الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعاً عن حسن ومرقص

طارق قديس

2008 / 8 / 28
الادب والفن


سألت العديد من الناس عن آرائهم بفيلم (حسن ومرقص) لعادل إمام، فكانت معظم الإجابات تتدحرج من أفواه أصحابها على الشكل التالي : "أعوذ بالله، أنا لا أتفرج على عادل إمام، إن أفلامه تحرض على الفتنة الطائفية! وإما : "أنا لا أحب هذا الممثل، فهو ليس على مستوى المطلوب!"، وإما : "عادل إمام دائماً ينتقد التطرف!".

الغريب أن أياً ممن سألتهم لم يشاهد الفيلم، وإنما كان ينطق فقط عما اختزنه بداخله من منقولات عن الآخرين، والذين ربما لم يشاهدوا الفيلم بدورهم. والحق يقال أن الزعيم عادل إمام لم يعمل بفيلمه الجديد على إيقاظ الفتنة الطائفية كما يحلو للبعض أن يتهمه، وإنما قام فقط بتعرية أؤلئك الذين يدعون إلى التسامح الديني في دولة مصر في المؤتمرات والندوات الدينية الرسمية، وهم في جوهرهم أعداء التسامح، فالزعيم أراد كعادته أن يتخطى الخطوط الحمراء، وأن يكشف عن حجم النفاق الاجتماعي والديني الذي تمارسه شريحة كبيرة من الفقهاء والكهنة في مصر، والذي وقوده دوماً هو المسلم والقبطي العاديين واللذان لا حول لهما ولا قوة إلا اتباع هذا أو ذاك، فمشاهد الفيلم الأولى التي بدأت بجمل منتقاة رددها العامة من الناس في الشارع المصري قبل الممثلين تظهر إلى أي مدى قد تفشى ذلك النفاق في المجتمع، وقد ظهر في مشهد سريع شيخان يتحدثان - وهما في طريقهما إلى مؤتمر حول الوحدة الوطنية - عن أن المسيحيين قد حصلوا على حقوقهم بالكامل، حيث أنه يتعذر حتى وجود متسوّل مسيحي في شوراع مصر، فيما يعبر كاهنان في مشهد موازٍ عن الصعوبات التي تواجه الأقباط في سبيل إصلاح حمامات كنائسهم فكيف إذا كان الموضوع يتعلق ببناء كنيسة! إلا أن المشهدين لا يلبثان أن ينقلبا 180 درجة حينما يظهر الكاهنان والشيخان في مشهد أقرب للكوميديا منه إلى الدراما وهم يمسكون بأياديهم معاً هاتفين : (يحيا الهلال مع الصليب)!

والفيلم إذا ما أردنا أن نقيِّمه فهو باختصارقطعة فنية فريدة استطاع الزعيم أن يقدمها لعشاقه الذين تعودوا على هذا النمط من أفلامه التي اعتاد أن يناقش فيها القضايا الساخنة في حينها، بدءاً من (الإرهاب والكباب) عام 1993، و(الإرهابي) عام 1994 ، ثم (طيور الظلام) عام 1995، ثم (أمير الظلام) عام 2001 ، ثم (السفارة في العمارة) عام 2005، فـ (عمارة يعقوبيان) عام 2006، انتهاءً بفيلم (مرجان أحمد مرجان) 2007.

إن أحداث الفيلم التي رسمها يوسف معاطي مؤلف العمل بريشة موهوبة عن رجل دين مسيحي متسامح اسمه بولس يجسده عادل إمام، وشيخ مسلم معتدل اسمه محمود يلعب دوره الفنان عمر الشريف تبدأ بنوع من الدراما الكوميدية، إذ يجد هذان الرجلان نفسيهما في مواجهة شريحة كبيرة من المتعصبين تحاول أن ترهبهما بتفجير سيارة الكاهن، وإحراق محل عطارة الشيخ، الأمر الذي يتطلب تدخل الحكومة للحفاظ على حياتهما، فيكون الحل بإخفائها وعائلتيهما تحت أسماء مستعارة، بحيث يصبح اسم بولس هو حسن، ومحمود مرقص، إذ تنطلق من هنا الأحداث بين الدارما والكوميديا من مشهد إلى آخر لتنتهي بإظهار المعدن الأصيل لكلا البطلين اللذين استطاعا رغم الصدمات والمحن والانكسار أحياناً أن يحافظا على تسامحهما مع الآخر والاعتدال في رأيهما.

هذا وقد استطاع إلى جانب الزعيم عادل إمام الفنان عمر الشريف أن يؤدي دوراً مميزاً يضاف إلى أعماله الكبيرة عبر تاريخه الطويل والحافل في لقاء مميز بين عملاقين كبيرين، كذلك ابن الزعيم الفنان الصاعد محمد إمام والذي لعب دور ابن الكاهن بولس بإتقان، ليشكلوا مع المخرج رامي إمام ، والكاتب يوسف معاطي سميفونية غاية في الرقي، لم تخلُ في بعض من أجزائها من المبالغة غير المدروسة حيث قام المؤلف بالمزج بين الحقيقة والخيال، كالمشهد الأخير في الفيلم الذي بدا مفتعلاً إلى حدٍّ كبير رغم دلالته الرمزية العالية، والذي كان بإمكان المؤلف استبداله بمشهد أكثر منطقية.

ولعل أكثر ما يحسب لهذا العمل ككل هو أنه قد تخطى حاجز المناطق الشائكة - رغم ما تردد من أن أجهزة الرقابة قد تدخلت في النص وحذفت عدداً من المشاهد فيه - وقد أظهر بوضوح كيف يتعامل المتشددون المسلمون في مصر بحذر مع الأقباط، وكيف يمكن لقبطي متعصب من أن يغضب من صديقه إذا وافق على إسكان رجل مسلم معه في العقار. هذا كما يحسب له في نفس الوقت أنه أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن التمثيل لا عمر له، وأن الفنان طالما هوعلى قيد الحياة فبإمكانه أن يقدم ما هو مميز وهادف لجمهوره المحب، وقد أجاد الفنان عادل إمام في لعب دوره المركب، فأتى أداؤه متقناً إلى أبحد الحدود، وقد أثبت مجدداً أنه الزعيم الوحيد بلا منازع الذي يتربع على عرش السينما المصرية بلا منافس، مهما قال هذا أو انتقد ذاك، وقد أخذ على عاتقه أن يحارب التطرف دون هوادة على طول الخط وعرضه منذ زمن بعيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال