الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الضحية المقبلة بعد كامل شياع ؟

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2008 / 9 / 4
الارهاب, الحرب والسلام


هل هدأت احزاننا بخسارة كامل شياع وهل نفدت كلمات الندب وعواء الروح؟ وهل اكتفى قاتله الماجور بجريمته ومضى دون ان يفكر بضحية اخرى سيقتنصها؟ أكمالا لمخطط اسياده من المجرمين والمتوحشين الذين يريدون ان تظل هذه البلاد مرتعا للوحوش ومرابطة بعجلة الرعب ومأسورة بزمن الدكتاتورية وظلامية عقائدها وعفونة رائحتها الكريهة التي ازكمت انفوفنا لاربعة عقودة متتالية؟
هل تركت لنا مساحات الصدمة والذهول الكبيرة فسحة للتفكر في امر الجريمة وظروف نجاحها واستنطاق اهدافها القريبة والبعيدة؟
هل ستسعفنا رؤانا الثقافية وبصيرتنا باستشفاف الغيب القادم بتصور ملامح الضحية المقبلة كي نترصد القاتل قبل وقوع جريمة اخرى ضحيتها تنوب عن كل المثقفين العراقيين وتختصر محنتهم وعزلتهم امام وحوش الغابة الجديدة؟
اسئلة كثيرة تدور في ذهني بعد ان نضبت مشاعر الفجيعة وبعد ان حضر الرعب كله منبها ومحذرا كل الذين يرومون الاصطفاف صفا وحدا لرفع رايات التنوير والحرية والسلام ضد فرق الظلامية والجهالة والوحشية.
اسئلة تشكل اجاباته وحلولها موقفا اخر وجديداً يستثير المثقف للانتقال من مواقع كسله ولامبالاته وضعفه الى مواقف اكثر حدة وصلابة تثبت حضوره المهيب وتنبه لدوره المؤثر في الحياة ولربما تكون هذه من فضائل المصائب والنوائب علينا ان احسسنا ادارة هذه المصيبة وخرجنا من دائرة احزانها وعواء نواحها بقدر من الصلابة والوضوح لما مطلوب منا من دور للحد من هذه الجريمة البشعة وتواصلها في هدم مياسم الحياة الجديدة؟
قبل الشروع بالاجابات عن هذه الاسئلة لابد من الاعتراف بامرين احلاهما مر:
اولهما: لاول مرة يشهد فصل النكبات والمصائب للمثقف العراقي هذه الحمى المسعورة من التبكيت والصراخ والرثاء للذات والذي عبرت عنه سيل الرثاءات وقصائد الندب التي اظهرتها الصحف ومواقع الانترنت التي يرتادها المثقف العراقي كاتبا وقارئا، هذه المواقع التي لا اتوقع ان تطأها اقدام البرابرة والتجهيل الذي امروا قاتل كامل شياع بالجريمة.
هذه الكتابات تكشف مدى الصدمة والضربة الموجعة التي تلقتها الاوساط الثقافية عموما وفريق التنوير والديمقراطية خصوصا جراء هذه الجريمة النوعية بالاداء والتنفيذ والغايات.
لان كامل شياع كضحية عزلاء امام كاتم صوتي جبان كان يمثل جميع الضحايا الذين سيتعاقبون بعده واحدا اثر واحد لانه كان نموذجا حقيقيا ومتكاملا للمثقف الوطني والمسؤول في زمن هيمنة منطق الغابة وتحكم وحوشها الضارية وسباعها المفترسة.
ثانيهما: لربما اتاحت هذه الكتابات والعزاءات التي لم تنقطع حتى اللحظة فرصة لتشفي القاتلين وشركاتهم المساهمة في داخل الحدود وخارجها بمجموعة المثقفين المشتتين بالافاق والمتبعثرين في المواقع الذين تجمعهم المصائب وتفرقهم وحدة الموقف وصلابة الرد لهشاشة في بنيوية المثقف ووعي دوره في الحياة كما ورد ت لنا صورة المثقف العراقي من اسلافنا المثقفين الذين كتبوا ادوارهم التاريخية عبر مدونات ثرثرات المقاهي ونواح البارات والمرابطة في زواياأعمدة المجلات الشحيحة القراء بينما وقت الشدائد العصيبة كان المثقف اول الضحايا الذي يلهو به الجلادون والانقلابيون في مكاتب استجواباتهم وبين آلات تعذيبهم الوحشية.
تاريخ كامل لتدجين المثقف العراقي وترويضه وشراء ذمته وسكوته والرضاء بقدره وما متاح له من مساحات في الجرائد والمقاهي والمجلات. والكتب المرخصة بمأذونية الحاكم نفسه ومزاجيته ومباركة شرطة رقبائه.
لماذا هذه الجريمة؟
قبل تحليل او افتراض اسباب لوقوع الجريمة وهي افترضات تقع قطعا خارج اساليب التحقيقات الجنائية وسرديات الرويات البوليسية التي تسعى لكشف ملامح القاتل في نهاية الرواية.
وانما هي قراءة لا تحتاج لعناء وفراسة يمكن التقاطها بيسر وسهولة من بين ما تبقى من الرصاصات الفارغة وبقع الدماء للضحية ونظارته المكسورة حزنا النظارة التي تحكي قصص القراءات الممنوعة والمسموحة لمفكر ومعرفي من طراز كامل شياع.
من كل هذا الاكسسوارات ومفردات الجريمة نستدل على نجاحها بدرجات كبيرة من حيث مسرحها القريب من وزارة الداخلية العراقية وكاتم الصوت وبراعة التنفيذ الذي انهى حياة الضحية بيقين وهروبها من دون ملاحقة ليبقى القاتل وشركاته المؤسسة مجهولا وغائبا ومتفرجا لبكاءانا المر ورثاءاتنا الموجعة.
استغرب للذين يتساءلون عن السبب باختيار كامل شياع هدفا؟ وكانهم باستغرابهم هذا يرمون زيادة غموض المشهد والتدليس على ملامح القتلة الذين لاهم لهم الا تعويق بزوغ الحرية وزهراتها وتعطيل مشروع الديمقراطية وقبر الوعي الوطني وفي كل ذلك ستختنق هذه العصابات والمافيات الاجرامية بعطر المدنية وسيادة المثقف ونوال استحقاقاته من الدولة والمجتمع.
بتطبيق التعارض بين ما يريده القاتل وما يريده المقتول نجد آلاف المبررات ومسوغات لقتله نيابة عن اصدقائه وزملائه من احرار الفكر والمعرفة والموقف من الذين سيأتون بعده.
القاتل يدرك جيدا ان شياع كان الزهرة الشاذة اليتيمة في غابة تتقاتل وحوشها الضارية على مآرب سادتها والعبث بمقدراتها فهذا الصراع الوحشي لا يحتمل مسؤولا غريبا جاء محمولا بتاريخه النضالي وجدارته الثقافية وثقله المعرفي وشعبيته المترامية الاطراف بين كل اوساط الثقافة العراقية وحدودها المترامية على اطلس القارات كلها .
ثم كان كامل درسا شاذا اخر من دروس وعبر التجربة السياسية الجديدة وتجلياتها التحاصصية .
ولربما أزعجت هذه المؤهلات بعضا من الاطراف القابضة على وزارة الثقافة لان كامل شياع كان متوالية غريبة في طاقم حكم الدولة الجديدة بعراقيته ووطنيته وثقافته التي سبقت وتقدمت على شيوعيته وشيعيته وايدلوجيته. وكانه كان يريد ان يرسم أنموذجاً لمثقف عراقي جديد يمازج بين كل هذه الدوائر دون اضطراب او احتراب او توزيع المثقف على قطاعات تنهك دوره وتدمر مكانته لبلوغ تحقيق اهدافه المشروعة في الثقافة والسياسة.
عموما كان القاتل واعيا لحجم ضحيته النوعي لان القاتل يعرف مزايا كامل شياع التي تختصر طريقه وتوفر جهده باغتيال الثقافة العراقية كلها ورموزها التنويرية بجسد كامل وحده.
وكامل تمكن من جانب اخر من تحطيم المسافة الازلية التي تفصل بين المثقف العراقي والسياسي المستأثر بالسلطة والذي يتطلع من علياء هيبته وسطوة نفوذه الى المخلوق الثقافي كنكرة تسحق التدمير والانسحاق تحت (بساطيله) لانه المنافس الوحيد والخصم العنيد الذي يمتلك قدرة التنغيص على مباذخ حكمه والاستهتار بوعوده وتعويق طموحاته اللامشروعة.
ولذا كان المثفق سابقا اما مدجنا ومحكوما بالسيطرة الكاملة على احلامه وهواجسه ومايفكر فيه بخلواته واما صامت او هارب مذعورا من رعب سلطة السياسي الحاكم فاذا توافرت هذه الاسباب كلها عند كامل شياع فأننا نتلمس اشارات الانذار الاولى باعلان معركة طرفاها فريقان متناقضان فريق مع التنوير واليقين بالحريات المدنية واخر يريد الارتكاس بمدخرات الامة الى مهاوي الظلمات التاريخية وسيادة العقائد المتخلفة التي تريد ان تعزل هذه البلاد عن مستجدات الحداثة ونور التقدم الذي يعيشه العالم في كل اصقاع الدنيا.
فالرصاصات الغادرة التي اطاحت بالجسد القتيل هي اعلان الشروع بالماراثون الاجرامي لقتلة غادرين ممكن ان يطال كل افراد الفريق التنويري المسؤول وغاية ما اراده القتلة ايصال موعد البدء بهذه المعركة غير المتكافئة بين الطرفين.
واول نتائج الرسالة أصبح مقعد كامل شياع في مسؤولية الثقافة العراقية شاغرا وبات من الممكن ان يحل محله احد الذين كلفوا القاتل بمهمته الخسيسة وهي اهم نتائج الجريمة الغادرة ومن ثم المضي بعيدا في مشروع المحاصصة البغيض وهو ابشع وجه لحالة العراق الجديد واقبح صورة في مشهد الزلزال الذي اطاح بالدكتاتورية السابقة.
والنتيجة المؤلمة التي لا تقل عن خسارة المقعد الوظيفي لكامل شياع بكل ما يمثله هذه المقعد من توازن بين القوى المتصارعة والمحمية بشبكة من العصابات والحمايات السرية والعلنية، ان كثيراً من مثقفي العراق الوطنيين الغيوريين على مستقبل الديمقراطية ومن الذين ارادوا التقدم خطوة في كسر عزلتهم والثورة على سلبيتهم وتواكلهم ممن انهرسوا تحت انياب ذل الغربة والحرقة من بعد على وطن تنهشه الذئاب المسعورة .
ارادوا حزم حقائبهم والعودة الى الوطن بعد ان تسربت اليهم اخبار امن واستقرار يمكن ان يوضعا حدا لفصل التغرب والبعاد عن الوطن وكان من الممكن فتح صفحة جديدة للمثقف العراقي ومشاركته بالسلطة وتداولها في غياب الدكتاتورية نظام الشمولية المزمن، ولكن عاد المثقفون وركنوا حقائبهم على رفوف غربتهم ريثما تصلهم رسالة اطمئنان اخرى تسبق قتل مروع اخر .
والنتيجة الثالثة عرف القاتل قدرة المثقف العراقي على صناعة احزانه وابتكار نواحاته من خلال تاريخ طويل من اضطهاده وتغييب دوره وقمع صوته وتحطيم مشاكساته. القاتل يتفرج وسيتفرج ونحن نطوي صفحة حزن جديدة بعد ان تهدأ فورات الغضب وتنطفئ جمرات الحزن وتتلاشى مرارة الوجع.
ونعود نتهيأ لرثاء ضحية اخرى محتملة في ظل بقاء الاوضاع على حالها وستطرب اناشيد العزاء وايقاعات الحزن مسامع قتلة الكواتم اذن ماذا نفعل وهل بيد المثقف العراقي من سبيل آخر؟
نعم امامه ان يكون له عشيرة تطالب بدم ابناءها وامامه ان يحول الكلمات المفجوعة الى صراخات احتجاج وسط الشوارع وفي ممرات الدوائر الحكومية وفي حدائق العاشقين ومساطر العمال وكراديس العزاءات المقامة لكامل ومن قبله في ارواحنا وذاكرتنا .
وامامه يعطل الحياة ويشل فعاليتها ليوم واحد فقط اكراما لدماء كامل الغالية والذين سيأتون من بعده والذين من قبله وامامه يوخز النائمين والغافلين عما يدور من حولهم من جريمة وامامه يدعو لحظر التجوال الذي يكون لمناسبات اقل قيمة من قتل مثقف تنويري واهدار دمه بدماء باردة وضغائن متوارثة.
امامنا كل ذلك لكي لاندع القاتل يتشفى بفجيعتنا ويسخر من بكاءانا المر وحسراتنا المتواصلة وحتى لا نسمح له بالمبادرة الجديدة وهو يتهيأ لقنص ضحية جديدة من فريق التنوير والمدنية والسلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24