الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال كامل شياع اغتيال لتاريخ البلدة ولمبادئها

نجم خطاوي

2008 / 8 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


وهذا مساء آخر يقدم ثقيلا, أتيا بأخبار من الوطن توجع الروح.
منذ ثلاث ساعات فقط وصلني عدد الثقافة الجديدة الأخير(325).
رائحة الورق تقربني من روح النصوص, وبريق نور الكلمات الجريئة الصادقة, يملأ روحي بالدفء, ويحيطني بالألفة.
لا أدري لماذا استهوتني مقالة الكاتبة الإيطالية ميرالا غاليتي, عن المثقف العراقي شاكر خصباك, دون غيرها من المقالات....
قرأت المقالة بتفاصيلها, وهي تنم عن اهتمام الكاتبة بدراسات هذا المثقف والكاتب والمفكر العراقي, واستغراقه في تحليل الشخصية العراقية, عبر نصوصه, وتسليط الضوء على المشاكل البنيوية, التي عاقت تطور ونشوء مجتمع مدني ديمقراطي.
ومن دون كل تفصيلات المقالة, ظل توصيف الكاتبة لواقعية شاكر خصباك في اختيار رموز شخصياته في روايته(حكايات من بلدتنا), يحفر في داخلي, مثيرا كثافة الأسئلة.
يقول النص الذي أوجعني, والذي سيوجعني أكثر لاحقا:
( إن الرجال الذين يسوقهم البرابرة إلى الموت كل يوم في الواقع تكوينات من لحم ودم وهم جزء من كفاءة البلدة على التمسك بقيمها ومطامحها وحريتها.والاسم عند شاكر خصباك ليس هدية شخصية ولكنه قيمة إنسانية ووطنية.ولذلك فحينما يطلق البرابرة رصاص رشاشاتهم على رجل ما فإنهم يغتالون مساحة من تاريخ البلدة ومن مبادئها).
وبين أنا غاطس في مقالة الكاتبة الإيطالية وهموم شاكر خصباك, حتى صعقني الخبر القادم عبر التلفون من صاحبي في مدينة ارفيكا السويدية(أبو العباس), وهو يعزيني برحيل الكاتب والمفكر كامل شياع.... وغطست أكثر في أحزاني ودهشتي ودموعي, فهاهم البرابرة الهمج الأوباش يفلحون مرة أخرى باغتيال مساحة من تاريخ ومبادئ البلدة العراق.
ووجدت نفسي ودون مقدمات أغرق في بكاء حاد وأنا أحتضن مجلة الثقافة الجديدة كما تحتضن الأم وليدها, وخفت أن يطول بكائي, خصوصا وأنا أعمل بائعا في دكان يكثر فيه الزبائن.
عدت لصفحة المجلة الأولى, وبالتحديد عند المربع الذي كتبت فيه أسماء مجلس تحرير مجلة الثقافة الجديدة, وتوقفت طويلا كالمصعوق, عند اسم كامل شياع, أتطلع للاسم الرمز, لتلك القامة الثقافية والفكرية التي أغنت المعرفة الفكرية والثقافية في العراق, بعشرات المقالات والبحوث الفكرية والثقافية والسياسية الجريئة.
لقد ظفر القتلة الأنذال, أيتام أوباش أنظمة العهر والديكتاتورية, في تغيب جسد الكاتب والمفكر كامل شياع, وهي على كل حال جريمة لا تنبأ عن شجاعة وجرأة منفذيها, وكان كل ما يكفيهم ثلة من المجرمين وبعض رشاشات وقرار باغتيال رمز من رموز الثقافة العراقية التقدمية, ولم يكن كامل في حصون منيعة, ولا في حراسات كبيرة, ولا محاطا بفخفخة رجال الحماية.
كان يتنقل بين هموم وزارة الثقافة وأوجاع المثقفين, وبين صحف المدى والصباح, وغيرها, ووسط شوارع المدينة بغداد, التي عشقها حد الجنون, والتي من أجلها هجر بلجيكا ومغرياتها, وأوربا وأضواء المنافي.
ربما أخافتهم شجاعتك وأنت تنقش بحروفك الثورية النبيلة, مواقفك عن دولة القانون والمجتمع المدني والحريات, وعن الوطن الحر والشعب السعيد, وعن العدالة وحق الفقراء أن يعيشوا حياة تليق بهم كباقي البشر.
ربما أخافهم حوارك مع الكاتب حيدر سعيد, وغيره من الكتاب, عن جذور مشاكل الثقافة والحريات, وفهمك لدولة القانون والديمقراطية, وحق الناس في أن تكون الثقافة قريبة منهم ولهم.
أو ربما أخافتهم سجالاتك الفكرية الكثيرة, وكتاباتك عن ضرورة أن تعم الثقافة الوطن, وأن تحضي برعاية واهتمام الدولة, وأن تعم المسارح ودور السينما والفنون والآداب, في كل مدن الوطن.
ربما أخافتهم شجاعتك ومواقفك في أن يكون للمثقف حرية العيش في وطن تحترم فيه وتقدر كتاباته وإنجازاته الثقافية, ويكون له تأثير في كل القرارات المصيرية التي تهم حياة الناس والوطن, ويكون له الحق في العيش والعمل بحرية ودون سلطة رقيب.
لقد نجحوا يا رفيقي, ولو قليلا, في حرمان الناس في ريف العراق ومدنه, وكل المهتمين بشؤون الثقافة في الوطن وخارجه, من معانقة حروفك النبيلة, ومن التزود من زادك الفكري والنظري الثري, لكنهم واهمون مثل كل مرة, في القدرة على إسكات كلمات العدالة, وألام فائض القيمة, وحقوق الفقراء, والوطن الذي لابد أن يكون حرا, والشعب الذي كافحت ويكافح الآلاف من حاملي راياتك أن يكون سعيدا, ولو طال الزمن......
لقد شاعت كلماتك يا كامل شياع سوية مع قطرات ماء الخابور وديالى والزاب ودجلة والفرات, وسط الناس, وقد قرأ ويقرأ كل يوم, ألاف العراقيين, ثقافتك الجديدة وطريق شعبك وأفكارك الماركسية التنويرية.
لقد حرموك في أن ترى ما ستكون عليه نتائج حملة مجلة الثقافة الجديدة, التي أنت في مجلس تحريرها, في الوطن والمنافي, في إقناع قراء ومشتركين جدد, في قراءتها والاشتراك في اقتنائها, وهي الحملة التي بشرت وتبشر باشتراك الكثير من الشبيبة والقراء الجدد, والتي لا زالت مستمرة.
لقد توسد جسدك تراب ارض الوطن, وهي خسارة فادحة لنا جميعا, لكن كلماتك, وصفحات مجلة ثقافتك الجديدة, وجريدة طريق شعبك, وأفكار حزبك الشيوعي العراقي, ستظل باقية, تقرأها الأجيال, وتستند إليها في البحث عن الهداية والسبيل إلى سعادة الناس والأوطان.
لقد نجحوا برشاشاتهم في اغتيال مساحة من تاريخ البلدة ومن مبادئها, لكنهم نسوا أن البلدة هذه لن تطأ رأسها, وستحمل الرايات مرة أخرى, قامات ثقافية وفكرية, وعلى طريق الشبيبي وأبو سعيد وخليل المعاضيدي وحميد الجيلاوي وقاسم عجام وكامل شياع.
المجد والخلود لك يا كامل شياع
العار العار للقتلة أعداء الثقافة والوطن









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة