الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إطلالة على كتاب ... -ألإنتظار في ماريون - ديوان في قصيدة

كريم الثوري

2008 / 8 / 28
الادب والفن


تتخذ العناوين العريضة حيزاً في ذهنية الشاعر فيسيل لعاب شاعريته وكأن مناطق ما في جمجمته الزرقاء تستنجد بعدما تعبأت فيسيل لعابها الذي تفصد فلا يجد المارد الذي يستوطنه بُدّا ً في دفعها ومقاربتها بعملية يَستفز فيها الشاعر ماكنة الخيال واللفظ لتوظيفها دفعاً للقلق ومحاولة أستعادة الاستكانة مع واقعه مسايراً ومهادناً أياه.

تُشكل وتتشكل الغربة كمحطة خصبة يجد فيها الشعراء المنفيون واحتهم الخضراء بعدما ضاقت عليهم الدروب والازقة في اوطانهم.
فسحة التخيل وغياب الرقيب السياسي وبحبوحة العيش النسبي مكنهم من محاكاة غربتهم الاصل بغربة وليدة العهد مستغلين كثافة الاكتشافات لخلق مقاربات تغني وتشبع الهيام .

جديدها حمال أوجه فمن جهة تغازل سنارته بسخرية تدفعه للرد ومن جهة اخرى تناغي مخيلته التي اماتتها الايام ذات الاتجاه المغاير الموحش كما ان ضحكاتها المجلجلة تسخر من عقيدته المتجهمة لذالك تراه يفتش في المسارات وجغرافيا الوجوه عن مكائد ينفث من خلالها سمومه القاتله له وحده ليستريح , وهل يستريح .؟
تتحول جهامة(مُتربص ) الوجوه والامكنة التي لا يربطها معه الفة الاستعداد والتواد الى نوع من الشيزفرينيا الحادة تقزم الممتد (ماريون ) وتُحيلُ المُستنقع المعشش ذلك الذي تعتاش به الحشرات الى سمفونية بويب الخالدة .
ولو فعل الشاعر غير ذلك وهو جائز عقليا لتوقف قلبه الذي هو مداد شعره عن الجريان لذلك تراه يحرك بوتقة تنافس ضرتها فيستدعي اية المباهلة( هاتوا ابناءنا وابناءكم نساءنا ونساءكم قرانا ومدنكم وتعالوا نبتهل الى الله ونرى اي الفريقين اقرب منزلة )


ومحاولة صديقنا الشاعر كيطان تنساق في هذا الاتجاه وهي عملية سار عليها الغالبية العظمى من الشعراء والفنانين بحدود العالم وليس العراق تحديداً .

هنا في البقعة النائية
أتعلم الجلادة كلَّ ليلة
تذوب الليالي واحدة تلو الأخرى
فيما قدماي تدمنان الارتجاف
عيني على السكارى
والأجساد التي ترمي بالشرر
لا أريد ما أتعلمه
لأنه ببساطة لا يناسبني
ساعات ثقال لا أملك فيها غير تأملات ليست ذات جدوى
ولأنها كذلك
فإنني أُكْثِرُ من الحنين
ما يجمع المقاطع أعلاه ويوحدها هو احساسه بالحنين الذي يحول دون التوحد معها بالرغم من روابط المعايشة وسيرورة الايام الجامعة بينهما
فلماذا عليه أن يتعلم الجلادة كل ليلة , ويستخدم الذوبان بالنسبة للايام وقدماه تدمنان الارتجاف ويُشكل على السكارى وكانهم لا يشبهون سكارى بقاع الدنيا وسكارى العراق لن ترويهم خمهور الدنيا وعرقهم كحول خالص والشرر النافر من الاجساد هنا مقزز ولكنه في العراق اليف ومقبول ؟؟؟
الاستغرابات على المستوى الشعري لها ما يبررها انسانيا انها ببساطة شديده نتحسسها بدلالة الالفة والمواطنة .
ويختصر المشهد اعلاه

لأنه ببساطة لا يناسبني
عدم الاستعداد هذا هو( موتور وليس مبتور) لذلك هو قريب كل القرب من المدفونات الفطرية التي تحول دون التلاقح بدلالة العقل ( فكل ما هو معقول مقبول ) .
سطوة وحضور القلب وحيرة وتقلب العقل جعل الردح الشرقي اقرب الايقاعات منزلة لديه من رقصة الديسكو .
ويستطرد:


ساعات ثقال لا أملك فيها غير تأملات ليست ذات جدوى
ولأنها كذلك
فإنني أُكْثِرُ من الحنين
الوقت ثقيل يذكرنا بشهيد الشعر خليل حاوي :
وعرفت كيف تمد ارجلها الدقائق
كيف تجمد
تستحيل الى عصور
وتاملاته جدواها في حضورها وانقاذه مما يعانيه والا فهي ليست بذات جدوى .
الحنين هو الاخر لا يسمن من جوع ولكنه لا يستطيع ردعه .
حصار مرير لم يفلح معه التامل ولا الحنين الا ان يضاعفه بالافراط والاكثار ليوازي معادله الموضوعي

كان أبي قد تعلم رطانة ما أتعلمه الآن
حفظ الدرس جيداً
فأخرجوه شبه ميت من تحت السيارة
هكذا أمضى ثلاثين عاماً بعدها
يصمت طويلاً ولا يدخن
ما شد انتباهي في هذه الابيات الخمسة عدة حضورات كان في مقدمها حضور الوالد كيطان على الابن كيطان ( عبد الخالق ) وكان الاخير هو أمتداد لميثلوجيا مضحكة مبكية تسود العائلة العراقية وتصخم تاريخها المكتوب سلفا وما علينا سوى تحقيقة :
أثرُ بعد عين
هذا الشبل من ذلك الاسد
فرخ البط عوام
فوالده قد مرَ بنفس الرطانة واظنها رطانة العمل المعارض لتوجهات السائد قبل خمسين عاما وقد حفظ الدرس ( اي درس ) ؟
هل هو من ذات العين التي ارتوى منها عبد الخالق اعني درس المسلمات التي تلقنهاعلى ظهر الغيب , ربما درس الانتماء المعاكس لوجهة يعاقب عليها القانون لذالك :
أخرجوه شبه ميت من تحت السيارة أي سيارة ؟ سيارته المقيد خلف مقودها شاعرنا الطيب وهو كما نعلم عمله كسائق تكسي لاعوام طويلة ؟
ما علاقة : يصمت طويلا ولا يدخن ب الانتظار في ماريون ؟
الصمت دون ملهاة السكارة يشبه الانتظار في سوق مكتظ متفحصاً الوجوه والامكنة دون جدوى ويتقلى بعطر النساء الاخاذ
الصمت من دون سكارة يعني الآ حياة يشبه الحبس والتامل دون جدوى _ أتعلم الجلادة _
ساعات ثقال لا املك فيها غير تاملات ذات جدوى......( الابن )
يصمت ثقيلا ولا يدخن ......................................( الاب )
ماساة الاب طاغية بشدة في مخيلة الابن فكلاهما مر بنفس التلقين والمذلة والنهايات
لذلك شاخص الاب هو اول حضور الامثلة لدى عبد الخالق
أخرجوه شبه ميت من تحت السيارة
المدان الشاعر لانه يخشى الفعلة ذاتها فاعلا او مفعولا
( فهل يكون البرتقال رجال امن يقتلون البرتقال
وهل يكون الزارع المزروع مصلوباً على نخلة )
غرابة الموضوع انه يقودنا الى معادلة غير مسبوقة لواحد من الشعراء حينما يقول :
الانتظار في ماريون اليوم
لا يختلف عنه في شارع دجلة قبل خمسين عاماً
الوجوه هنا تختلف، وغرابة اللسان أيضاً ..
الانتظار ذاته
أجلس خلف المقود وأبتكر شكلاً للصبر
اذن حنينه على ماذا اذا كان الانتظار هنا لا يختلف عن الانتظار في شارع دجلة ؟
اي جزع ينتاب الشاعر ومقارباته كلها متساوية في داخل الوطن مثلها في ماريون ؟
فالاحتظار هو ذاته لكن حنينه ليس لهُ وجهة يرتكز اليها ؟
ربما الحرية من دون قيد هنا والقيد من دون حرية هناك طبعت وجه المرارة مما زاد من رمادية انتظاره دون جدوى الاكتراث بالمكان ؟
لذالك ليس امامه سوى الادعية مثل شيخ هرم :

ومثل رجل دين طاعن أُكْثِرُ من الأدعية التي تجلب الرزق
في المقعد المجاور يجلس أبي
وفي المقاعد التي خلفي يجلس أصدقاء تناثروا
ليس من السهولة على عاقل أن يعيش هكذا
ربما من أجل هذا ابتكروا الشعر والموسيقى
نحن امام محاولة جمع العالمين في ظل زمان ومكان افتراضي لتتحول الوجوه الممسوحة الى وجوه اليفة وهو خير توظيف للغربة يشبه احلام اليقظة ’ هو ابتكار لتطويع الغربة بنقلة نوعية لخلق عالم بلا جغرافيا وتطمين عالمه الممسوس وبهذا يكون قد منح لنفسه متنفسا ولعقله ايظا
اما الشعر والموسيقى فهما خيارنا الوحيد لتعديل اعوجاجات الواقعين المريرين وترويض الصبر

أنظر في المرآة الوسطية فأرى الشعر ينأى
وفي المرآة الجانبية
أرى حشد كمنجات يحيط به..
تكررت ارى مرتين
وهو توكيد على شيخوخة وانهزامية للشعر والكمنجات فهي عاجزة ايضا فتبدو كرطين الضوضاء وهو ينظر في المراة الجانبية .
انها الضوضاء التي تزحف وتقتل عالم البراءة
كذلك هو خلف مقود سيارته ليس اكثر من (دريول ) وجوه مغادرة ووجوه قادمة ومرايا تتناسل اشباحا ما يوحدها انها بلا ملامح
ربما من اجل هذا ابتكروا الشعر والموسيقى
حتى ملاذنا الاخير ينأى مبتعدا فيما هو يراوح في مكان متجلبب بجلباب الصبر
لا ادري ماذا تبقى من الصبر وما جدواه
وماذا نترجى من الحنين غير الشعر؟؟
بالشعر والموسيقى والكمنجات ينهزم الضجيج
واستدعاء الوجوه واستبدالها بوجوه مطببة لقروحنا النازفة
الانتظار في ماريون هو ذاته الانتظار في شارع دجلة قبل خمسين عاماً
بدلالة الصبر والاكثار من الدعاء كشيخ طاعن في السن ذلك هو كيطان الابن المنسلخ عن كيطان الاب (عبد الخالق كيطان) شاعرنا الخائف المرعوب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل