الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرد العاري

سعدون محسن ضمد

2008 / 8 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عنوان غريب لكتاب يبحث في التطور العضوي والجنسي والاجتماعي للإنسان، والأغرب من ذلك هو المبرر الذي يتخذه (ديزموند موريس) مؤلف الكتاب لاختياره هذا العنوان بالذات. فهو يقول بأن هناك 193 نوعاً من القردة والسعادين كلها مغطاة بالشعر باستثناء الإنسان فهو وحده من بينها جميعاً عاري الجسد.
الكاتب مختص بدراسة الحيوان وليس الإنسان، وهو يريد أن يستفز القارئ ليقول له: مع أنك عارٍ عن الشعر إلا أنك قرد بالنسبة لي وأنا مصر على دراستك ضمن اختصاصي باعتباري عالم حيوان.
تأكيد موريس على قردية الإنسان زادني تشاؤماً، خاصَّة عندما ذكرني بسؤال قديم لم أستطع الإجابة عليه يتعلق بمدى التطور الحضاري أو بتعبير أدق السلوكي للبشر. فيبدو أننا لا نزال بدائيين أو ربما حيوانيين. قارن بين سلوك قائد مجموعة (الغورلا) مثلاً، وهو الذكر الأقوى فيها، وبين سلوك بعض القادة من السياسيين أو من غيرهم. وستجد أن هناك الكثير من الملامح المشتركة. ذكر (الغورلا) يستأثر بجميع المنافع لنفسه لدرجة أنه لا يسمح لذكور المجموعة التي يقودها بالاقتراب من أي أنثى في المجموعة. هو مستبد لهذه الدرجة. وهذا ما يمكن أن تجد تجليه بقادة الجماعات البشرية، وأعود للتأكيد بأنني لا أتحدث عن السياسيين فقط، وربما مع هؤلاء يكون الأمر مقبولاً أكثر مما هو مقبول لدى غيرهم.
إذ كيف تبرر استبداد الكاتب أو الموسيقي أو التشكيلي داخل مؤسساتهم. كيف تبرر الجشع لدى هؤلاء فضلاً عن السياسيين طبعاً. من المعقول أن نجد كياناً سياسياً يقاد على طريقة ذكور (الغورلا). لكن من غير المعقول أن نجد مؤسسة ثقافية أو صحية أو قانونية تقاد بهذه الطريقة. من المعقول أن يخطط الاقتصادي أو السياسي لحياتهما على أساس المنفعة لكن مع المثقف يجب أن يختلف الأمر، وإلا نضيع!! لكن مع الأسف الشديد فجشع المثقف يساوي أو يفوق جشع السياسي وربما لو أن الأول امتلك أدوات الثاني وقوته لفعل ما لا يتخيله عقل.
أقول ان الأمر يختلف مع المثقف لأنه يمثل المدرسة في مربع الوجود الاجتماعي (القصر، المعبد، السوق، المدرسة) ومن الواضح بأن المدرسة أهم زاوية في هذا المربع، لأنها زاوية التعليم، وإذا فسدت فإنها ستعلم الآخرين على الفساد وتبرره. لا يمكن للمثقف أن يكون مشروع فساد أو خراب، لأن من ردائه يخرج الطبيب والمهندس والتشكيلي والموسيقي والشاعر وغيرهم، ولا يعقل أن يكون هؤلاء فاسدين.
المجتمعات كلها تقريباً تم إنقاذها من قبل المدرسة، وعصر التنوير في أوروبا يؤكد هذه الحقيقة. ومن هنا لا بد لنا من وقفة تأمل، نراقب من خلالها أداء المثقف العراقي. فلماذا لا يوجد بيننا صوت ثقافي مجلجل وصارم ونقي وواضح وشجاع لدرجة كافية؟ لماذا ليس ليس لدينا مشروع فكري يترجم جدل واقعنا ويتناغم معه؟ لماذا لا تكاد تنهض مؤسسة ثقافية حتى يتآكلها الصراع والاستبداد والحقد والغيرة والحسد؟ لماذا يتوزع مثقفونا بين الاستجداء على أبواب السياسيين أو البحث عن سبب للتناحر فيما بينهم؟ المدرسة في العراق تنهار والمثقف يضعف، ما يهدد بتخلف المجتمع وسقوط الإنسان، وبالتالي عودة الشعر الكثيف ليغطي أجسادنا من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قرارات بتطبيق القانون الإسرائيلي على مناطق تديرها السلطة الف


.. الرباط وبرلين.. مرحلة جديدة من التعاون؟ | المسائية




.. الانتخابات التشريعية.. هل فرنسا على موعد مع التاريخ ؟ • فران


.. بعد 9 أشهر من الحرب.. الجيش الإسرائيلي يعلن عن خطة إدارة غزة




.. إهانات وشتائم.. 90 دقيقة شرسة بين بايدن وترامب! | #منصات