الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا ..مخاوف مشروعة ومفارقات لا تقبل الجدل

طالب الوحيلي

2008 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


شاءت الظروف الدولية ان تقع الحالة العراقية منذ أواسط عام 1990 ـ اي منذ تورط النظام السابق في الكويت ـ تحت اطر التدويل ،وان تتجسد مضامين الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة كأوضح سابقة دولية منذ انبثاق هذا الميثاق ولحد الان ،ومعروفة هي الملابسات التي أودت بنا الى هذا الوضع حيث خرق النظام السابق قواعد السلم الدولي وأمنه باحتلاله دولة عضو في الاسرة الدولية وتلويحه بتوسيع أنشطته وأهدافه في المنطقة على حساب دول الجوار بعد ان تناسى العالم هفوته في إشعال حرب ضروس مع إيران احرق فيها الأخضر واليابس ،وقد استنفذت الأمم المتحدة كافة الطرق السلمية لإصلاح الوضع وإعادة النصاب الى طبيعته مما اوجد حالة من شبه الإجماع الدولي على تفويض مجلس الأمن باللجوء الى مواد الفصل السابع من هذا الميثاق ،وهكذا بدأت معاناة جديدة للشعب العراقي مع كل قرار يصدره مجلس الامن الدولي حتى ولو كان في ظاهره مصلحة للمواطن كالقرارات التي صدرت تحت عنوان النفط مقابل الغذاء والدواء ،لأنها كانت في حقيقتها مصدرا لتجويع الشعب وإذلاله ووسيلة لتسريب الأموال التي خصصت لهذا البرنامج لتقع في خزائن وجيوب النظام وطفيلياته ،وبسبب سياسته الخرقاء وإعلامه البليد تحول صدام ونظامه الى بعبع يهدد المعمورة والحضارة الإنسانية بعد ان كان له في كل مشكلة دولية ادعاء او مساهمة ،فيما دولت قضية الشعب العراقي هي الأخرى بعد ان بطش ذلك النظام به بصورة لم تألفها أبشع الأنظمة الديكتاتورية او الفاشية قسوة ،ناهيك عن الجرائم البيئية التي ارتكبها ،ولعل المقابر الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام كانت اهم مبرر لتحرك القوات الدولية لتحرير العراق من نير ذلك الطاغية ،لتستمر فيما بعد وتيرة صدور القرارات الاممية المتعلقة بالعراق التي وضعته تحت الاحتلال والتي أعادت له السيادة او التي أسست للنظام الديمقراطي الجديد او التي نظمت تواجد القوات الدولية او تحسين عنوانها الى القوات المتعددة الجنسيات لتكلف بتوفير الأمن الداخلي والخارجي للبلاد بعد ان حلت قواتها المسلحة و هيكلة قواتها الأمنية ،حيث صار لابد لها ان تعيد تشكيلها من الصفر ،وكان بقاء مهمة القوات المتعددة الجنسيات رهن بإتمام تشكيل قوات الأمن العراقية وتأهيلها لكي تكون قادرة على فرض الامن والقانون ،لتبدأ في غضون ذلك اكبر معضلة شهدها العراق الحديث تمثلت بالحرب الطائفية التي اقتربت كثيرا من معنى الحرب الأهلية ،وهي لا تخرج عن تكتيك دولي لتوزيع الرعب او تطبيق لنظرية الفوضى الخلاّقة ،ويا لها من فوضى فقد أفرغت المشروع الوطني من اجمل محتوياته ،ولتؤدي فيما بعد الى إحداث تخلخل كبير في اهم المعادلات المطروحة على الساحة منذ مراحل سابقة لعام 2003 ،وكل ذلك بلا شك يقع ضمن فصول أجندة معدة بكل احتمالاتها وتفرعاتها ،ولم تكن ناتجة عن أخطاء تكتيكية ،لان القوى التي قادت التحالف الدولي لا يمكن ان تكون أسيرة الافتراضات العفوية او أحاديث العرافات الذي تميل اليه بعض القوى التي تشارك في التجربة العراقية بكل أسى وأسف ..
لقد تنازعت التجربة العراقية إشكاليات كثيرة وضعت الصورة النهائية لها في عتمة يصعب انجلاؤها لعل اهم أسبابها القراءة المرتجلة للواقع ،وجمود البعض على تصورات من ملفات المعارضة العراقية السابقة ،مما جعلها تقيس الأمور على وفق نظرتها تلك دون ان تعبأ بحجم القواعد الجماهيرية واهتماماتها الحقيقية ومستويات تقبلها او رفضها لكل ما تحقق من معطيات مادية او قانونية او سياسية ،لذا تجد للقوى المناوئة اكثر من ثغرة تستطيع ان تمر منها لجوهر العملية السياسية مما يتيح لها بث سمومها وأدواتها في قلب أصول اللعبة وتحويل مساراتها وتفتيت القواعد الجماهيرية التي أدت أدوارا كبيرة في صنع الأنموذج العراقي الجديد من خلال الانتخابات والاستفتاء على الدستور الدائم والإسناد الشعبي لكل قرار فيه شفافية ووضوح ويرتقي الى ثوابتها العقائدية ،ولعل صبرها على الإخفاقات الكثيرة في إدارة الملفات المختلفة هو نوع من الإسناد للقوى السياسية المتصدية ،لكن ذلك لا يمكن ان يستمر ما دام الحال على ما هو عليه ..
التجربة العراقية تقف اليوم امام منعطف حاد يتمثل في مساعي الخروج من الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة ،والذي لا يمكن ان تستقيم معه الحياة السياسية كونه يعد قيدا على السيادة الوطنية بابسط معانيه، ويرتبط ذلك أصلا بإنهاء مهمة القوات متعددة الجنسيات حيث ان قرار مجلس الأمن المرقم 1790 الصادر في الـ18 من كانون الأول عام 2007 الماضي مدد بقائها لغاية الـ31 من كانون الأول عام 2008،وعدم رغبة القوى السياسية في تمديد بقائها ،ومقابل ذلك لابد من وجود اتفاقية دولية تنظم العلاقات بين العراق والولايات المتحدة ،وقد كثر الحديث عن هذه الاتفاقية بالرغم من ان موعد الإعلان عنها سيكون في 31 تموز من هذا العام ،حيث كثرت التسريبات والتكهنات والمخاوف من إبرامها على كافة مستويات الفعاليات السياسية والدينية ،وهذه التسربات تؤكد على بعض الحقائق ،اهمها موقف المفاوض العراقي الذي نخشى ان يكون بمستوى فريق خيمة صفوان عام 1991،لاسيما وان اتفاقا بين دولة واخرى وفي ظل موازين مختلفة سيؤدي الى نتائج غير متعادلة،وتتخذ شكل عقود الإذعان التي تتراخى فيها الإرادة لأحد الطرفين ،وكذلك عدم ضمان الخروج من الفصل السابع ،وعدم استعداد الولايات المتحدة تقديم الحماية للعراق من الاعتداءات الخارجية ،وان من بين هذه التسربات قدّم الوفد الامريكي، الذي يرأسه السفير الأمريكي في العراق ريان كروكر، مسوّدة مطالب تضمنت الموافقة على بناء سجون ومعتقلات بإشراف وإدارة أمريكية، والسماح للإدارة الامريكية بمكافحة الارهاب وملاحقة الارهابيين بالطريقة التي تراها مناسبة.كما طالب بوش بحصانة قضائية للقوات الامريكية والشركات، خلال وخارج أوقات الدوام الرسمي، فضلا عن عدم تفتيش البريد الخاص بالقوات الامريكية، ولا حتى الاطلاع على مضمونه، مهما كان حجمه، وإن كان البريد على شكل سيارة أو طائرة أو غيرها. كما طالب الأمريكيون بإقامة 348 موقعاً عسكرياً (وليس قواعد عسكرية)، على أن يكون بعض هذه المواقع سرية. كما طلب الأمريكيون أن يكون لقواتهم حق إشراك جيوش اجنبية، من دول اخرى، في عملياتهم داخل العراق، وحق استخدام الفضاء العراقي من الأرض وحتى ارتفاع 29 الف قدم، ما يعني حق السيطرة على الملاحة الجوية، اضافة الى حق استخدام كل الموانئ البحرية والجوية للقوات الأمريكية وحتى الجيوش الحليفة المشاركة.وتحدثت مصادر أخرى عن بنود سرية إضافية، لم تكن ضمن المسودتين الأمريكية والعراقية، من أهم ما تتضمنه إعطاء حق تدريب وتجهيز القوات العراقية، وأيضا حق إصدار الأوامر لمدة 10 سنوات وايضا الحصول على نفس الامتيازات والحقوق بالتدريب والتجهيز وإصدار الأوامر فيما يتعلق باجهزة الاستخبارات وذلك لمدة 10 سنوات ايضاً. إلا ان هذه المصادر لم تحدد أياً من اجهزة الاستخبارات الحالية (الامن الوطني او القومي، أو ما اذا كان المقصود بها دائرة الاستخبارات التي يترأسها عبد الله الشهواني التي ترفض الحكومة العراقية دمجها في مؤسسات الدولة كونها غير تابعة لهرميتها الادارية والمالية حاليا).
ومن العناوين التي عرف بها بعض الساسة العراقيون الاتفاقية يتبين انها طويلة الامد ،وقد يعتقد فريقنا المفاوض ان حصيلة الاتفاق ستتم باتفاق الطرفين ،لتستحيل نتيجة انقضائها باتفاق الطرفين ايضا ،حيث لا يمكن التكهن في النوايا الامريكية المستقبلية ،مثال ذلك قضية الجزر الكوبية ومنها جزيرة غوانتنامو في 23 شباط 1903، قامت كوبا ممثلة برئيسها طوماس بتأجير الولايات المتحد الأمريكية هذه القاعدة مقابل 2000 دولار أمريكي، في عهد الرئيس ثيودور روزفلت، كان ذلك إمتنانا من الرئيس الكوبي للمساعدة التي قدمها الأمريكيون لتحرير كوبا. أحتج الثوار الوطنيون على ذلك القرار، و على إثر ذلك لم تقم كوبا بصرف الشيكات اعتراضا على قرار الإيجار. و على الرغم من ذلك ترسل الولايات المتحدة الأمريكية شيكا بقيمة 2000 دولار سنويا إلى حكومة كوبا. في أزمة صواريخ كوبا في أكتوبر عام 1968 لغم فيديل كاسترو القاعدة لمحاولة إجلاء الأمريكان، لكن الرئيس جون كندي رفض التدخل في القاعدة و أكد حقه في استئجارها. ويعلق البنتاغون أهمية خاصة على قاعدته البحرية والجوية الضخمة في غوانتانامو ،ففي هذه القاعدة العسكرية يرابط دوماً حوالي 4 آلاف جندي وبحار وضابط أمريكي. وخلال مختلف التدريبات والمناورات للقوات المسلحة الأمريكية في حوض البحر الكاريبي والمناطق المتاخمة له يزداد تعداد هذه الحامية لدرجة كبيرة. وتستطيع هذه القاعدة أن تستقبل وتخدم السفن القتالية من مختلف المراتب، بما فيها حاملات الطائرات الضاربة التي تعرج على هذا الميناء بانتظام، وترابط في مطار غوانتامو على الدوام أسراب سلاح الجو التكتيكي والمقاتلات وقاذفات القنابل، بما فيها حاملات السلاح النووي. وتوجد تحت تصرف القاعدة وسائل كبيرة للدفاع المضاد للجو بما في ذلك الصواريخ المضادة للجو. وتوجد هنا احتياطات كبيرة من الذخيرة والوقود والأغذية وكل ما يحتاجه تموين القوات البحرية والجوية، بما فيها الأسطول الأمريكي الثاني العامل عند الساحلين الشرقي والجنوبي الشرقي للولايات المتحدة وحوض البحر الكاريبي وجنوب الأطلسي. ويمارس هذا الأسطول بانتظام الاستعراضات العسكرية عند السواحل الكوبية في محاولة للضغط السيكولوجي على الشعب العامل في كوبا.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة