الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مداخلة محايدة بين الأستاذين بهجت عباس وعادل الزبيدي

عدنان الظاهر

2008 / 8 / 30
الادب والفن



[ مداخلة محايدة بين الأستاذين بهجت عباس وعادل الزبيدي لمناسبة خلافهما حول ترجمة قصيدة معينة لجورج كوردن لورد بَيْرِنْ ] عنوانها الأصل هو :
SHE WALKS IN BEAUTY

مقدمة / كتب الشاعر الإنجليزي لورد بَيْرِنْ هذه القصيدة في شهر كانون الثاني عام 1815 بناء على طلب صديقه ( صاحب الشرف دوكلاص كينرد ) لتكونَ ضمن مجموعة مختارة من ألحان عبرية ، وقد نُشرت مع الموسيقى التي نظمها المستر براهام والمستر ناتان . هذه المقدمة هي ترجمة ما كتب بَيْرن نفسه في تقديمه لهذه القصيدة ( من المجموعة الكاملة لأعماله الشعرية ) . فمن ، تُرى ، هذه الفتاة التي " تتمشى في جمال " حسب ترجمة الدكتور بهجت عباس لعنوان القصيدة و " تسير في بهاء " حسب ترجمة الدكتور عادل صالح الزبيدي ؟
القصيدة موضوعة الخلاف هي جزء واحد قصير ( 15 بيتاً ) من مجموعة من القصائد التي وضعها بَيرن تحت عنوان واحد جامع أسماه
" الحان أو أنغام عبرية "
HEBREW MELODIES
إستعرض الشاعر من خلالها تأريخ اليهود في فلسطين وذكر ما لحق بهم من أذى على أيدي بعض الملوك المجاورين مثل ملك بابل بلشاصر الذي ( بلغ الميديون بوابته وإعتلى الفرسُ عرشه ) . ذكر الملك شاؤول ( شاول ) وذكر يهوة ربَّ اليهود كما ذكر منطقة يهودية وإسرائيل وأورشليم من فلسطين القديمة . وإستعار من التوراة العديد مما ورد فيها من قصص منها قصة ذبح القائد الإسرائيلي يفتاح لإبنته قرباناً للرب لا خطأ لكنْ من باب الصدفة العمياء إذ نذر إذا ما إنتصر على أعدائه من بني عمّون أنْ يذبحَ أول مَن يُلاقي في طريق أوبته من المعركة منتصراً فكانت إبنته أول مَن لاح له فنفّذَ نذره . ذكرالشاعر بَيرن بابل ومزامير داوود ودمار أورشليم من قبل القائد الروماني " تيتوس " كما ذكر سنحاريب الآشوري وأيوب وهيكل بعل . ثم خصص قصيدة ثانية من أربعة مقاطع أسماها
" الغزال المتوحش " . في ضوء هذا التقديم المختصر يستطيع القارئ أن يفهم الجو العام الذي قيلت فيه قصيدة " تتمشى في جمال / بهجت " أو
" تسير في بهاء / عادل " . فهل هي فتاة يهودية مسبية في بابل أم إنها رمز لأورشليم أو لمملكة يهوذا أو السامرة ؟ وربما هي إبنة يفتاح القتيلة ظلماً والتي تُقيم بنات إسرائيل مناحات سنوية في ذكرى نحرها قرباناً لرب الجنود يهوة ؟ هل تستحق هذه القصيدة القصيرة جداً كل هذه الأتعاب وكل هذه النقاشات الحادة التي لا تخلو من حرارة ترتفع وتنخفض حسب قوة زخم الكر والفر ؟ خاصة ً وقد عرفنا ظرفها وعرفنا أطرافها وتفاصيل قصتها . أترك الجواب لتقدير القارئ الكريم .
أعود لصلب الموضوع : قرأت ترجمة الصديق العزيز الدكتور بهجت عباس لقصيدة ( تتمشى في جمال ) فأعجبتني وقد طالما أُعحبتُ بترجمات بهجت من الإنجليزية والألمانية إلى العربية ولا من عجب ، فإنه مقتدر وضليع من كلتا اللغتين وقاموسه أو معجمه اللغوي عميق واسع وثري . تتميز ترجمات دكتور بهجت بقوة الفكر وبصرامة تظل تحوم وتدور حول المعاني لإكتشاف أفضل ترجمة ممكنة فهو لهذا يتوسع أحيانا ويختزل أحياناً أُخرَ حسب مقتضيات وضرورات دقة التعبير عما في النص من معانٍ ومجازات وصور وتوريات وإشارات . رأيته ناجحاً دوماً في مساعيه تلك حفاراً تارةً ونحاتاً تارات ٍ أُخرَ متابعاً صارماً في الحساب مع نفسه ولا من عجب فبهجت مركب نادر في أيامنا هذه : دكتور في الصيدلة ومختص في بعض فروع الطب وشاعر ومترجم مالك لناصية ثلاث لغات هي العربية والإنجليزية ثم الألمانية ( وربما البولندية ، فأم نيران سيدة بولونية ) . تمتاز ترجمات دكتور بهجت بصرامة القوة العقلية ورقابة فكرية واعية ومنطق لغوي ثم شعري وقدرة على إقناع قارئه بصدق ما قد ترجمَ فحرارة روح المترجم فيما يترجم شديدة الوضوح يتحسسها حتى أبسط قارئ للشعر وترجماته .
كما قرأتُ بعد ذاك ترجمة الأستاذ الدكتور عادل صالح الزبيدي " تسري في بهاء " فوقعت على الفور تحت تأثير سحر أسرني من قمة يافوخي حتى أخمص قدمي . حافظ الأخ عادل على إيقاع القصيدة الإنجليزية كما حافظ على نوع معين من التقفيات ، وكلاهما ليس ضرورياً في الترجمة المعاصرة ، لكنَّ الدكتور عادل حمّل نفسه ما تحمل قبله أبو العلاء المِعرّي من مشاق جرّاء إلتزامه بما لا يلزم في شعر العمود العربي القديم. كان الأخ عادل مرهف الحس في ترجمته الرمانسيه حتى لكأنه تعهد أمام الشاعر الإنجليزي أن يلتزم بإيقاعات النص بكل أمانة ودقة . وكان بَيْرن يسمي الإيقاع على ما أحسب
Metre
بالإنجليزية أو
Meter
بالأمريكية ... أو كان يقصد بلفظة ( ميتر ) عدد أبيات الشعر في كل مقطع من القصيدة ونظام تتابع القوافي في آواخر كلمات الأبيات الشعرية. ومن يقرأ اشعار بَيرن يدرك على الفور إنه كان يغير عدد الأبيات وينوّع في القوافي وفي ترتيب تتابعها في الأبيات . ولعل الدكتور المختص الأخ عادل الزبيدي أنْ يثقفنا بالمزيد من علمه في هذا الشأن .
بهجت إذاً مع العقل الكلي الصارم والقدرة على الحفر في الأعماق والنحت علي السطوح . أما الدكتور عادل فإنه رجل الإيقاع ورجل الرومانس البديع الملتزم حتى أبعد حدود الشفافية وأرق النغمات وما الفروق بين ترجمات الرجلين إلا نتاج الفروق ما بين روحيهما وطبائعهما وثقافتيهما وعمق تأثرهما وتبحرهما بلغة الشعر الأصل فضلاً عن اللغة العربية . بهجت عباس عالم أما عادل ( يا أعدلَ الناس ... ) فحالم وما أحوج البشر اليوم كما في كل زمان إلى رجل عالم وآخر حالم فتعالوا نتصافى ونصطلح ونرجع إخواناً يحتاجنا القرّاء ولا سيّما أولئك الذين لا يعرفون لغات ٍ أخرى أو ليس لديهم ما يكفي من وقت لقراءة الشعر الأجنبي بلغته الأم . إنها مساع ٍ حميدة أو أردتها أنْ تكون.
أما الهنات الهينة هنا أو هناك فلنتسامح بشأنها ونعفو عنها وعمّن وقع فيها من باب السهو أو النسيان ولم يُخلق بعدُ مَن لا يخطأ . ولنشطب من قاموسنا البيت الذي قاله قديماً بعض الشعراء :

فعينُ الرضا عن كل ِّ عيبٍ كليلة ٌ
كما أنَّ عينَ السَخط ٍ تُبدي المساويا

ففي عالم النقد لا مكانَ للرضا المطلق ولا من مكان للسخط الدائم .
مع محبتي وإحترامي وتقديري للإخوين العزيزين عادل وبهجت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس