الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمن هذه الحرب في القوقاز؟؟

عصام مخول

2008 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الجمعة 29/8/2008
*خمسة قرون بين طريق التوابل وطريق النفط*
* تقتصر أهميّة جورجيا على موقعها الجغرافي وعلى الدور الذي تنيطه بها المخططات الاستراتيجية الامريكية، وتعمل على استعمالها، معبرا نحو نظام علاقات دولية جديد في المنطقة *
* يشكّل القفقاس يشكل بوابة الدخول من اوروبا الى آسيا الوسطى، والقوة التي تنجح في السيطرة على القفقاس، هي التي تحظى بالهيمنة على كل المنطقة الواقعة حول بحر قزوين والقفقاس وآسيا الوسطى *
* ان اسرائيل تجازف عندما تصر على اللعب على ملعب الكبار. واذا كنا نحسن "أخذ أسرارهم من صغارهم"، فان اسرائيل تقيم تعاونا استراتيجيا خطيرا مع تركيا، وتقيم علاقات عسكرية واقتصادية مشبوهة مع دول مثل جورجيا *
لم تمض غير ثلاثة اسابيع على ما حاولت أجهزة الاعلام الغربية تصويره على أنه حرب بين روسيا وجورجيا، حتى سقطت الاقنعة وبدا وجه هذه الحرب وطابعها سافرا، فاذا هي حرب أكبر من أقليم اوسيتيا الجنوبية وإقليم أبخازيا اللذين يقل عدد سكانهما مجتمعين، عن عدد سكان مدينة حيفا، وهي حرب اكبر من دولة جورجيا التي تقتصر أهميتها على موقعها الجغرافي وعلى الدور الذي تنيطه بها المخططات الاستراتيجية الامريكية، وتعمل على استعمالها، معبرا نحو نظام علاقات دولية جديد في المنطقة، يمعن في تهميش روسيا والاستخفاف بدورها، ويمعن في عزلها عن فضائها التاريخي الذي تشكله دول الاتحاد السوفييتي سابقا، في منطقة القفقاس وآسيا الوسطى ودول البلطيق وأوروبا الشرقية، واشعال الازمات على تخوم البيت الروسي وداخله. بينما تدفع الولايات المتحدة مشاريعها الاستراتيجية الاستفزازية لتوسيع حلف الاطلسي شرقا حتى جورجيا وأوكراينا، والوقوف وراء اعلان استقلال اقليم كوسوفو عن صربيا، ونشر درعها الصاروخية العدوانية في تشيكيا وبولندا، ويمعن في محاصرة روسيا بالقواعد الامريكية، وضرب مصالحها الاستراتيجية، وخنق افاقها الاقتصادية وابعادها عن دورها على الساحة الدولية الذي تطالب روسيا به وتعمل على استعادته كوريثة لدولة عظمى.
ان تداعيات العدوان التطهيري الذي أطلقه الرئيس الجورجي ساكاشفيلي على اقليمي اوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ساعات فقط من مغادرة وزيرة الخارجية الامريكية رايس العاصمة الجورجية، وما تبع ذلك من رد روسي حاسم "قطع قول كل خطيب"، يؤكد ان هذه الحرب العدوانية بـ"الوكالة عن ادارة الرئيس بوش"، هي حرب على السيطرة على البحر الاسود، ومحاصرة الثقل الروسي فيه، ولكنها لا تقتصر على ذلك.
ان موقع الاقليمين الجغرافي، يكتسب حساسية خاصة لان أوسيتيا الجنوبية تشرف على شبكة المواصلات التي تعبر القفقاس من الشمال الى الجنوب وعلى مقربة منها محور المواصلات الذي يخترق القفقاس من الشرق الى الغرب وصولا الى موانئ البحر الاسود. ويعتبر أ. عيدان من جامعة حيفا المتخصص في الجغرافية السياسية لمنطقة القفقاس وآسيا الوسطى (هآرتس 27.8) أن القفقاس يشكل بوابة الدخول من اوروبا الى آسيا الوسطى، وان القوة التي تنجح في السيطرة على القفقاس، هي التي تحظى بالهيمنة على كل المنطقة الواقعة حول بحر قزوين والقفقاس وآسيا الوسطى. ان هذا الطابع الاستراتيجي للمواجهة الآخذة بالتطور في هذه المنطقة، هو الذي يفسر الحشد الكبير وغير المسبوق مؤخرا، للأساطيل العسكرية، الروسية من جهة، والامريكية والاطلسية من جهة أخرى في البحر الاسود، وهو ما يفسر تحريك القطع على لوحة الشطرنج الاستراتيجية العالمية، سياسيا وعسكريا، في سباق مع الزمن، بحيث تحاول ادارة الرئيس بوش أن تستغل ما تبقى لها من أشهر قليلة في الحكم، لحسم موقع روسيا كعملاق محاصر ومهدد استراتيجيا ومهمش سياسيا، ومكبل اقتصاديا، والقفز من فوق مصالحها الاستراتيجية للوصول الى منابع النفط والغاز الهائلة في حوض بحر قزوين، خزان الطاقة الكبير الذي تطمح الاحتكارات الامريكية للاستيلاء عليه، وحرمان روسيا من الاستفادة منه ومن موقعها بجواره ومن كونها معبرا له الى الغرب. ان الادارة الامريكية اقدمت على تحريك أدواتها على لوحة الشطرنج في جورجيا والقفقاس، يشجعها نجاحها في تمرير استقلال اقليم كوسوفو في شباط الماضي دون مقاومة فعلية، وتوقيع اتفاقاتها مع تشيكيا وبولندا لنصب درعها الصاروخية على حدود روسيا، واغراء المزيد من دول الاتحاد السوفييتي سابقا على الانضمام الى حلف الناتو. ولكن الادارة الامريكية لم تنجح في تقدير اشكال الرد الخاطفة والحاسمة والمختلفة نوعيا التي من شأن روسيا أن تتخذها. واذا كانت الادارة الامريكية قد أرادت من تحريك أدواتها في جورجيا، المدربة والموجهة والمزودة اسرائيليا، التعويض عن فشل استراتيجيتها في الشرق الاوسط، وفشل "الحرب على الارهاب" التي اعلنتها بعد هجمات 11 ايلول 2001، فان ما حدث ويحدث في القفقاس والبحر الاسود، قد يتكشف سريعا على انه ضربة أخرى تتلقاها الاستراتيجية الامريكية، وخطوة مغامرة غير محسوبة العواقب تهدد الامن في المنطقة وفي العالم سواء بسواء.
ان الادارة الامريكية حين أقدمت على تحركاتها الاستراتيجية الخطيرة في القفقاس، فاتها أن مشاريعها وأهدافها الاستراتيجية الكبرى في الشرق الاوسط قد سبق وتمرغت في وحل العراق وأفغانستان، وفشلت في لبنان وفلسطين، ولم تنجح تجاه ايران وسوريا.



*اسرائيل وخطر اللعب على ملعب الكبار!*ان المغامرة الامريكية- الجورجية والتي تضع المنطقة والعالم على حافة مواجهة كارثية، والدور الاسرائيلي البائس فيها، ليس فقط أنها لم تنجح في الدفع نحو انكماش الدور الروسي في البحر الاسود والقفقاس، بل انها وفرت الفرصة امام روسيا لتكثيف حضورها السياسي والعسكري في البحر الاسود وفي البحر المتوسط وشواطئه الشرقية أكتر من أي وقت مضى منذ غياب الاتحاد السوفييتي.
ان اسرائيل تجازف عندما تصر على اللعب على ملعب الكبار. واذا كنا نحسن "أخذ أسرارهم من صغارهم"، فان اسرائيل تقيم تعاونا استراتيجيا خطيرا مع تركيا، وتقيم علاقات عسكرية واقتصادية مشبوهة مع دول مثل جورجيا، حيث وصل اليها في العام الاخير أكثر من ألف مستشار عسكري اسرائيلي يعملون في شركات أمنية خاصة، يدربون فرق الكوماندو وسلاح الجو وسلاح البحرية والمدرعات والمدفعية والمخابرات وغيرها. ويؤكد موقع "تيكديبكا" الالكتروني واسع الاطلاع، مشاركة الضباط الاسرائيليين في وضع خطط الحرب لاحتلال عاصمة أوسيتيا الجنوبية.


ويؤكد الباحث افرايم عينبار من مركز بيغن- سادات للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة بار ايلان، ان اسرائيل دعمت منذ البداية خطة مد خط انابيب النفط العملاق من باكو عاصمة أذربيجان الى ميناء جيهان التركي، لنقل النفط والغاز من حوض بحر قزوين الى البحر المتوسط، وتحويل تركيا الى مفرق كوني لنقل الطاقة. ان المخططات التي تقوم عليها شركات النفط الغربية ومن بينها شركات اسرائيلية، لتوجيه انابيب النفط من أذربيجان وأنابيب الغاز من تركمانستان التي تمر عبر جورجيا، نحو تركيا، عوضا عن ربطها بشبكة الانابيب الروسية التي تنقلها الى اوروبا هي في صلب المواجهة في منطقة القفقاس اليوم. ان وراء هذه المخططات اهداف استراتيجية خطيرة وبعيدة المدى.
وتجري مفاوضات حثيثة بشأن وضع شبكة انابيب النفط والغاز من جيهان في جنوبي تركيا، الى ميناء أشكلون (عسقلان) في اسرائيل. ومن هناك يتم ضخ النفط والغاز القادم من بحر قزوين الى ايلات، حيث يتم شحنه بحاملات النفط والغاز الى الشرق الاقصى عبر المحيط الهندي.
وتربط اسرائيل بين هذا المشروع ومد شبكة انابيب في نفس المسار لنقل المياه من تركيا لسد احتياجاتها واحتياجات الاردن والمناطق الفلسطينية منها.
ان الاتحاد الاروبي يقوم بتمويل الدراسات لفحص فرص نجاعة المشروع. ووفق تصريحات وزير البنى التحتية الاسرائيلي بتيامين بن اليعيزر فإنّ هذا المشروع يمكن اتمامه خلال سنوات اذا جرى اقراره.
ان المواجهة الاستراتيجية التي تقف من وراء التوتر في البحر الاسود ومنطقة القفقاس هي نتاج المخطط الذي تقوده الولايات المتحدة لتغيير مسار نقل الطاقة وتطويع مصادرها، لتصبح على مقاس مصالح الهيمنة الاستراتيجية الامريكية.
وتعيد هذه العقلية الى الاذهان الحرب التي خاضها البرتغاليون قبل خمسمائة عام للسيطرة النهائية في العامين 1508- 1509 على جميع المراكز التجارية في الهند والسيطرة على المراكز الاخرى التي تهيمن على النشاط التجاري بما فيها الموانئ العربية والاسلامية في منطقة الخليج ومنع السفن العربية من الابحار وتحويل البضائع رأسا الى اوروبا دون ان تمر في الدول التي بنت اقتصادها على "طريق التوابل" (بعد عقد من "اكتشاف" فاسكو دي غاما الطريق الى الهند عبر راس الرجاء الصالح). خمسمائة عام تفصل بين طريق التوابل وطريق النفط، إلا أنّ نجاح مخطط "طريق النفط" الامبريالي هذه المرة ليس بالأمر الحتمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم