الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجزرة سميل واحلام الفقراء

كوهر يوحنان عوديش

2008 / 8 / 27
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


ما يريح بالي ويشعرني بسعادة كبيرة هو حريتي وعدم ارتباطي ، وبما انني لست من المسؤولين الكبار او من التجار التماسيح او احد السياسيين المعروفين الذين عليهم مسايرة هذا ودعوة ذاك، لذا اعفيت نفسي من الرسميات بما يخص تلبية الدعاوي او بالعكس اقامة ولائم على شرف البارزين من وجهاء المجتمع!!!، لكن هذه المرة كان الامر مختلفاً والمناسبة كانت اكبر والحادثة كانت الاهم في تاريخ شعبنا، لذلك تشجعت وقررت ان ادعو بعض الناس الذين لم اتعارف وإياهم من قبل، رغم خوفي من عدم حضورهم او رفضهم لدعوة شخص لم يلتقوا به او يتعارفوا معه.
كنت قد رتبت صالة البيت( التي لا بأس بها ) لاحتواء الضيوف والترحيب بهم، وفي الوقت المحدد دخل الضيوف يتقدمهم شيخ كبير السن ذو شوارب طويلة ولحية كثة بيضاء، ان دلت على شيء فانما تدل الحكمة والذكاء، ويتبعه خمسة اخرون محدودبي الظهور يغطي الغبار رؤوسهم البيضاء وملابسهم الرثة وتحفر التجاعيد وجوههم الهزيلة، ومن ثم يتبعهم الاف اخرون باعمار مختلفة بعضهم بلا رأس والاخرون فاقدي الارجل او الايدي او محروقين او ممثل بهم، ولضيق المكان بقى بعضهم خارجاً.
لما رأيت هؤلاء تجمد لساني وانشغل تفكيري بكيفية تدبير الطعام لهم وتأدية واجب الضيافة على احسن ما يمكن لانني لم اكن مستعداً لتقبل كل هذا الحضور وبهذه الكثافة، وطار فكري مباشرة الى كلفة مأدبتهم ( لانني لست من السماسرة المعروفين ) حتى انني نسيت اصول الترحيب، لكن شيخنا الجليل انتشلني من دهشتي وايقظني من غفوتي قائلاً:- لا تشغل بالك فنحن لم نأتي للاكل والشرب، بل لحديث هاديء وجدي عن المأساة التي تنتقل معنا من جيل الى جيل، والانانية التي تسري في عروقنا والبساطيل التي تسحق روؤسنا ونحن نبوسها، وغيرها من الامراض المعدية التي ابتلى بها شعبنا.
قلت في نفسي من غير اللائق ان نجلس هكذا فسألتهم ان كانوا يرغبون بفنجان قهوة عسى ذلك يخفف من وجع رؤوسهم قليلاً اثر طول المسافة وتعب السفر، فأجابوا بالايجاب شرط ان تكون ثقيلة وبأكواب كبيرة واضاف الشيخ بهدوء معلقاً، لو كانت القهوة بالبراميل لكان الامر افضل لان ذلك سيريح اعصابنا وافكارنا المنهارة جراء ما يتعرض له ابنائنا واخواننا من ظلم ومعاناة على ايدي الغرباء ولامبالاة القادة والرؤساء.
بعد الانتهاء من شرب القهوة بدأنا بالنقاش والتحاور:-
قال الشيخ :- رغم كوننا من زمن اخر غير زمانكم الذي تعيشونه الان لكننا متساوون ومتشابهون ومشتركون في المآسي والمحن، والزمان يعيد نفسه والمذابح تتكرر والشعب في هلع مثل قطيع تفتك به الذئاب بصمت دون مقاومة وطوبى لمن ينقذ نفسه.
قلت :- نعم الزمن يعيد نفسه مع فارق وحيد وهو الاخلاص للقضية، كنتم اكثر اخلاصاً منا لم تكن الاسامي تفرقكم ولا الالقاب والمناصب تحثكم على النزاع فيما بينكم كما يحدث الان.
قبل ان يجيبني الشيخ رأيت ان مرافقيه من الشيوخ الخمسة ( الذين حسبتهم اعوانه او مستشاريه. وضح لي الشيخ بأن هؤلاء كانوا اشد المنافسين لبعضهم البعض على الزعامة، وبذلك فرقوا بين الشعب الواحد حيث ترأس كل واحد منهم جماعة معينة واختصر الاراء والمواقف بنفسه فقط دون الرجوع الى العامة من الشعب، لكن الان اعترفوا بأخطائهم وشكلوا هذا المجلس .... لكن بعد ماذا ؟؟؟ ) احمرت وجوهم واحنوا برؤوسهم علامة الخجل والندم، فقال والحسرة تفيض من كلماته :- يا ولدي انت صغير على هذا، هذا الورم الخبيث الذي اكتشفتموه الان مضى عليه مئات السنين، فهل تسطيع انت او غيرك استئصاله بجرة قلم او دعاء بسيط، وكيف سيسمح لك بفعل ذلك من يعيشون على هذا الداء ؟ الا تعرف ان الشفاء يعني افلاسهم وزوال امتيازاتهم وضمور مكانتهم الاجتماعية. كان لنا قادة كبار يحملون قضيتنا مع دقات قلوبهم، وبجرأتهم وشجاعتهم استطاعوا ان يفعلوا لنا الكثير لكن اين هم الان؟ نعم سيخلدهم التاريخ لكن ( القرادة )1 التي تعيش بيننا والسماسرة الذين تشبع بطونهم وتظل عيونهم جائعة مهما ملكوا، باعوا كل شيء وربطوا حيواتنا ومستقبل اولادنا واحفادنا بما يكسبون، وشوهوا سمعة وتاريخ كل المخلصين والاوفياء والمناضلين الحقيقيين.
وقبل ان ابدأ بسؤال جديد شرع احد الخمسة بالكلام وقال:- يوما ما ستندمون كما نحن نادمون اليوم، لكن بدون فائدة لان الوقت يكون قد مضى وجذوركم في هذه التربة تكون قد جفت واوراقكم الخضراء تكون قد اصفرت تلعب بها الريح، عندئذ فقط ستشعرون بالخجل والعار، الخجل من بقية الذرية التي تسألكم عما فعلتموه من اجلها، والعار الذي سيلاحقكم ويختم جبينكم بعلامة سوداء تميزكم عن باقي الشعب بسبب تصرفاتكم وقراراتكم المشينة واستغلالكم لمأساة هذا الشعب المسكين.
نظرت اليه نظرة توبيخ تشوبها بعض الحيرة، فمن حسبني حتى يوجه كلامه القاسي المشبع بالاهانة الى شخص مثلي بعيد كل البعد عن مصدر القرار، فقلت:- يا سيدي لقد اخطأت بحقي كثيراً فأنا لست واحداً منهم ولا تربطني بهم أي درجة قرابة او صداقة، ولست من المدللين لديهم او من الراقصين على حبالهم، بل مواطن بسيط يبحث عن الحقيقة ويكشفها.
قال :- لست واحداً منهم ولا تشبههم الان، لكن غداً ستصبح مثلهم او اسوأ منهم حالما ترى كرسياً فارغاً او تشغل منصباً معيناً يزيدك مالاً ويرفعك شأناً.
لم استطع ان اجادله اكثر فهو محق بكلامه هذا، فكم مخلصين بالكلام !!! كانوا يعارضون هذا او ذاك على سوء ادارتهم للامور التي تخص شعبنا، او يفضحون الانتهازيين على مواقفهم وتوزيعهم للمساعدات التي تخص الفقراء الارامل واليتامى على حاشيتهم واتباعهم العميان، واليوم بمجرد تسنمهم لمنصب معين او حتى تدرجهم ضمن حاشية الخدم، او المنتظرين فتات موائدهم العامرة، اصبحوا اسوأ منهم واكبر مزمرين وطبالين لاعمالهم وافعالهم واقوالهم.
وبعد صمت قصير نهض الشيخ من مكانه ليودعني منهياً بذلك زيارته القصيرة، استوقفته بسؤال اخير، فقلت :- هل من امل يا سيدي ؟ ماذا تريد ان انقل لهم وبماذا انصحهم واخبرهم؟
قال :- النصيحة لن تفيد لان الانانية اعمت بصيرة الجميع والمصلحة الشخصية اصبحت اقوى واكبر من أي شيء اخر، لكن ارجو ان تخبرهم بأن الشموع التي يشعلوها لذكرانا وكل الندوات والاحتفاليات التي تقام بهذه المناسبة والتي يصرفون عليها ملايين الدنانير لن تشعرنا بالفخر او الفرح بقدر سعادتنا وزهونا ببعث ضحكة او رسم ابتسامة على فم طفل يتيم او مساعدة ارملة في حملها الثقيل. اما الامل يا بني فلا اعرف ماذا اقول لك، عن أي امل نتحدث ونحن نرى ونسمع ما يجري من ظلم وغدر وتناحر وتنافر .... عن أي امل نتحدث ومقدرات الشعب تبتلع وتنهب ببساطة مثل تدخين سيجارة او شرب كأس ماء، عن أي امل نتحدث وكل واحد منكم يسحب الحبل من طرفه بعكس الاخر، املنا الوحيد يكمن في الامل نفسه عندكم مخلصين لكنهم ضاعوا بين الاخرين، لذلك اصبحتم مثل المجانين العميان لا تميزون بين الالوان والاقوال والافعال، يفكرون بواقع حالكم ويساعدوكم مرة ليخدعوكم وينزعوا عنكم جلودكم الاف المرات.
قبل ان اصافحهم واودعهم بطريقة مهذبة ولائقة ( ضيوفي كانوا ضحايا سميل واخرون كثيرون استشهدوا وقتلوا غدراً لانهم مسيحيين ) كنت قد استيقظت من نومي لاكتشف ان هذا كان حلماً، لكن لماذا هذا الحلم وهؤلاء الناس بالذات ؟؟ لماذا لم احلم بقصر كبير وسيارة حديثة وحماية منتشرين حول مسكني وخدم يسألونني عن رغباتي واحتياجاتي من اكل وشرب وشهوات كما يعيش كل مسؤولينا الكرام؟؟؟

1- حشرة تمتص دم الحيوانات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة