الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوزان عليوان وانكسارات الحزن في طريق واحد

جهاد صالح

2008 / 8 / 30
الادب والفن


هي إبنة بيروت الحزينة في إيقاعاتها ومرآة جرحها الأزلي, تسمو مع حزنها الأصيل وتكبر فيه، في حيثياته، كشجرة ثمارها دموع تبلل التراب والأرصفة في انكسارات روحانية متشبثة بثوبها الأبيض، تركض في أرصفة إسفلتية من قلب بيروت إلى القاهرة ومن ثم تعود وفي ذاكرتها حكايات وقصص طفولية من زمن الأرجوحة والنافذة والدمية الخشبية الصامتة صمت الأرض. تعود وفي سلالها ديوان شعري جديد ولد من رحم الأنين (كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم) في فلسفة متشعبة وسريالية ماجنة وضبابية خجولة، لكنها مليئة بالصراخ والعويل، وتقمص حياتي عبر جسور الدموع والواقعية في التعبير عن المشهد بصراحة وشفافية مغامرة، وكأنها تخبرنا أن حلمها في السعادة قد انتهى في سفر دائم وترحال مجنون.
كتابها النثري العذب جاء في لغة سهلة ومنتشية ،بسيطة في موسيقاها وكلماتها لكن الورقة والحبر كانا يحملان في جسديهما ثمار ناضجة تكاد تسقط على قارعة الطريق في أول هبة ريح وعبور للزمن حين يبحث عن خربشات آدمية.
ثمار في ألوان قوس قزحية: (تخيل – فلسفة – طفولة لا تكبر – حضور الطبيعة والأشياء والأماكن – الظلال المتدفقة – الحزن الكثيف – ثقافة الطريق – إيقاعات الروح والشعور – الجدران والحرية – ظلم الحب – هواجس الألم وعويل الذاكرة – الصداقات الثعلبية – المحطات الصدئة – الثلج – صلاح سالم – العصافير – همس الشوارع – الشخوص المتلاطمة – الرحيل واللقاء – صمت القبور – الهزيمة – السفر .........) .
حملت سوزان في سطورها إنكسارات للحزن النازف من جرح أعماقها والتي لم تصل بعد إلى دواء له سوى صوتها المتدفق كالماء الهادئ في جدول الحياة، ولينتهي بها الى فلسفة متلاصقة بجبينها ،ودموع تكتب الحكاية في نحت أنثوي شاهق:
ليس الأسى / النافذة جرح جدار.. الباب مرآة مغلقة / على جانبي الأيسر حافة السرير والعالم / الحائط وجه قريب / أقسو كي لا يكسر في حناني / أرواحنا المعلقة صفحة من كتاب بلا كتاب.
كل الطرق في عينيها تنتهي في بحر واحد ونهاية واحدة، حيث الشوارع والظلال عناوين لوجع تاريخي يعفّر وجهه في صلصال الحكمة والحقيقة المؤلمة في انكسارات شعرية وزمانية لا تعرف الأمكنة والوقت:
حزن بكثافة حاجبين معقودين/ عينان مغمضتان على غصة / نصف ابتسامة انكسرت مرة .. انكسرت مرتين / كل موت يتكرر / كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم / لو كنت أعلم إلى أي خراب ستقودنا الطرق لما قطعتها/ لقطعت قبل أعناق ، شراييني .
هي تحاول أن ترسم للحب هزيمة في أيام مضت وتنمو كل لحظة وصباح لكنها لا تستطيع أن تنسلخ عن طغيان آلهة الحب والعشق، فنجدها تلتفت إلى الوراء دون إرادة وتلقي بأرواحها في سيماء الظلال العاشقة، فالحب عندها متشعب وكثير الوجوه والتقاسيم (الأب – الأم – الأصدقاء – الأشباح – وكل من كان يشاطرها تلك الحياة الماضية):
في الحلم المحصّن بألف رمح / سيدي ووالدي / اليتيمة قبل ميلادها أمي / الحائمون حول حدقة البئر بقميصي / أصدقائي الثعالب / القساة الذين بنسيانهم أتسلى / يأخذني حنانك / لأجلك الجسر والعبور / من قال إن الظلال لا تلتفت إلى الوراء .
وحده الثلج ببياضه يستطيع ترويض مدارات الشاعرة وليتحول إلى رفيق دائم لها حتى في نزوع الكتابة، في كناية ورمزية تعبيرية عن صفاء الروح والرؤية:
يبعثرني الثلج / كل ذلك القرب / كل هذا الألم / لو أن المرآة بيضاء الثلج / ثلج كلما علونا بغصة / بأسنانه أعادنا إلى أرضنا / ليست من ثلج / وإن كان البرد على سطحها يبكينا / داخل رأسي ثلج كثير وقتلى/ الثلج في الطرقات طفل يلهو بممحاة.
العصافير الصغيرة ظلت تحلّق مع أحلامها، ولتفتح الكاتبة أجنحتها وتطير في سماءات الفكرة واللغة ببراءة طفلة لا تكبر ولا تنمو في قدر رباني:
أيهما القفص؟ من منّا العصفور / كطيور نافقة تهوي قلوبنا / على جليد أصواتنا عصافير / فلتكف عن صراخها العصافير الناجية على أسلاك وأرصفة / الصوت والصدأ/ عصافير البكاء على أسلاك شائكة.
تمسك بالتراب في معادلة للخليقة وتصنع منه حياة وأكثر من حياة، وترتشف من قلب الصلصال وجزيئاته تراتيل إبداعية، وكأنها آلهة للقصيدة في معبد الحياة والموت والفلسفة الوجودية:
من الوحل حياة / من صلصال أصابعنا / كوردة وحل تفتح ابتسامة سمراء/ وجه كأنه الأبد/ لفرط السكر في ترابنا / بطعم طيننا الكلام / كهوف كالحة / من حفريات كآبتنا / كأننا صوت التراب الذي لا يذكر / صراخنا خطى الآخرين/ في وحل.. في سبيل وردة كتابتي .
ديوان هو سفينة لحزن منفي يبحث عن وطن حقيقي لا وهمي، كم هو مثقل هذا الكّم الهائل من الألم في أوراق شاعرة بيروت. لقد طغى الهمّ وأوجاع الروح على إيقاعاتها بشفافية لا متناهية. تسرّب إلى قراءاتنا الفضفاضة ولتمارس الذاكرة طقوسها في وشائج العويل ولنصبح أسرى شوارعها الإسفلتية، فنشاركها النواح على رصيف حياة، هي دمعة كبرى وظلال جريحة وأماني تبكينا وتبكي وجع الإنسان منذ الخليقة الأولى.
ولنقف وننتهي في أعماق الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان في موعد مع الحزن الدائم ،حيث السعادة على الأرض سحابة بلا مطر ولتظل شاعرتنا في سفر نحو المجهول وفي أصابعها خواتم لعويل إنساني وحكاية انكسرت في شطر الروح الجريحة:
هي ظلالنا تكسو العالم العاري / تضيء النصف المعتم من محبتنا / ترسم الوجوه جميلة / هذا الحزن الكثير / لأن الكتابة لا تكفي / دمعتي دائرة تتسع/ في غيم أسافر / بلا حقيبة أو حسرة / بيتي على حصاني / حصاني في روحي / بوابة العالم تقترب.

اسم الكتاب: كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم
المؤلفة: سوزان عليوان
طبعة خاصة. بيروت صيف 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب