الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجل الزوار ..-قصة قصيرة-

مها عبد الكريم

2008 / 9 / 2
الادب والفن


دلفت بسرعة إلى غرفة الاجتماع حاملةً حقيبتها السوداء المحشوة بأوراق بدت حوافها ظاهرة وكأنها تريد أن تقفز من ‏الحقيبة لشدة تزاحمها , وبحركة سريعة من يدها سلمت على بقية المجتمعات ثم راحت توجه حديثا سريعا إلى المديرة ‏الجالسة في الطرف البعيد من منضدة الاجتماع الكبيرة .. طريقتها السريعة في إخراج الجُمل إضافة إلى عدم إجادتها ‏للغة العربية بشكل جيد كان يجعل معظم كلامها غير مفهوم لكن المديرة‎ ‎لم تكن تجد الكثير من الصعوبة في فهم ما ‏تريد مسؤولة العلاقات ‏ الوصول إليه لعلمها مسبقا بالمهمة التي كلفتها بانجازها.. لكن أسلوبها وطريقة تحركها السريع ‏كان يثير الكثير من التعليقات الساخرة والضحك بين بقية المجتمعات وخصوصا لدى المسؤولة عن الجانب الإعلامي ‏للمؤتمر القادم والذي عقدوا عدة اجتماعات تحضيرية له حتى ألان , لم تكن تعليقاتها وضحكها بشكل علني يثير ‏الاستغراب فالكل يعرف مدى العداء المستحكم بينهن ومنذ اليوم الأول لعملهن في هذه المؤسسة ‏
كل واحدة منهن كانت ترى أن عملها هو الأكثر أهمية وأنها تبذل الجهد الأكبر من بين جميع العاملات في المؤسسة ‏لانجازه وعليه فأنها تستحق التقدير الأكبر من قبلهن والاهم من قبل المديرة ,لكن المديرة كانت تدرك أن هذا التنافس ‏والتسابق سيصب في مصلحتها في النهاية‎ ‎لذا كانت تجيد تأجيج هذا التنافس بينهن بشكل خفي ..‏
بعد أن أنهت كلامها ,بقيت مسؤولة العلاقات واقفة في مكانها في وضع الاستعداد تنتظر أوامر المديرة لها بالتحرك ‏لانجاز مهمة جديدة لكن المديرة طلبت منها أن تنظم إلى الاجتماع ولو لفترة قصيرة لتطلع على ما تم انجازه حتى ألان ‏ولتكون على علم بتحرك بقية أعضاء فريق الإعداد ..ولتطلعها على نشاط الإعلامية ومهامها لتدفعها نحو بذل المزيد ‏من الجهد وعدم أبداء أي تذمر من التعب الذي بدا واضحا على وجهها ..!‏
أسرعت بالجلوس في أول مقعد فارغ لاح لها والذي صدف وجوده خلف مقعد الإعلامية مباشرة بعدها عاد الاجتماع ‏إلى وضعه السابق واستمرت النقاشات التي كانت تدور قبل دخول مسؤولة العلاقات ..‏
كانت خطة الإعداد بسيطة تعتمد على إسناد عدد من المهمات لكل واحدة في فريق الإعداد وبعد تحديد زمن محدد ‏لانجاز كل مهمة تعود المديرة في الاجتماع القادم للسؤال عن نجاح كل واحدة في انجاز مهامها حسب الوقت المحدد , ‏ورغم جو العمل الجاد لم يخلو الاجتماع من التعليقات الساخرة خصوصا من قبل المسؤولة عن الشؤون المالية ‏للمؤتمر والمعروفة بمرحها الزائد وصوتها المرتفع واندفاعها المتهور للانضمام إلى أي حديث جانبي ‏
كان ذلك الاجتماع هو الأخير بين سلسلة الاجتماعات التحضيرية لاقتراب وقت عقد المؤتمر ,تناولت المديرة الورقة ‏الأخيرة من بين سلسلة الأوراق التي أعدتها ‏‎ ‎للمناقشة مع فريق الإعداد ,كانت تظم اللمسات الأخيرة التي يجب ‏إضافتها لإظهار الحس الأنثوي الجميل والمميز للعمل كله ,أخذت تتناول النقاط التي دونتها على الورقة وراحت ‏تناقشها بإمعان مع الفريق مستمعة إلى آرائهن حولها ومشجعة كل مبادرة تشعر أنها ستضيف اللمسة التي ترجوها.. ‏ومع هذه الورقة ازداد حماس الفريق وصار الكل يشترك في مناقشة الفقرات وراحت الأصوات تتداخل وتتشعب ‏والفكرة الأساس تقود إلى أفكار جديدة لكن كل هذا لم يكن ليغطي على الغمغمات وتبادل العبارات المتشنجة الذي كان ‏يدور في احد جوانب طاولة الاجتماع !!‏
استمرت النقاشات حتى وصلت المديرة إلى آخر فقرة في ورقتها والخاصة بسجل الزوار .. كانت ترى ضرورة ‏وجود هذا السجل الذي يوثق الحدث الأول والاهم في عملها حتى ألان ولتأخذ فكرة عن أراء من سيحضر المؤتمر كما ‏انه توثيق جميل لحضور بعض الشخصيات السياسية المدعوة ‏
الكل تقريبا كان يعلم أن هناك عدد من الشخصيات السياسية كان سيحضر بالفعل ولان حضور هذه الشخصيات صار ‏يتكرر يوميا وفي مناسبات عديدة كان لدى الجميع قناعة أن هذا الحضور لن يؤثر ألا بمقدار ما يضيف من هالة ‏إعلامية حول هذا المؤتمر وحول المديرة نفسها وكان وضحا أن كل هذه الجهود والأموال ستذهب دون أن تغير ‏أشياء كثيرة تحتاج إلى تغيير..لكن الحقيقة هنا وكما يحدث باستمرار أن الجهود الكبيرة والأموال العظمية المبذولة ‏بكل نتائجها لم تكن لتقبل القسمة على أكثر من شخص واحد تصب في مصلحته ولهذا كان على المديرة أن تتأكد بشكل ‏مبكر أنها ستكون هذا الوحيد , لكن الإعلامية كانت تأمل أن تستطيع استغلال بقية الضياعات الكبيرة لتصحيح ولو ‏خطأ صغير ..‏
في ذلك الصباح ومثل كل صباح سبقه كانت أول عمل تقوم به هو تفحص هاتفها النقال وعندما لم تكن تجد الرسالة ‏التي تنتظرها كانت تعود بشكل لا شعوري إلى الرسائل الأخيرة التي أرسلها زوجها قبل اختطافه بساعات قليلة قبل ‏عامين..لقد غادرها ذلك الشعور بالفقدان والترقب منذ فترة لكن عليها هذا الصباح أيضا أن تتظاهر أنها مازالت ‏بالانتظار فذلك أفضل من تحمل نظرات الآخرين لها رغم أنهم جميعا يعرفون انه لن يعود حاله حال كل من اختطف ‏هنا واختفت أثاره إلى الأبد , كانت تحاول أن توهم نفسها أحيانا أن صورة تلك الجثة التي كانت بين مئات الصور التي ‏عرضت عليها ليست جثته فالوجه كانت مشوها تقريبا ومغطى بالدم تماما ومع هذا كانت ترى فيه ملامحه التي لا ‏تخطئها ..‏
غسلت وجهها ورتبت شعرها بشكل جميل وجهدت في إبراز ما بقي من جمال عيونها الخضراء الواسعة محاولة أن ‏تعيد إليها شيئا من سحرها وجاذبيتها لتبدو أكثر شبابا خصوصا أنها مازالت تتمتع بقوام جميل ومظهر جذاب لا يدل ‏على أنها تجاوزت الأربعين ..اختارت كل الألوان التي كان يرى أنها تليق بها فهي مازالت تعتقد انه كانت يتمتع بذوق ‏جميل لكن ليس هذا ما تفتقده بقدر بيتها الخاص الذي غاب معه , انتهت بسرعة من ارتداء ملابسها لتلحق بالكثير ‏من الأعمال التي كانت بانتظارها مؤملة نفسها بما تمتلك من ثقافة وشخصية قوية وما بقي من جمالها بنهاية وشيكة ‏للوضع الصعب الذي تعيشه ... ‏
لكن الأخرى التي كانت تعمل بجد ونشاط غير اعتيادي كانت تأمل هي الأخرى بجائزة ثمينة لعملها الذي كانت تراه ‏خارقا.. لم تكن مثل مسؤولة الإعلام مكشوفة النوايا فقد كانت تستطيع أن تغطي على نواياها بالكثير من الورع ‏والتواضع والزهد حتى لخيل للكثير أنها امرأة متفانية اكتفت من كل عملها هذا بالشكر وما خفي عند الله من ثواب ..‏

اقترحت المديرة أن يكون مكان سجل الزوار في مكان بارز في موقع استقبال المشاركين ولا بأس أن تزين المنضدة ‏التي سيوضع عليها بالزهور الطبيعية والشموع مع وضع لافتة صغيرة تلفت الانتباه إليه..فجأة ودون سابق إنذار ‏اندفعت مسؤولة العلاقات بجملها السريعة التي تجيد منحها الأهمية المطلوبة لتعلن قرارها الذي بدا انه كان معداً منذ ‏وقت سابق حول من ستقف بجانب هذا السجل.. ستكون فتاة لكن ليس أي فتاة كانت أنما واحدة تشبه زهرة ربيعية ‏يانعة تختصر في وجهها وعمرها الغض أمل النساء وتطلعاتهن في هذا البلد بل وتختصر المعنى والهدف من المؤتمر ‏كله , صحيح أن المؤتمر تقيمه مؤسسة تعنى بشؤون المرأة وكل طاقم العمل والإعداد تقريبا من النساء لكن امرأة ‏كبيرة متهالكة متعبة لا تصلح أن تقف بجوار سجل الزوار!! وعلى هذا فهي تجد أن انسب واحدة تمثل كل المعاني ‏المطلوبة أنما هي ابنتها ذات السبعة عشر ربيعا ذات الجمال الرائع الذي سيشهدونه بأنفسهم يوم المؤتمر ..‏
مداخلتها السريعة المفاجئة أنهت التوتر الذي كان دائراً في تلك الزاوية من المنضدة ليتحول إلى مواجهة مباشرة ‏حامية بينها وبين مسؤولة الإعلام التي رفضت المقترح بشدة مقللة من أهمية سجل الزوار ومحيلة الابنة الجميلة ‏للعمل في مجال أكثر أهمية بحسب رأيها وهو الانضمام إلى اللجنة الأمنية الخاصة بالمؤتمر وهذا يعني أن الزهرة ‏اليانعة الجميلة ستنضم إلى بعض النساء القويات ذوات المظهر الخشن والصوت المرتفع والمسؤولات عن الجانب ‏الأمني للمؤتمر..!‏
بعد دقائق معدودة كان النزاع بين الاثنتين قد طغى واستحوذ على جو الاجتماع وصمت الجميع بما فيهم المديرة بينما ‏استمرت كل واحدة من المتنازعتين بتوجيه الاتهامات إلى الأخرى بالفوضوية والتقصير وعدم وجود أهمية وجدوى ‏لعملها .. ‏
كان عليها أن تتدارك الموقف بسرعة وان تستغل قدرتها على ضبط أعصابها وشخصيتها القوية لتحويل الوضع ‏لصالحها وان تكسب مساندة اكبر عدد ممكن في فريق الإعداد ليس لرغبتها في كسب جولة أخرى في نزاعها مع ‏عدوتها التقليدية ولكن لشعورها أنها تمثل كل الأخريات اللاتي يعملن بكد ودون تذمر من اجل أن يجلس سجانهن على ‏العرش !..كانت ترى أن من حقها أن تقطف شيئا من ثمار تعبها وليس من حق الأخرى أن تستحوذ على جهود الجميع ‏لصالح ابنتها لمجرد أنها كانت تجيد تلميع صورة السجان بشكل جيد ! , وعلى هذا الأساس صار من واجب كل ‏واحدة تحرص على جهودها أن ترفض فكرة مسؤولة العلاقات وان ما يحدث إنما هو قضية كرامة ومبدأ !!‏
لكن مسؤولة العلاقات التي لا تقل دهاءاً سارعت إلى توجيه حديثها إلى المديرة مذكرة إياها بكل الإعمال التي انتهت ‏من انجازها من اجلها ولوحدها في الوقت الذي كان من واجب المديرة أن تنتدب مساعدة لها لعلمها بصعوبة هذه ‏الأعمال وأهميتها ‏
لم يكن يلوح في أفق ذلك الاجتماع أي نهاية للنزاع الذي نشب وانقسمت المجتمعات إلى فريقين واحد يؤيد من تدافع ‏عن المبدأ وآخر بجانب من تتفانى إلى أقصى حد من اجل العمل وصارت الأصوات تعلو وتتداخل وتحولت النقاشات ‏إلى موضوع النزاع والأغرب انه جر إلى ظهور نزاعات أخرى جانبية لم تكن تجد الفرصة الملائمة لظهورها ‏وتطورها , وحدها المديرة كانت تعرف أن مصلحتها مهددة باثنتين فهمتا سر لعبة المصالح وكان عليها أن تقرر من ‏هي الأهم بالنسبة لها لتضحي بالأقل أهمية ومن تريد تغيير قواعد اللعبة وتقسيم الغنائم .. سارعت المديرة إلى توجيه ‏تحذير لكل واحدة منهن باتخاذ موقف صارم أن لم يتوقف هذا النزاع فورا فانسحب مسؤولة العلاقات مغادرة قاعة ‏الاجتماع تتبعها غمغمات المجتمعات واستهجانهن من تصرفها الفض ونظرات المديرة التي بدت وكأنها تبحث لها ‏عن عذر .. وهكذا انتهى الاجتماع الأخير على بداية نزاع كبير ونوايا مبيته ودون أن تحسم قضية سجل الزوار .. ‏

في يوم المؤتمر كان الجميع يعمل مثل خلية وكل واحدة في فريق الإعداد راحت تؤدي مهمتها بحرص وإتقان بينما ‏خيم جو من الصمت والترقب على الجميع وكأن خطبا جللا سيحدث ‏
المديرة أخذت موقعها المتوقع بين العدد القليل من المشاركين الأكثر أهمية ,في صورة بدت أنها تكررت كثير لدرجة ‏الملل بينما راح باقي العدد الأكبر يشترك في سؤال واحد كان يلوح في العيون والحركات والغمغمات دون أن يعلن , ‏عن الجدوى والهدف والنتيجة التي تأخرت أو تأجلت مرة أخرى .. ‏
لم يكن من السهل تجنب الأخطاء وحصول الحوادث المفاجئة في مثل هذه المناسبات ألا أن الفريق عمل على تخفيف ‏أو إلغاء تأثيرها بقدر المستطاع..شيء واحد لم تستطع أي واحدة في الفريق تفسيره ولم يكن هناك أي شاهد يبين ‏السبب أو الشخص الذي ارتكبه فقد اختفى سجل الزوار من مكانه على المنضدة الجميلة المزينة بالزهور والشموع ‏وتحت اللافتة التي كانت تشير إلى سجلٍ لم يعد له وجود ...‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي