الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حروب ومجازر القرن العشرين

رحيم العراقي

2008 / 9 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يصيغ إيف تيرنون في كتابه « حروب ومجازر القرن العشرين» أطروحة مفادها أنه إذا لم يكن هناك «مزج» حقيقي بين الحروب والمجازر فإن بينهما «رابطة وثيقة»، أي بتعبير آخر «ليست هناك مجازر بدون حروب».
هذا يراه صحيحا على الأقل فيما يخص «المجازر الجماعية» التي جرى الاعتراف بها كونيا، وعلى رأسها ثلاث يحددها في «المجزرة الأرمينية في تركيا» خلال الحرب العالمية الأولى و«مجزرة اليهود على يد هتلر» أثناء الحرب العالمية الثانية و«مجزرة رواندة» في عام 1994. ويبدأ إيف تيرنون في تقديم «التعريفات» الخاصة بمفهوم «المجزرة» نفسه، كما بدت في النصوص التي تعرّضت لها بما في ذلك تلك التي تبنّتها منظمة الأمم المتحدة منذ نشوئها. وبكل الحالات يتم اعتبار المجزرة على أنها «ذروة الجرائم»، وهي تعني «إبادة جزء كبير من مجموعة بشرية على قاعدة انتماءاتها الدينية أو القومية أو الاثنية أو العرقية»، هذا ما سابق الإصرار والتصميم.
وفيما يخص المجزرة التي تعرّض بها الأرمن عام 1915، يرى مؤلف هذا الكتاب أنها مرتبطة ارتباطاً عضوياً بنشوب الحرب العالمية الأولى. وإن الإمبراطورية العثمانية التي كانت تعاني آنذاك من حالة انحطاط دفعت الأوروبيين إلى تسميتها بـ «الرجل المريض»، قد اتخذت من تلك الحرب حجة كي تقوم بقتل أعداد كبيرة من الأرمن، على خلفية النظر إليهم كمقرّبين من روسيا، الأمر الذي جعل منهم بمثابة «طابور خامس» داخلي يتعاطف مع عدو البلاد.
ويشرح المؤلف أنه كان للمجزرة ضد الأرمن جذورها التاريخية البعيدة. إذ قبل نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914 بزمن طويل كانت هناك توترات بين الأغلبية التركية وبين الأقلية الأرمنية المتواجدة في المنطقة منذ عدة قرون. وكان ذلك التوتر، كما يشير المؤلف، وراء العديد من «المجابهات المتفرّقة» التي سبقت مجزرة عام 1915.
ويتم الربط في هذا السياق بين الوضع الصعب الذي وجدت القوات العثمانية نفسها فيه أمام الجيش الروسي على جبهة القتال وبين الشروع باستهداف الأرمن «أعداء الداخل».على صعيد تسلسل الأحداث يقدم المؤلف الأطروحة التالية القائلة إن الإمبراطورية العثمانية المتحالفة مع ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى اضطرّت للتقهقر في عام 1915 أمام الجيش الروسي في منطقة ذات كثافة كبيرة من الأرمن بين سكانها.
وقد سرت آنذاك شائعات «كاذبة» حول تعاون الكثير من الأرمن مع العدو الروسي، هذا في الوقت الذي كان فيه الشباب الأرمن منخرطين في صفوف الجيش العثماني. ويشير المؤلف على أنه على قاعدة تلك الإشاعات جرى تجميع الأهالي من أولئك الأرمن في مناطق بعيدة عن خطوط جبهة القتال حيث جرى قتل مليون منهم، حسب الإحصائيات التي يتم تقديمها، وهذا الرقم يعادل نصف العدد الإجمالي للأرمن الذين كانوا يعيشون في كنف الإمبراطورية العثمانية. كما أن أعدادا كبيرة من الأرمن أخذت طريق المنفى.
ويحلل المؤلف في هذا السياق الدور الذي لعبه ذوو النزعة القومية التركية المتزمتة من أعضاء حزب «الاتحاد والتقدم» والذي رفع شعار «تركيا للأتراك». ويؤكد أن هؤلاء المتزمتين لم يكونوا بعيدين عن تعديل قرار أولي اتخذنه السلطات بـ «تهجير» الأرمن وجعله قرارا بـ «إبادتهم»بالنسبة لليهود في ألمانيا، فإن مؤلف هذا الكتاب يشير على أن مشروع التخلّص منهم كان موجودا في مخططات أدولف هتلر قبل وصوله إلى السلطة.
ولكنه يؤكد أيضا أن النظام النازي كان يريد في البداية تجميع اليهود في مناطق محصورة بحيث يتم ترحيلهم بعد ذلك إلى أماكن بعيدة معزولة في سيبيريا. هكذا عرفت سنوات 1933-1939 طردهم من الجامعات ومنعهم من مزاولة العديد من المهن الحرة ورفض زواجهم مع «ألمان أصليين». هذا إلى جانب العديد من الإجراءات الأخرى التي كان من بينها إرغامهم على تعليق «نجمة صفراء» في مكان بارز للإعلان عن هويتهم.
بالمقابل يشرح المؤلف أن الإجراءات التي استهدفت اليهود وصولا إلى جعلهم «عقيمين لا يستطيعون الإنجاب» لم تصل إلى حدّ إبادتهم الجسدية حتى شهر يونيو من عام 1941 مع بداية غزو الاتحاد السوفييتي. أما مجزرة رواندة فيصفها المؤلف أنها «مختلفة»، ذلك أن الخصمين المتجابهين فيها، أي قبيلتسي التوتسي والهوتو، ليس هناك ما يميّز أحدهما عن الآخر. الجميع من مواليد نفس البلاد ويؤمنون بنفس الدين ويتحدثون نفس اللغة. لكن هذا كله لم يمنع الواقع أنه خلال شهري أبريل ومايو من عام 1994 شهدا قتل حوالي مليون شخص.
وتدل التحليلات المقدّمة على أنه، وكما في الحالتين السابقتين، كانت هناك «نوايا مبيّتة» منذ فترة طويلة ولم تكن تلك المجزرة «عفوية». الدليل الذي يسوقه المؤلف يتمثل في قوله انه قبل عدة أشهر من الانطلاق بعمليات القتل«على الهوية» قبل كل قبيلة ضد أفراد القبيلة الأخرى، كانت شركات صينية مختصّة قد تلقت طلبات لشراء كميات كبيرة من الفؤوس.
في رواندة كان «التوتسي» يمثلون الطبقة المسيطرة بشكل عام وكان «الهوتو» هم في الموقف الأضعف، موقف التبعية إجمالا، إلا بالنسبة لبعض الاستثناءات. لكن ما يتم التأكيد عليه هو أن القوة الاستعمارية «البلجيكية» لعبت باستمرار على خلافات اجتماعية-اقتصادية غلّفتها بلباس اثني ـ قبلي مما عمّق خلال عدة عقود من الزمن مشاعر الكره بين أفراد القبيلتين، وصولا إلى حرب أهلية في مطلع عقد التسعينات الماضي. في المحصلة يرى مؤلف هذا الكتاب أن القرن العشرين شهد «سيادة العنف» باسم مفهوم «الحرب الشاملة» وضد الأعداء الخارجيين و(الأعداء الداخليين) ... وهذا كله يخدم منطق المجازر.
أن بعض المؤرخين والمفكرين، وعلى رأسهم المفكر الأميركي الشهير برنار لويس رفضوا تصنيف ما تعرّض له الأرمن في خانة «مجازر الإبادة»، وذلك على أساس أن ما جرى كان متبايناً من مكان إلى آخر، بل انه في حالات كثيرة استثنى الأطفال الأرمن، بل وجرت حمايتهم.
المؤلف في سطور
إيف تيرنون، طبيب جرّاح، عمل في المستشفيات الباريسية، لكنه أيضا مؤرخ ومؤلف لكتب عديدة كرّسها خاصة للمجزرة التي تعرّض لها الأرمن في تركيا عام 1915. ومن بين كتبه: «براءة الضحايا: في قرن المجازر»، و«أطلس الأقليات في أوروبا: من الأطلسي إلى الاورال»، و«الأرمن»، و«دير الزور: اقتفاء آثار مجزرة 1915 ضد الأرمن»، و«الإمبراطورية العثمانية: الانحطاط والانهيار والزوال».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام