الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوراق مهربة من أقبية سرية.. رسالة طفل عراقي

نور العذاري

2008 / 8 / 28
حقوق الاطفال والشبيبة


" طلب بعض الأصدقاء أن أكتب لهم كلمات عن الطفولة.. فتبادرت إلى ذهني وعلى الفور حادثتان ستظلان عالقتين في فكري ما حييت.. كانت أولاهما عندما كنت أهم بالذهاب إلى بغداد شتاء عام 2005 ولن أنسى تلك الطفلة التي كانت تجلس قرب سكة الحديد في منطقة اللطيفية بذلك الثوب الممزق الذي لا يقي برد الشتاء إن صح أن نسميه ثوباً.. كانت تجلس أمام دارها الذي لم يكن أكثر من جدران طينية محاطة بسياج من سعف النخيل وهي تجلس على صفيحة معدنية ( تنكة ) قديمة وتحمل دمية مقطوعة الأطراف وتحدق إلى الأفق بنظرات شاحبة صفراء.. لقد كانت ترى بعينيها الملائكيتين مستقبلها.. أي مستقبل تراه يكون ذلك الذي تحلم به هذه الطفلة وغيرها الألوف من أطفال العراق الذين ولدوا مشردين لآباء وأمهات شًرِّدوا ولم تنصفهم حكومات البعث كما لم ينصفهم التحرير؟؟.. والموقف الثاني هو ما ذكرته الكاتبة الرائعة نرمين المفتي في مقالها الموسوم ( الجمهورية؟.. التي كانت؟.. ) الذي تحدثت فيه عن زيارتها لبناية جريدة الجمهورية التي كانت والمجمع السكني الذي أصبح لعوائل شردها البعث وسحقتها حكومات التحرير حيث أوردت في ختام مقالها ما نصه (( ...على السلالم و أنا انزل، كان حيدر، ابن التاسعة، يجلس منتظرا ليقول لي شكرا.. لم اعرف لماذا شكرني.. سألته إن كان يحلم و أجاب بحدة "لا".. حتى و أنت نائم؟ سألته، ليجيب مرة أخرى "لا".. و ليسألني بدوره: " خالة شنو يعني حلم؟؟!!.. صبي في التاسعة لا يعرف الحلم.. حاول أن يبتسم و لم يقدر.. و لم اقدر أن أتخيله في السنوات القادمة، تراه أي رجل سيكون صبي بلا حلم أو ابتسامة؟.. )) ودفعتني كلمات السيدة نرمين المفتي الأخيرة إلى التساؤل بصيغة أخرى.. ترى أي مستقبل ينتظر هذا البلد الذي جل أطفاله أصبحوا مشردين من الفقر والعازة والتفجيرات التي حصدت ذويهم.. هل سنسير في ركب التقدم والحضارة مع هذا الجيل القادم؟؟.. أظن أننا سنكون كذلك ولكن بالاتجاه المعاكس؟؟.. لأجل هذا أقدم لكم رسالة طفل من زمن التشرد والبربرية.. إنها رسالة طفل عراقي!!.. "
* * *



نحن أطفال العراق.. المحاصرون بألسنة الخوف والإرهاب.. القابعون في الزوايا المظلمة بانتظار من يمدّ يد المعونة لنا ولذوينا.. نكتب إليكم سادتي في كل بقاع العالم من بلد النخيل الباكية والأنهار التي صارت بلون الدم.. نكتب إليكم من بلد الشهداء والنساء الثاكلات.. والأطفال اليتامى الذين لم يعرفوا معنى الفرح بقدر ما عرفوا معنى الدمار والإرهاب والحروب!!..
يا سادتي الشرفاء في كل مكان.. وأنتم أيها المترفون على حسابنا.. الآكلون من لحومنا.. أنتم يا من تتلذذون بقتل ذوينا وذبحهم.. هذه رسالة طفل عراقي من الجنوب.. حيث الفقر والعازة والحرمان على مر العصور.. وحيث الإرهاب الذي قطف زهوراً من بلدتي في بيت من بيوت الله فأحالها هشيماً ورماداً باسم الرب الواحد الأحد.. إنها رسالة طفل عراقي.. يعتز بانتمائه إلى هذا الوطن الذي حباه الله الكثير وفضله على بقاع العالم فجعله مهد الرسالات والحضارة.. وموطن النبوة والإمامة.. ومثوى الأنبياء والأوصياء.. طفل يقدم جسده المحروق للعالم شهادة ناصعة على عصر بربري يحترف قتل الزهور والبلابل.. ويغتال زَهيرات الدَرّاق قبيل تفتحها.. أتلوها على مسامعكم بكل خشوع، كقديس يتلوا صلاته.. فأنصتوا إليها باهتمام وعناية..
" قبيل سنوات.. كان جرح أطفالنا في طفولته.. وكان الحزن يتعلم كلماته الأولى.. اليوم صارت جراحنا قبيلة من الجراح.. وصار الحزن وطناً بمساحة هذا البلد ذو الجرح الدامي؟!.. كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يصبح صديقاً للأطفال الصغار، لكني لم أكن لأتصور كيف يصبح الحزن وطناً نسكن فيه.. ولغة نتكلم بها.. وهوية يحملها أطفالنا الذين ما عرفوا معنى الفرح منذ حلّ ظلام البعث وأرخى ليل الإرهاب سدوله على أرض هذه البلاد التي تأكل بنيها كلما جوعتها الحروب..
نبحث عن مساحة للفرح فلا نجد إلا الحزن!!.. ونبحث عن مراع خضراء لنلعب ونلهو فيها فلا نجد إلا أرضاً مزروعة بالعبوات الناسفة والألغام وأشلاء ضحايا التفجيرات الإرهابية وشواهد المقابر الجماعية التي تعبر عن حقبة هي الأكثر بربرية في تأريخ الشعوب..
هل سبق لأحد منكم سادتي أن شعر بالنفي وهو في وطنه كأطفال العراق؟!.. دعوني أخبركم عن منافينا!.. حين تجد أطفالك مشردين على أرصفة الشوارع وتقاطعات المرور يبحثون عن طعامهم بين الخرائب، فهم منفيون!!.. وحين لا يجد أطفالكم مساحة للعب وملاهٍ للأطفال وحدائق عامة هنا وهناك، فهم وإيّاك منفيون!!.. حين لا تستطيع أن توفر لأطفالك مستلزمات الحياة الرغيدة التي يتمتع بها الأطفال في بلدان أقل منا علماً ورقياً وحضارة وخيرات، فأنت وإيّاهم منفيون!!.. حين لا تستطيعون إرسال أطفالكم إلى المدرسة خوفاً على حياتهم من مفخخة يقودها انتحاري سلفي ملء لحيته العفن فكلكم منفيون!!.. تكون منفياً إذا شاهدت طفلك يكبر أمامك وكله يرتجف خوفاً من أن تطوله طائلة الجوع والفقر والمرض التي طالت الكثيرين من أبنائنا بعد أن فقدوا ذويهم ومعيليهم جراء الحروب والقتل والتشريد والمعتقلات والمفخخات والتصفيات الجسدية المقيتة ليصبحوا مشردين على أرصفة الوطن المضرجة بالدماء.. أطفالنا، يحملون منافيهم بداخلهم وهم يتملكهم الخوف لا لشيء إلا لانتمائهم لهذا الوطن.. ترى ما شكل الحياة القادمة والمستقبل الذي ينتظره المئات من أطفال العراق وهم يعيشون بلا ماض ولا حاضر؟!.. كيف يتخيلون مستقبلهم إذا كانوا لا يعرفون معنى الحلم وكيف يحلمون؟!.. معنى الابتسامة وكيف يبسمون؟!..
أحمل بلادي نجمة مضرجة بدمها.. أنقلها إليكم كما تنقل البضائع الممنوعة عبر الحدود.. عـــــراق، يا عـــــــراق.. كيف يمكنني أن أتلفظ باسمه دون أن تسيل دموعي ويرتجف قلبي الذي يمزقه الألم..
عـــــراق، يا عــــراق.. يا حلمي وتأريخي وموطن الأهل والذكريات.. باقون يا عراق.. باقون هنا.. برغم الألم والقهر باقون... برغم الحزن والجوع باقون...
باقون في الحدائق والأشجار والنخيل والثمار.. وما زال لدينا أمل بأن تطلع شمس الحرية لدحر ليل الخوف والإرهاب والتعصب والطائفية المقيتة..
باقون يا سادتي نتكاثر على هذه الأرض التي تمتد إلى آلاف السنين.. تعلم الناس السلام.. وكيف يعيش الإنسان حراً عزيزاً كريماً.. وكل ما نريده يا سادتي..
بلداً تكون فيه المساحات الخضراء أكبر من مساحات المزابل والمقابر.. وحكاماً يسهرون على خدمتنا بدل أن يستعبدونا.. وشعباً متسخاً بزيت المصانع وحبر المطابع وطين بيادر القمح وبساتين البرتقال.. وأطفالاً لا يعرفون سوى المرح والفرح وأناشيد السلام..

شجرة.. شجرة.. أغرس شجرة..
تخضر الأرض وتبتسم..
تصفو الدنيا يحلو النسم..
شجرة.. شجرة.. أغرس شجرة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتهامات للاتحاد الأوروبي بتمويل اعتقال المهاجرين وتركهم وسط


.. مدعي الجنائية الدولية يتعرض لتهديدات بعد مذكرة الاعتقال بحق




.. مأساة نازح فقد فكه في الحرب.. ولاجئون يبرعون في الكوميديا بأ


.. صلاحيات ودور المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مرتكبي جرائم ا




.. كلمة أخيرة - أمل كلوني دعمت قرار الجنائية الدولية باعتقال نت