الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصاصو الدماء

محمد المهدي السقال

2008 / 8 / 30
حقوق الانسان


مركز الدفلى لأوهام العلاج من السرطان بالعاصمة نموذجا
تتجاوز مادة الاشتغال في هذا الموضوع حدود المكان رغم الاشتراك في إطار الزمان ،إذ لا تختص بجغرافية محددة في هذا العالم الثالثي الرجيم ، و الأدهى والأمر ، أن الحديث عنها من صميم ما هو رائج في الأذهان سرا وعلانية ، دون الاجتراء على فضح ما يتصل بها من ظلم لا يليق بأقدس ما ما يتعلق به الإنسان .
حين كنت أسمع بأشكال الحلقات الشعبية ذات الصيت الوطني في معالجة كثير من الأمراض المستعصية ، لم أكن أتردد في احتقار حجم التصديق لترهاتها تحت عناوين مختلفة واسماء متنوعة بين ادعاء علم البركة بالوراثة و امتلاك علم الفاتحة بالدين ، لكنني في النهاية ، كنت أربأ بأحوال هؤلاء البسطاء في الضفتين ، وهم إما متطلعون لسراب كاذب يقنعون به أنفسهم مما هم فيه من أرق معاناة المرض أملا في الشفاء ، وإما متطلعون لنصيب مما في الجيوب لإقامة الأود من جوع لا يجدون سبيلا لقهره بغير ادعاء ما يجدون له تصديقا على الوهم المتقاسم بالتعاقد بين أولئك و هؤلاء.
وساقني القدر لما أسميه بأرذل العمر، كي أعيش نفس التجربة بألوان شتى وأساليب مغايرة حتى لا أقول متطورة ، في الاحتيال على الناس بدعوى مواساتهم مما هم فيه من مرض باسم علم التطبيب هذه المرة ، وبدل الانتشار في حلقات عامة بالشوارع والأزقة والدروب ، صارت التجربة تلبس رداء التمدن والتحضربالتباهي في العمران وزخارف الهندسة في الأبنية في مواقع مثيرة للعيان جذبا لمن يهمه الأمر من مرضى كل أنواع السقم .
صارت حلقة المشعوذ بالصوت والصورة المتحركة في العراء ، مؤسسة قائمة الذات بألوان البهرجة ثابتة في المكان ، يؤمها المرضى للعلاج بيقين الوهم في تحقق الرجاء، ما دامت الحضارة التي نعيش مظاهرها قد رسخت الإيمان بعلم الاستشفاء دون غيره من أساليب التداوي .
للتمثيل على هذه المؤسسات ذات الإشهارالمؤدى عنه لكل الجهات بحق وبغير حق ، مركز الدفلى لأوهام العلاج من السرطان بالعاصمة ، وهي أشبه بالمدارس الخاصة ذات النفع الخاص ، في تفننها العجيب والغريب في استقطاب الواقفين على أبواب تمني الشفاء من أورام السرطانيات ، فتجد نفسك مقتادا إليها بتوجيه مسبق، دون أدنى تصور لإمكانية وقوعك في شرك نصابين أقرب إلى مصاصي الدماء ، حيث المتاجرة بمرض المصابين في ساحة ترويج بضاعة تمت بخصوصها تعاقدات من الطراز الرفيع مع أكبر الشركات المنتجة لأدوية خاصة تمتلك حق إنتاجها برسوم احتكار لا يتقن رسم الطريق إليها حتى من يسمى في العرف بالشيطان.
هذا مدخل قصير لموضوع طويل ، لا شك أن الإيحاء فيه أكبر من التصريح ، لأن هناك أكثر من مؤسسة شبيهة بمؤسسة الدفلى للسرطان ، في القلب والأعصاب والكلية والكبد وفي كل ما يشكل جسم الإنسان من اللحم إلى العظم .
وقبل الاسترسال في مواصلة عرض الحالات التي لا يختلف فيها التداوي بتلك المؤسسات عن حلقات الشعوذة بنفس الأساليب ونفس الغايات مع تباين في الأدوات والإجراءات ، أترك لمن عانى أو عرف أو شاهد أو حتى سمع ، أن يدلي بدلوه فيما يتصل بالتوصيفات أعلاه ، لعل فيما يمكن أن يقال ، ما يصلح دليلا على الدافع لكتابة هذا المقال الموجز، وذلك بالتفكير فيما جرى على مراحل من كيفية التوجه إلى مؤسسة خاصة للعلاج من مرض يقال بأنه يستعصي على الشفاء ، إلى نهاية المشوار وما أصاب المعنيين من آثار مادية ونفسية ، بغض النظر عن صنف الرواد ، ممن لديهم تأمين بالاختيار او بالإجبار.
وهذه المرة ، ليس المتهم ما كان في الاعتبار يعرف باسم الدولة والنظام ، لأن المستهدف أشخاص ذاتيون قبل أن يتحولوا إلى معنويين ، لكن بقدرة حماية النظام لهم أو احتمائهم بما تسمح به القوانين من أساليب الاحتيال ، تحت عنوان حرية المنافسة الشريفة بمقاس شرفاء هذا الزمان الردئ.
أنا الآن بصدد تدبيج وصيتي لأبنائي كي لا يعرضوني على مثل هذه المؤسسات بعد ظهور أعراض أكثر من مرض خبيث في جسدي ، أوصيهم بي خيرا أن ينفذوا في ما يعرف بالموت الرحيم إن استطاعوا ، وإلا فليتركوني أموت ببطء و بشرف ، على أن أموت بين يدي هؤلاء مصاصي الدماء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دويتشه فيله تكشف: عن ضباط ينتهكون حقوق الإنسان بين قوات حفظ


.. إسرائيل: متظاهرون يطالبون الحكومة بالإسراع بعملية تبادل الأس




.. حملة اعتقالات داعمي فلسطين في ألمانيا متواصلة


.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - المرصد الأورومتوسطي: الاحتلال يما




.. اعتقال نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الروسي بتهمة ت