الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصوت في نشوء متكرر .. قراءة في إلى النهار الماضي ل .. رفعت سلام

محمد سمير عبد السلام

2008 / 8 / 27
الادب والفن


في ديوانه " إلى النهار الماضي " الصادر عن هيئة الكتاب المصرية يعيد رفعت سلام اكتشاف مقولات الوجود ، و العدم ، و التاريخ ، و الهوية ، و يختبرها من خلال صيرورة الكتابة الشعرية – النثرية ؛ تلك الكتابة التي تقع في نسيج الصوت المتكلم و وجوده الآخر المملوء بالأسئلة ، و تكرار الحضور ، و الغياب ، و الوعي ، و اللاوعي ، و الحياة ، و الموت ، و التشبيه ، و التاريخ .
إن رفعت سلام يكتب وجودا قيد التشكل دائما ، و يمنح اللغة حضورا تصويريا جسديا منفلتا من منطقه الأول ، بل وجوده الأول بالكامل ، فالماضي في هذه الكتابة لم ينته ، بل يمتد في الحاضر ، و يقاوم العدم ، و يدخل في نسيج المستقبل المختلط ، ذي الأصوات المتداخلة .
و تمتلك عناصر الكون حساسية سردية في نصوص رفعت سلام ، و تشارك في خلق حالة التساؤل التي هي حالة الصوت ، و التكوين و القصيدة معا . إن الأصوات التي تبحث عن اكتمال شبحي تسهم في إبداع السيمفونية بين الهدم ، و التساؤل ، و الدهشة ، و الإنشاء الملتبس بالغياب ، و كأن اللغة في حالة أدائية تؤجل الوعي بها دائما ، و تجعل من التأويل صورة أخرى تستبدل الأصل ، دون نهاية حاسمة ، أو عودة لنقطة بداية معرفية .
أما السرد في هذه الكتابة الجديدة فيبرز الوجود الفريد للعلامات الكونية – الشعرية ثم يؤوله في سياق طيفي ، أو فراغ ينتظر ولادة تكوين آخر يحتمل أيضا الأسئلة ، و تعليق الإجابات المكتملة .
في نص " الصوت " يخرج مفهوم الصوت من مركزية إدراك العالم ، إلى تداعيات الأثر في الكتابة ، و ما تحتمله من لعب ، و تحويل ، و تخييل مستمر . الصوت هنا لا يحيلنا إلى الوعي المتعالي بقدر ما يحيلنا إلى الكتابة و احتمالات المحو عند دريدا .
يقول :
" كيف يستحيل الصوت صورة صائتة ، صوت له عينان و أذنان ، هل تبصران إيقاع الزمان ، أم تسمعان النسغ يصعد في جسد الكائنات . نامي هنيئا مريئا إلى مفترق قادم . أيتها الطفولة التي تعدو إلى الوراء . لماذا تهربين من ثيابي المبتلة بالمراهقة الفاترة .. زمان ملعب ، و شمس تشوط الكرة ، تدس في أذني أسرارها العاطفية . ترفض الغروب . من يدري ؟ " .
الصوت هنا يعاين إعادة تكوين مستمرة ، و لكنه يحتفظ بهويته معا ، و كأن الهوية مجرد أسئلة ، و أداء كوني – سردي . الصوت معلق في الأسئلة الشعرية – الوجودية ، و كأنه يكمن في منطقة سرية تستمد قوتها من تداخلات الأزمنة ، و صيرورتها الإبداعية خارج المنطق ، و الحدود ، و الحتميات .
الصوت قوة خلاقة ، و فراغ في آن ، وهج للغياب ، أو الموت ، و مساءلة للموت أيضا ؛ فهو يبدع الأثر بينما لا يتمتع بالحضور ، و رغم غيابه فهو في حالة سردية تتولد منها الأسئلة دون نهاية واضحة .
إن كتابة رفعت سلام تجمع العلامات المتضادة لتؤكد أصالة الاستبدال ، و التناقض في المفاهيم الثابتة ، فالحياة تبزغ في موت خفي ، و الصوت يعلن حضوره بينما يعاين حالات السلب ، و الألم .
يقول في نص " زنزانة " :
" ضيق واسع هذا الرحم الحجري ، و قلبي وردة ، أو قبرة ترفرف في سماء حديد .. ابتعدوا عن مجالي الحيوي . قلبي طلقة خائبة أطلقها ، لا تصيب الوقت . أيتها الطلقة الخائبة لا بأس . لنا موعد آخر فيما مضى ، أعابث الوقت و الجنون خلف باب مصفد " .
إن الصوت ينهار في قوة ، حيث يبدو السلب فاعلا ، و الموت حياة خاصة . إنه يضخم الحالة الجسدية – الكونية ليصل بها إلى مستوى الغياب في أشباح الألم ، فالجسد يشبه الغياب ، أو الفراغ في ضخامته ، و فاعليته السالبة . و كأن الصوت يعلن حضورا ينفي عنه الحالة الجسدية من خلالها . و هنا يعيد رفعت سلام قراءة بعض فقرات من الإنجيل ، فيضخم من حالة الألم ، و نشوة الخروج المتكررة من خلاله ، و كأن الجسد معبر للحرية من خلال زنزانة الموت ، و الألم ، و السلب ، و كلها تحمل سمة دائرية في النص ؛ فالجسد يتضخم ، و يتلاشى ، و يعاد تكوينه دون اكتمال دائما .
يقول :
" و أغرس الأشواك في ثدي الإجابات الأليفة مرة أخيرة ، فأطلقكم إلى المراعي و الحقول الآثمة . لا أوتاد بعد اليوم .. أنا الراعي الأليم " .
و في نص " 1977 " تبعث الكتابة وهجا خفيا في حالات التفكك ، و التناثر ، هل هي رقصة نيتشوية ؟ أم أنها أطياف للدم البشري القديم ؟
إن الموت في هذه القصيدة يولد كتجريد لصوت المجموع الميت – الحي ، حيث تختلط أصوات القتل ، و اللذة ، و الولادة المتجددة .
يقول :
" أفتح الباب في الليل ، أشلاء الغجر مبعثرة في الغرفة ، أعضاء كلاب و دببة .. جمرات نيران منطفئة ، عجلات حطام ، شهوات مرجأة ، أصابع مبتورة ، مطر يهطل في العاصمة الجليدية ، شوارع متناثرة ، و الحصان المحلق ممزق .. يا أمي ، ألملمها ، أرممها " .
الغرفة مملكة كونية لا زمن فيها ، و لا موت ، و لا صوت ، و لا حياة ، و هي وهج الحياة الخفي ، و صخبها المعلن في آن .
قوة الطوطم هزيلة ، تجريدية ، و دموية مقدسة معا ، الدم أثر التلاشي و التكوين الآخر ، أو النشوء الملتبس لا الحقيقي .
الموت يتعدد في هذه القصيدة من خلال الظل ، و العتمة ، و الانتشار الذاتي للصوت ، و الذي يقاوم بنيته الأحادية .
يقول :
" أنا النعامة أدفن رأسي في غيمة في بنطلون ، أو أعتصم بالشيطان ، أو أفر إلى الغجر ، أو أخترع خزعبلة ذابلة أتخفى في ظلها ساعة أو ساعتين إلى أن يحين الحين فأمتطي فرسي النحاسي بلا سوء ، لست أنا أيها الأفاضل . إنني الآخر الباقي من السابق القتيل " .
من الفراغ يولد الآخر الذي يرفض الصوت الأول / المتكلم بينما يستعصي على العدم . هل هو التكرار الخفي في بنية العدم ؟ و الذي يؤجل مدلوله في صور النعامة و الراقص ، و الفرس النحاسي . النعامة هنا تقبض على جوهرة التخيل الكامنة في الظلمة ، فيما يشبه العدم .
و قد يطرد الظل أشباهه من خلال مملكة مؤجلة دائما في نص " مملكة " .
يقول :
" رحم قبر يلفظني إلى الشوارع ، أنتزع الجثث المتشبثة بي ، تضرع لي ، تتسولني ، اخرجي مني ، عشرين عاما تقتاتين أوقاتي ، تمتصين دمي ، عشرين دهرا ؛ كل دهر قصاص " .
الرحم يستبق الموت و يشبهه ، و يؤجل حدث الحياة قبل أن يبدأ ، و كأنه يقرأ الحياة بوصفها تشبيها ملتبسا لا أصلا ، مما يذكرنا بأصالة التشبيه و المحاكاة في فكر جان بودريار .
و لكن الظل / الصوت ينخرط في الأداء السردي ، و يفكك الأبنية الزمنية من خلال التلاشي و الحضور معا .
إن المتكلم ينتسب لصوت هوائي قيد التشكل خارج تاريخه ؛ فهو يحرف الماضي في المستقبل ، و يجمع بينهما في الكتابة ، و لكنه يرجع أيضا ألي صوته الأول المتألم .
يقول في نص " لماذا " :
" أيتها التواريخ اخرجي مني قليلا ؛ لأتسع لي قليلا / ضيق كثقب إبرة على نفسي ، لا أنفذ مني " .
إن المتكلم يستشرف ذاتا أخرى لا يعرفها ؛ تشبيهية ، و انتشارية ، و لا زمنية معا ، فهي تجسد الغياب في الصورة ، و المرح في تضاعف الصور الحاملة لأثر الصوت ، كما أنها لا تتمثل الماضي أبدا ، بل ترفضه و تعيد قراءته باستمرار ، و هو ما يجعل التاريخ الخاص معلقا في الكتابة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة