الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميخائيل باكونين : بنية الدولة في معارضة بنية الأممية

مازن كم الماز

2008 / 9 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ميخائيل باكونين 1871
عندما تنجح الأممية بتنظيم نصف , أو ثلث , أو حتى عشر البروليتاريا الأوروبية ستكف الدول عن الوجود ... لأنه حتى لو انضم واحد من كل عشرة عمال إلى الأممية بجدية و بمعرفة كاملة عن القضية , سيتبعه الآخرون تحت تأثيره النفاذ , و في أول أزمة سيتبع الجميع الأممية في العمل على تحقيق انعتاق البروليتاريا .
هل يمكن لمثل هذه التعبئة لتأثير الأممية على الجماهير أن تقود إلى جهاز جديد لسيطرة الدولة ؟ لا , لأن الفرق الأساسي بين العمل المنظم للأممية و عمل كل الدول , هو في أن الأممية لا ترجع إلى أية سلطة رسمية أو سياسية مهما تكن . في أنها ستكون دائما التنظيم الطبيعي لعمل , عدد أكبر أو أقل من الأفراد , الذين يلهمهم و يوحدهم الهدف العام للرأي المؤثر ( بقوة المثال ) للجماهير و إرادتها و فعلها . أما الحكومات فإنها على العكس تفرض نفسها على الجماهير و تجبرهم على إطاعة قراراتها , بدون أن تأخذ في الاعتبار في معظم الحالات مشاعرهم و حاجاتهم و إرادتهم . يوجد هناك بين قوة الدولة و قوة الأممية نفس الفرق الذي يوجد بين السلطة الرسمية للدولة و النشاط الطبيعي لجمعية ما . ليست الأممية و لن تكون إلا تنظيم الفعل الحر للأفراد بين الجماهير . لكن العكس هو الصحيح بالنسبة للدولة و كل مؤسساتها : الكنيسة , الجامعة , المحاكم القانونية , البيروقراطية , الضرائب , الشرطة , و الجيش ... كلها تفسد عقول و إرادة أتباعها و تطالبهم بالطاعة السلبية ...
إن الدولة هي سلطة الطبقات المالكة و هيمنتها و قوتها على الجماهير ... أما الأممية فإنها تريد فقط حريتهم الكاملة , و تدعو إلى ثورتهم . لكن لكي تكون هذه الثورة قوية و قادرة بما يكفي للإطاحة بهيمنة الدولة و الطبقات صاحبة الامتيازات , فعلى الأممية أن تنظم نفسها . و لكي تنجز أهدافها فإنها تستخدم وسيلتين فقط , اللتين إن لم تكونا قانونيتين على الدوام فإنهما مشروعتان بشكل كامل من ناحية حقوق الإنسان . هاتان الوسيلتين هما نشر أفكار الأممية و التأثير الطبيعي لأعضائها على الجماهير .
أيا كان من يجادل في أن عملا كهذا , على أنه خطوة نحو إقامة سلطة تسلطية جديدة , مهددا حرية الجماهير يجب إما أن يكون سفسطائي أو غبي . ليست الحياة الاجتماعية كلها إلا الاعتماد المتبادل الدائم بين الأفراد و الجماهير . إن كل الأفراد , حتى الأكثر قوة و ذكاء , هم في كل لحظة من حياتهم منتجون و نتاج لإرادة و فعل الجماهير .
إن حرية كل فرد هي نتيجة متجددة باستمرار للتأثيرات الهائلة المادية و الفكرية و الأخلاقية للأفراد المحيطين و للمجتمع الذي ولد فيه , و الذي كبر و يموت فيه . إن الرغبة بالهروب من هذا التأثير باسم حرية مكتفية ذاتيا بشكل مطلق , غيبية , إلهية , هي حكم بعدم وجود الفرد , إن التخلي عن ممارسة هذه الحرية على الآخرين هو تخل عن كل عمل اجتماعي و أي تعبير عن أفكار المرء و مشاعره , و انتهاءا بالعدم . إن استقلال مطلق كهذا و حرية كهذه , التي هي بنت أفكار المثاليين و الميتافيزيقيين , هي محض سخافة شنيعة .
في المجتمع الإنساني , كما في الطبيعة , يحيا كل كائن فقط وفق المبدأ الأعلى للتدخل الأكثر إيجابية في وجود كل كائن آخر . تتوقف صفة و مدى هذا التدخل على طبيعة الفرد . إلغاء هذا التدخل المتبادل سيعني الموت . و عندما نطالب بحرية الجماهير فإننا لا نحلم بإلغاء أي من التأثيرات الطبيعية التي يمارسها أي فرد أو مجموعة على الآخرين . إننا نريد فقط إلغاء الإلزامات الاصطناعية , الامتيازات , القانونية , و الرسمية . لو كانت الكنيسة و الدولة مؤسسات خاصة لكنا من دون شك ضدها , لكننا لم نكن لنختلف على حقها في الوجود . إننا نحاربهما لأنهما منظمتان لاستغلال القوة الجماعية للجماهير باستخدام الإكراه فوق العادي الحكومي و العنفي . إذا كان على الأممية أن تصبح دولة فإننا , أكثر أنصارها حماسة , سنصبح أشد أعدائها عنادا .
لكن النقطة هنا بالتحديد أن الأممية لا يمكنها تنظيم نفسها في دولة . لا يمكنها فعل ذلك لأن الأممية , كما يدل اسمها , تعني إلغاء كل الحدود , فيما لا يمكن لأي دولة أن توجد من دون حدود , من دون سيادة . إن الدولة الشاملة , حلم أكبر الطغاة في العالم , قد أثبت التاريخ أنها غير قابلة للتحقيق . أما الدولة الشاملة , أو دولة الشعب , التي يحلم بها الشيوعيون الألمان فيمكنها أن تعني شيئا واحدا فقط : تدمير الدولة .
ستفقد جمعية العمال الأممية تماما أي معنى إذا لم تهدف إلى تدمير الدولة . إنها تنظم الجماهير فقط لتسهل تدمير الدولة . و كيف تنظمهم ؟ ليس من القمة إلى الأسفل , ليس بتقييد الوظائف المتنوعة للمجتمع تلك التي تعكس تنوع العمل , و ليس بإكراه الحياة الطبيعية للجماهير عبر تقييدها بقيد الدولة , و لا بفرض وحدة وهمية عليهم . على العكس إنها تنظمهم من القاع إلى الأعلى , بادئة بالحياة الاجتماعية للجماهير و طموحاتهم الحقيقية , محفزة إياهم على التجمع , التناغم , موازنة قواهم في توافق مع التنوع الطبيعي لوظائفهم و ظروفهم ... هذه هي الوظيفة الحقيقية لفرع النقابات .
لقد قلنا بالفعل أنه كي ننظم الجماهير و معهم بقوة لبناء تأثير الأممية , سيكون من الكافي , لنتحدث بشكل واضح , أن ينضم إليها واحد من كل عشرة عمال ... في لحظات الأزمات السياسية أو الاقتصادية الكبرى , عندما تأخذ الغرائز الثورية للجماهير بالغليان , في الوقت الذي تنهض فيه هذه القطعان من العبيد البشريين أخيرا لتطيح بنيرها , سيجدون أنفسهم تائهين عاجزين لأنهم غير منظمين تماما . إنهم مستعدون للإصغاء لأي اقتراح جدير بالاهتمام , عندها فإن عشرة , عشرين , ثلاثين مناضل جيدي التنظيم , يعملون معا , يعرفون ما الذي يريدونه و كيف يصلون إليه , يمكنهم بسهولة أن يحشدوا عدة مئات من الناشطين الجريئين . إننا نرى مثال عن هذا أثناء كومونة باريس ( 1871 ) . حيث دبت الحياة في منظمة مؤثرة فقط أثناء الحصار , لم تكن في أي مكان بتلك القوة مثلما كانت عندما تطلب الوضع ذلك , كانت قادرة رغم نواقصها على أن تشكل قوة رائعة ذات قوة كامنة هائلة للمقاومة .
ما الذي سيحدث عندما ستصبح الأممية أفضل تنظيما , و عندما تنخرط فروع كبيرة أكثر – قبل كل شيء , الفروع الزراعية – في صفوفها , عندما يضاعف كل فرع عضويته ثلاث مرات ؟ ما الذي سيحدث عندما يعرف كل عضو بشكل أفضل مما يفعل اليوم الأهداف النهائية و المبادئ الحقيقية للأممية إضافة إلى وسائل تحقيق انتصارها ؟ ستصبح عندها الأممية قوة لا تقهر .

ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.marxists.org/reference/archive/bakunin/index.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ