الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحزاب السياسية في العراق وعقدة الزعامة التاريخية

شاكر الناصري

2008 / 8 / 29
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


أن ما نطرحه هنا ، سيشمل الكثير من الاحزاب السياسية بمختلف تصنيفاتها الفكرية والعقائدية في العالم العربي ، بل وسيشمل ايضا الكثير من الاحزاب في أجزاء من عالمنا المعاصر أريد لها تسير وبخطى حثيثة نحو الوراء بعيدا عن كل ما تحققه البشرية من تقدم متسارع وفي مختلف مجالات الحياة ، خصوصا تلك الاحزاب التي تجد ان تكريس صورة الزعيم الكاريزمي قادر على تحقيق أهدافها او طموحاتها السياسية وأن وجودها من دونه عدم . الا أن تركيزنا على الساحة العراقية من خلال الاحزاب التي تمارس العمل السياسي حاليا ولها برامجها سواء تلك التي في السلطة او تلك التي خارجها ينبع من ان ماحدث في العراق من تغيير سياسي هائل كان شعاره الاساسي هو التخلص من الدكتاتورية الحاكمة وأنهاء عقود من التسلط والاستبداد والبدء بحياة سياسية جديدة تجترح من الشعارات التي رافقت حرب أسقاط النظام الدكتاتوري وكانت في معظمها شعارات توعد بالكثير من التغيير في حياة العراقيين والمجتمع العراقي ، تغيير الاطر التي تحدد طبيعة وشكل النظام السياسي ومكانة الدولة ووضائفها او ان تكون السياسة وممارستها وسيلة لتحقيق أهداف كبرى تخص الانسان والمجتمع وان تكون اداة فاعلة في أحداث التطوير والتحديث الاجتماعي والثقافي الذي تأمل العراقيون تحقيقه لعقود طويلة لكنه تلاشي بفعل الممارسة السياسية التي أنتهجها الحاكم المستبد وجعلها اداة للاقصاء وتحويل ملايين البشر الى قطعان تنتظر لحظة ان يتمتع الدكتاتور باذلالها او تشريدها او أرسالها الى جبهات الموت في حروب عبثية وقذرة. أن التغيير السياسي الذي حصل في العراق لابد وان ينتج ممارسة سياسية جديدة وخلاقة او هكذا توهم الكثير من العراقيين، لكن ما حدث ان كل الاحزاب التي يصعب عدها وعديدها باتت تستنسخ تجربة النظام السابق باليات وطرائق مختلفة رغم ان كل منها يصدح بشعاراته حول الديمقراطية وتغيير الحياة السياسية والمستقبل الواعد بشكل مثير للقرف ومدعاة للسخرية ، فكل حزب بات يقف خلف قائده وزعيمه التاريخي مذكريننا بصورة القائد الضرورة او القائد الملهم ، التي ألقت بظلالها المقيتة على المجتمع العراقي وحولته الى ساحة لتمجيد القائد او الزعيم التاريخي رغم كل الافلاس السياسي الذي يتمتع به. أن اولى النتائج الخطيرة لممارسة الاحزاب العراقية هو ان السياسة قد تحولت في نظر الكثير من العراقيين الى لعبة للانتهازية والوصولية وأستلاب حقوق الابرياء او أنها تحطيم ارادات وتعالي فئة او مكون أجتماعي على آخر . أصبحت السياسة وممارستها في العراق تعني السلطة والسعي اليها بكل الوسائل .
نقول ان الاحزاب السياسية الحالية في العراق ورغم كل ادعاءاتها حول الحكم الديمقراطي او حول سلطة القانون والدستور والسلم الاهلي والوئام الاجتماعي، الا أنها في واقع الحال نماذج مصغرة لدكتاتورية ستتفجر حالما يصل اي من هذه الاحزاب الى السلطة في العراق او ان يتمكن من فرض سلطته على منطقة او مناطق معينة من العراق ، فكل الادعاءات السابقة سرعان ما تساقطت ليكتشف العراقيون ان حلمهم بتغيير حياتهم او تغيير الممارسة السياسية بشكل ايجابي كان وهما كبيرا تساقط بشكل مريع وأن عليهم البدء من جديد دائما بحثا عن نظام سياسي لايستند الى الدكتاتورية او الى منطق الاقصاء . أن الزعامة التاريخية او القيادة التاريخية هي الحاضنة الاساسية لبذرة الدكتاتورية في الاحزاب السياسية العراقية وهي الحاضنة أيضا لبذرة الاقصاء ، أقصاء المخالف في الرأي او الذي لديه برنامج مخالف لما يريده الزعيم او القائد التاريخي . فالزعيم الحزبي لايكتفي بان يكون زعيما لعدة سنوات او عدة عقود ، بل انه يعمل على تأسيس ممارسة خفية داخل حزبه تمكنه ان البقاء أطول فترة ممكنة ولعل الانظمة الداخلية التي تحدد العلااقات الحزبية ووضائف القيادة والاعضاء واللجان ومدة تولي الزعيم قيادة الحزب ستكون اول الامور التي يسعى الزعيم التاريخي لخرقها وتجاهلها كونها تذكره بنهاية فترة حكمه للحزب..
لو أجرينا تعدادا بسيطا للاحزاب السياسية في العراق والقينا نظرة على زعمائها وفترات وجودهم لوجدنا ان عدد منهم والذي يدعي انه يناضل من اجل الحرية والقضاء على الدكتاتورية او أن الديمقراطية لاتستقيم الا بوجوده ، قد مارس سلطة لاتختلف كثيرا عن سلطة صدام حسين من ناحية فترة تسلطه او ممارساته السياسية وبالتالي تحوله الى زعيم اوحد ولا احد قادر على الوصول لنبوغه السياسي الذي مكنه من دفع الحزب صاغرا لاعادة انتخابه المرة تلو الاخرى ولعد ة عقود من السنين. لوثة الزعامة التاريخية تنتقل من حزب الى آخر وأن اختلفت الافكار والعقائد والمنطلقات السياسية او النظرة الى المجتمع العراقي . لايهم ان كان هذا الحزب من أقصى اليمين او من اقصى اليسار ، قوميا متطرفا او ماركسيا او دينيا طائفيا، فهو في نهاية الامر حزب عراقي يؤثر ويتأثر بما حوله وبمحيطه الاجتماعي والثقافي وبتمكنه من أستنساخ تجارب الاحزاب الاخرى او أستنساخ تجربة النظام الدكتاتوري الاسبق، ثمة زعيم لحزب ليس له من العمر السياسي الكثير سئل عن بقائه لفترة طويلة تقارب العشر سنوات في قيادة حزبه ، قال ان رفاقه يصرون على بقائه في منصبه رغم تعارض ذلك مع رغبته الشخصية بان لايكون في هذا المنصب .
من المؤكد أن العقلانية في العمل السياسي تدفع بمن يحترم حزبه وأهدافه او يحترم المجتمع الذي يعمل في اوساطه الى ان يوجه لنفسه أسئلة كثيرة ، ماذا حقق هذا الحزب الذي اقف على قمة هرمه التنظيمي منذ ان توليت زعامته ، هل مكنته من الوصول الى هدف يستحق ان يرتبط بزعامتي او انه من انجازات مرحلتي ، كم عدد الهزائم السياسية والانكسارات التي لحقت بالحزب ، كم عضوا وكادرا قتلوا بسبب ممارساتي وقراراتي ، كم اقصيت او ابعدت من كوادر وقيادات كنت اشعر انها تنافسني او تسعى لان تكون في مكاني ، هل تمكنت من البروز كقيادي او زعيم يحترم مبادئه وأفكاره او يحترم النظام الداخلي للحزب. ؟؟؟؟.
الاحزاب الساسية العراقية الان كلها تدعوا الى الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة وعودة العقد الاجتماعي المنفرط والحفاظ على سلطة القانون وحماية حرية المواطن وثروات البلاد ، وهذه الاحزاب لاتختلف عن تلك التي تدعوا الى تنظيم الثورة الاجتماعية أي كان شكلها والى القضاء على التمايز الطبقي ، الا ان كل هذه الاحزاب قد تمكنت من خرق وحرق أدعاءاتها حول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة .
ان تدعوا للديمقراطية والمجتمع الآمن والمرفه وتدعي النظال من أجل ذلك ، لابد وان تكون ديمقراطيا اولا مع نفسك ومع محيطك ومع حزبك ، مع عائلتك وفي حياتك بكل تفاصيلها ، أي ان تتخذ من الديمقراطية منهاج لحياتك وعملك هذا ان كنت تعي مالذي يعنيه ذلك سواء كنت في زعامة حزب او دولة او في عائلة او في العمل. فكلها مناحي يمكنك اظهار مدى تحليك بالديمقراطية ..
ثمة تعارضات كثيرة وكبيرة وخالية من اي منطق عقلاني او حتى مقبول بين ان يكون حزب ما يدعي الديمقراطية او يسمي نفسه الحزب الفلاني الديمقراطي ولا يتوقف أعلامه عن تمجيد الديمقراطية و العدالة والمساواة لكن زعيمه او قائده التاريخي قد توارث زعامته جد عن جد كما يقول مظفر النواب ، حتى وأن كان الذين توارثهم قد اوقفوا نشاط احزابهم لامور كثيرة وتركوا العمل السياسي، او أن حركة سياسية و حزب ما تأسس من أجل ان لايكون لديه غير زعيم واحد أوحد وكأن هذا الزعيم ما خلق وظهر الى الوجود الا ان يكون زعيما سياسيا لاقدرة على تغييره وتغيير افكاره مع ان العالم في تغيير مستمر فكرا وممارسة .
قبل فترة ليست بالقصيرة تم اطلاق تحالف (مدنيون) وبغض النظر عن الخلاف مع ما جاء في نص اعلان التحالف ، فبلا شك ان اطلاق تحالف كهذا في ظل اوضاع العراق الحالية وسلطة الاحزاب الاسلامية وسيادة الرجعية السياسية والاجتماعية والثقافية والمخاوف من تلاشي العراق باكمله بعد أن تلاشت الدولة وأنفرط العقد الاجتماعي الناظم لمكونات العراق ، بفعل الاحتلال او بفعل سلطة الاحزاب الطائفية والقومية ، جاء أستغاثة او أستشعار بالخطر الداهم الذي يهدد المجتمع العراقي وما تبقى فيه من ملامح مدنية وحضارية ، الا أن عقدة الزعامة التاريخية للاحزاب التي أطلقت هذا التحالف تلقي بظلالها على عمله وتوجهاته وأهدافه. فالسيد عبد الاله النصراوي زعيم الحركة الاشتراكية العربية يقود هذه الحركة منذ عقود طويلة ويبدوا انه قد قرر قيادتها مدى الحياة . نصير الجادرجي زعيم الحزب الوطني الديمقراطي وريث كامل الجادرجي في زعامة وقيادة الحزب المذكور مع ان والده قد حل الحزب واوقف كل نشاطاته السياسية منذ 1968 . السيد حميد موسى زعيم الحزب الشيوعي العراقي منذ عام 1992 اي منذ مؤتمر التجديد والتغيير كما تمت تسميته أنذاك ، في ذلك المؤتمر تقرر تحديد فترة تولي سكرتير اللجنة المركزية للحزب بدورتين فقط.........؟؟؟؟؟ ما نسوقه هنا عن الاحزاب الثلاثة المذكورة لايختلف كثيرا عن ذكرنا لباقي الاحزاب العراقية وزعاماتها التاريخية، جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني منذ 1974 . مسعود البارزاني وريث العائلة البارزانية في زعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني . عبد العزيز الحكيم وريث زعامة المجلس الاعلى بعد وفاة أخيه الزعيم الاسبق وحتى الاحزاب التي تم تأسيسها حديثا فان عقدة الزعامة التاريخية ترافقها بشكل يفقدها كل أدعاءاتها ويشوه حقيقة برامجها وأهدافها التي قد تكون برامج حية ومؤثرة وترسم للمجتمع افقا مغايرا بملامح حرة وأنسانية. أن زعيم الحزب يسعى لان يكون الحزب في صورته او هو صورة الحزب فلايمكن ان تفهم الحزب اذا لم تفهم مقاصد زعيمه التاريخي وتاريخه ومواقفه ، تماما كما اراد صدام ان يكون العراق في صورته او هو صورة العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصمد -السّد الجمهوري- الفرنسي في وجه اليمين المتطرف؟


.. ?? ???? ????? ???????? ??????????




.. مسمار جديد في نعش المحافظين.. السلطة الرابعة في بريطانيا تنح


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: -إذا وصل اليمين المتطرف للحك




.. انفجار سيارة يؤدي إلى إصابة عضوين من حزب العمال الكردستاني