور في تحديد اسعار المواد الاستهلاكية في المدن والتبادل بين الصناعة والزراعة. وحتى في هذه الحالة، رغم ان قانون القيمة يجعل بالامكان تحديد الاسعار الحقيقية الا انه ليس منظما لتبادل هذه السلع لان الدولة قد تجد من المناسب ان تغير اسعار بعض السلع لفائدة المجتمع. فقد كانت اسعار المواد الخاصة بالاطفال مثلا كملابس الاطفال وكتب الاطفال ولعب الاطفال تباع بادنى من قيمتها المحددة وفقا لقانون القيمة. وكانت خطة ستالين لرفع مستوى المزارع التعاونية الى مستوى مزارع الدولة تستند الى تحويل التبادل السلعي بين الصناعة والزراعة الى مقايضة، اي تبادل سلع مقابل سلع وليس عملية بيع للدولة وشراء منها، عن طريق زيادة ما تحصل عليه المزارع التعاونية لقاء نفس الكميات من انتاجها الزراعي عما تحصل عليه عن طريق التبادل السلعي اي البيع والشراء.
ان شعار الاشتراكية "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله" مبني على اساس التفاوت بين عمل انسان واخر. فبالامكان جعل ساعات عمل العمال وغير العمال ثابتة في المجتمع كله كأن تحدد ساعات عمل الانسان بست ساعات في اليوم. ولو كان عمل كل انسان مساويا لعمل الاخرين لما كانت هناك حاجة لتفاوت ما يتلقاه انسان عن انسان اخر لقاء عمله لان كل انسان يعمل ست ساعات في اليوم. (ليس هنا مجال البحث عن العاجزين عن العمل كالمتقاعدين والمرضى والعجزة والاطفال). ولكن اختلاف عمل انسان عن عمل انسان اخر يجعل ما يقدمه انسان الى المجتمع خلال عمل الساعات الست اكثر او اقل مما يقدمه شخص اخر. ولذلك كان الجزء الاول من الشعار الاشتراكي "من كل حسب طاقته". وهذا الشعار صحيح حتى في المجتمع الشيوعي حيث يقدر عمل كل انسان حسب طاقته او حسب كفاءاته او حسبما يقدمه للمجتمع رغم ان القسم الثاني من الشعار الشيوعي يختلف جوهريا عن القسم الثاني من الشعار الاشتراكي. فالشعار الاشتراكي يميز بين ما يتلقاه انسان لقاء عمله وفقا لما يقدمه الى المجتمع من خدمات بينما في الشعار الشيوعي يقدر ما يتلقاه الانسان لقاء ما يقدمه من خدمة للمجتمع وفقا لحاجاته وليس وفقا لما يقدمه من خدمة.
ان ما جرى بحثه في مقالي حول ما سمي باقتصاد المعرفة شيء يختلف اختلافا اساسيا عما جاء اعلاه من تمييز عمل المثقف او المتخصص عن عمل العامل البسيط. فالحديث عن اقتصاد المعرفة تضمن تغييرا للاساس الذي يقدر بموجبه عمل المثقف. فالادعاء بتحول الاقتصاد الراسمالي الى اقتصاد معرفة يعني التحول من الاقتصاد الراسمالي الذي ينظمه قانون القيمة بالاستقلال عن ارادة الانسان الى اقتصاد المعرفة يتناول المثقف او ما سمي الطبقة الوسطى فيه اضعاف ما يحق له وفقا لقانون القيمة. انه الادعاء بانتفاء قانون القيمة وتنظيمه اللاارادي لقيمة السلعة وقيمة قوة العمل. انه يعني الغاء قانون طبيعي يعمل بالاستقلال عن ارادة الانسان واستبداله بقانون وضعي يضعه الانسان بارادته وهذا شيء مستحيل سواء في الطبيعة او في المجتمع الانساني. وقد كان ردي على ذلك ان ما يتقاضاه المثقف اضعاف قيمة قوة عمله لا يشمل جميع المراتب المتوسطة التي اطلق عليها اسم الطبقة الوسطى وانما هو ظاهرة تخص فئة ضئيلة من العلماء والاختصاصيين الذين يتقاضون فعلا اضعاف ما يحدده قانون القيمة ولكن هذا الذي يتقاضونه ليس اجورا وانما هو مشاركة في ارباح اصحاب المشاريع الامبريالية الكبرى التي يحرزونها نتيجة للخدمات التي يقدمها لهم هؤلاء العلماء والمتخصصون. بل هناك فئات من المجتمع تحصل على دخول عالية لا ترتبط بقانون القيمة بدون ان تكون المعرفة قياسا لذلك. فليست معرفة لاعب كرة القدم مثلا هي التي تحدد دخله العالي بل مهارته في لعبة الكرة. وليست معرفة المصارع الاميركي هي التي تحدد مضاعفة دخله بل وحشيته. وليست معرفة المرتزقة الذين تستخدمهم دولة الاحتلال في العراق وفي ارجاء العالم هي التي تحدد دخولهم الخيالية بل استعدادهم للقتل والتعذيب وعدم التورع عن اقتراف اية جريمة في سبيل فرض السيطرة الامبريالية على الشعب العراقي وعلى شعوب العالم. فقد قرأت في احد المواقع الالكترونية اليوم مقالا جاءت فيه العبارة التالية: "أظهر تقرير لمكتب الميزانية التابع للكونغرس الاميركي ان اميركا تستخدم ما يزيد على 180 ألف حارس تابع للشركات الأمنية في العراق بكلفة وصلت لحد الآن ما يزيد على 100بليون (ألف مليون) دولار سنويا منذ 2003."
ولكن جعل هذا النوع من الدخل عاما يشمل جميع ما يسمى بالطبقة الوسطى لا اساس له من الصحة لان الاغلبية الساحقة من المراتب المتوسطة تعاني من الضغط الذي تسلطه عليها الراسمالية الامبريالية نتيجة التفاوت بين الانتاج الراسمالي الواسع النطاق والقائم على اساس احدث التطورات التكنولوجية وبين الانتاج الحرفي او الانتاج الزراعي الذي تمارسه هذه الفئات المتوسطة بالاتها البدائية مما يحولهم الى مستوى الطبقة العاملة وادنى منها احيانا. وهذا الضغط يجري بموجب قانون القيمة وليس منفصلا عنه. فليست هناك فيما سمي اقتصاد المعرفة اية علاقة بقانون القيمة وليس بامكانها ان تحل محل قانون القيمة الفاعل بالاستقلال عن ارادة الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتائج غير رسمية تشير إلى فوز حزب العمال البريطاني في الانتخا


.. كلمة الأستاذ محمد صديقي في تأبين الراحل عبد العزيز بنزاكور




.. كلمة الأستاذ مبارك بودرقة في تأبين الراحل عبد العزيز بنزاكور


.. البريطانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم لاختيار حكومة جديدة وتو




.. حزب العمال ينوي الاعتراف بدولة فلسطين