الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك مجتمع معلومات في العالم العربي؟

باتر محمد علي وردم

2004 / 2 / 8
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


باستثناء الدول الإيديولوجية المغلقة مثل سوريا وليبيا والدول الأكثر فقرا في العالم العربي مثل موريتانيا والصومال وجيبوتي فإن كل العالم العربي تقريبا بات يتحدث يوميا عن ثورة المعلومات الرقمية، وعن قيام مجتمعات المعلومات العربية، وركز تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003 على هدف الوصول إلى مجتمع المعرفة، مما يؤكد بأن هناك فارقا بين مجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة، ولكن هل في العالم العربي أصلا مجتمع معلومات؟
بالطبع هناك الملايين من أجهزة الحاسوب يتم تركيبها في المؤسسات والمنازل في العالم العربي، ومعظمها مرتبط بشبكة الإنترنت. وهناك ملايين من الأجهزة الخلوية في أيادي المواطنين العرب، وأجهزة اللواقط الديجيتال تزين أسطح البيوت ، كما أن آلاف الكيلومترات من وصلات شبكات الحاسوب الداخلية تمتد على جدران المؤسسات لتربط الأجهزة مع بعضها البعض، وهناك مئات الملايين من الدولارات تتحرك في سوق تكنولوجيا المعلومات في العالم العربي. وتحب الكثير من المؤسسات الداعمة لتكنولوجيا المعلومات في الدول العربية، مثل وزارات الاتصالات وشركات تزويد الإنترنت وتركيب الشبكات وشركات الهواتف الخلوية أن تستخدم الكثير من  مؤشرات تركيب الشبكات والأجهزة واللواقط والهواتف الخلوية دليلا على أن العالم العربي بات بالفعل مجتمع معلومات حضاري وأن هذه المؤسسات تساهم في نقلة نوعية حضارية في العالم العربي.

ولكن الواقع هو أن هذا "مجتمع معلومات" وهمي حيث يجلس الآلاف من الشباب وراء أجهزة الحاسوب في مقاهي الإنترنت يتبادلون الثرثرة الفارغة والبحث في المواقع الإباحية وتحميل الأغاني، ويحمل مئات الآلاف الهواتف الخلوية للثرثرة والمشاركة في مسابقات النصب والاحتيال عبر الهواتف والقنوات الفضائية، وهناك الكثير من الأمثلة على مجتمع المعلومات في هذا المقياس!

طبعا هذا ليس مجتمع معلومات بل مجتمع سخافات، والتكنولوجيا الحديثة يجب أن تستخدم لإنتاج ونشر المعرفة والعلم والثقافة وتحسين المهارات والتعليم وتقوية قدرات الشخص على اكتساب المعارف التي تساعده في الحياة، وما يحدث حاليا في المجتمع العربي الاستهلاكي من إساءة استخدام التكنولوجيا ليس مؤشرا على تطور "مجتمع معلومات" فيها وكل هذه المظاهر الاستهلاكية المرتبطة بتقنية المعلومات لا تعني معرفة أفضل ولا استخداما أفضل للمعلومات ولا حتى إتاحة المزيد من المعلومات للناس ولا في تسهيل الحياة، وإذا تحدثنا بصراحة عن المؤشرات الحقيقية والفعلية لمدى وجود مجتمع معلومات في العالم العربي مبنيا على دور تكنولوجيا المعلومات في التنمية الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ستكون النتيجة سلبية بكل تأكيد.

 إن هذه الطفرة التقنية لم تساهم في نشر المعلومات والمعرفة بالشكل المأمول، ولا يزال العدد الأكبر من مواقع الإنترنت العربية استعراضيا أكثر منه مفيدا وخاصة مواقع المؤسسات العامة والثقافية والجامعات، كما أن شبكات البريد الإلكتروني ما بين المؤسسات المختلفة لا يتم استثمارها لنشر المعلومات والمعرفة والتنسيق في العمل،   ويقتصر فهم معظم المؤسسات العربية لتكنولوجيا المعلومات على تركيب البنية التحتية لها بدون الاهتمام بالمضمون والمحتوى، وإذا ما استمر هذا الفهم لتكنولوجيا المعلومات فإن كل ما نراه حولنا من صخب إعلامي ودعاية جوفاء من شركات تكنولوجيا المعلومات سيكون فقاعة تنفجر في الفراغ في نهاية الأمر ولن يكسب منها ألا أصحاب رؤوس الأموال الذين حصلوا على عطاءات تركيب الأجهزة والشبكات بينما سيبقى غالبية العرب بعيدون عن هذا التطور وستحدث فجوة تقنية ومعرفية جديدة في المجتمعات إضافة إلى الفجوة الاقتصادية بين الذين يملكون الوصول إلى المعرفة ومن لا يملكونها.

وبالرغم من أن الكثير من الدول العربية ذات الدخل المتوسط مثل لبنان ومصر والأردن وتونس قد بذلت جهودا جيدة في نشر الإنترنت ومراكز تكنولوجيا المعلومات الريفية في المناطق النائية وإتاحة الفرصة للمواطنين والمجتمعات المحلية في الوصول إلى تقنيات الإنترنت فإن القليل من الجهد تم بذله في مجالات تطوير المحتوى والتدريب المتناسب مع الاحتياجات، وبعد أن ينتهي الوزير أو الرئيس من إفتتاح المراكز والتقاط صور النساء والأطفال الريفيين وهم يقرعون بأصابعهم على لوحات إدخال البيانات، وبعد أن تحصل الشركات التي كسبت عطاءات الأجهزة والشبكات على أرباحها لن يهتم أحد بمدى استفادة الناس من هذه المراكز!

أجهزة الحاسوب والهواتف واللواقط مجرد أدوات في المعرفة ومجتمع المعلومات وإذا ما اقتصرت على تأوهات نانسي عجرم وثرثرة الشباب والصبايا والترويج لكذب والقمع والتطرف والجهل والاستثمار المتاح لرجال الأعمال فقط فإن مجتمع المعلومات العربي يكون مجتمعا وهميا خادعا مثل معظم مظاهر الحضارة العربية المادية التي تخفي وراءها فراغا معرفيا وعلميا هائلا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رجل أعمال فرنسي يسافر إلى الفضاء لتحقيق حلم الطفولة


.. الصين تتعهد بتحقيق حلم البشرية في السفر إلى الفضاء بأقل التك




.. شغال بالذكاء الصناعي والعربية بتقف لوحدها لو السواق سرح ..عي


.. مجزرة استهدافت مواطنين أثناء تعبئتهم المياه في مخيم جباليا




.. خطة حرب نجوم جديدة.. البنتاغون يندفع لمواجهة التهديدات في ال