الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ينتهي الارهاب

أحمد التاوتي

2008 / 9 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


الأطروحات الكثيرة حول استعمال الإرهاب من أطراف سياسية و لوبيات صراع متعددة الألوان حسب الموقع و المصلحة . و هي أطراف بعيدة كل البعد عن الأديان ؛ أطروحات صحيحة ما بقي في ربوعنا أحمق و ماكر.
فالأحمق إنسان مبرمج. جرفته عصبيته إلى عدم الرؤية فاستغلها الماكر حجرا في ألعابه المفضلة.
و لذلك فوجود استغلال للإرهاب الديني لا ينفي المسؤولية عن الدين . لأن الدين هيأ مادة الحمق.
كما أن حقيقة و جود العصبية الدينية لا تنفي المسؤولية عن جهات المصالح الأخرى لأنها الأخطر من حيث كونها لا تحترم أوطانا أو إنسانا.. و تلفيق مسرحية 11 سبتمبر أكبر مثال لذلك.
الأولى عصبية، و الثانية سادية.
أمر يزيل أي تعجب للقائهما في النهاية على أهداف واحدة، بل و صداقتهما بعد أن يتحرر الأحمق من مادته والإبقاء على ديكورها.
هذا هو الوارد غالبا على اعتبار أن مقتضيات الحمق حالات محمومة عارضة و ليست بالضرورة لازمة.

و في الحالة العربية، و المغاربية خصوصا، تشترك الأطراف في أرضية واحدة، أي في الحمق،.. قد يختلفون بعدها أو يقتربون.. ذلك أن المجتمع بأطيافه المختلفة لم يتخلص بعد من أسفاره التي تثقل كاهله و لم يجد لها متحفا.
ففي حدود ما أتيح لشمال إفريقيا من فضاءات "روحية" و فتوحات ز منية عبر تاريخه، يمكن وصفنا بالمجتمع المتدين بالجوهر. أو المجتمع سليم الفطرة كما شاع في أدبيات المد الإسلامي الأخير.

ألاحظ مآلا بائسا في مجال الإنتاج الفكري جعل المحللين غير المسلمين – و هم معذورون في ذلك – يصدرون لنا تنظيرهم للوضع السياسي بما فيه التركيز أساسا على البنية الدينية الإسلامية أو العربية أو المغاربية التي اقتحمت عليهم اجتماعهم في سراب خطف أبناءهم مرة، و في رعود أفسدت عليهم أمنهم مرة أخرى.
كلمة" وهابية" على سبيل المثال أضحت عندنا منذ عقود في عداد الألفاظ الميتة التي لا تذكر إلا في دروس التاريخ و التي تجاوزها الزمن السياسي بنهضة الأفغاني و إصلاح محمد عبده و الردة بعدها مع حركة البنا و التنظيمات الدولية .
يعاد بعثها مطلع الألفية في حيوية و جدة سياسية بوسائط إعلامية، لنفرك أعيننا عن مفاهيم كانت حقيقة بالمعالجة في أوانها.
أن تجاوزنا السياسي لبناءات اديولوجية يجعلنا نتأخر طويلا في مادة الرصد الفكري . لأننا نتعامل منذ الوطنيات الأولى مع المفاهيم و مع الأفكار و العقائد بتعامل سياسي تقليدي..، ضرب تنظيم بتنظيم و دحر مؤسسة بمؤسسة و هكذا...في حين أن الأشياء تصقل أو تهذب أو تجدد أو تشطب بأدوات من طبيعتها.

نحن اليوم تقتحم علينا بيوتنا. و لم يعد لنا من شيء منا نستأثره لنا. نحن اليوم في مرحلة مزاحمة الآخر على تولي غسيلنا الثقافي .
و في مرحلة كهاته ، شبيهة بحالة أنج سعد هلك سعيد ، أجد من طبيعة الاستنفار العام والفوضوي أن يركض الناس كيفما اتفق.. و لكن أجد من مسؤولية المشتغلين على الفكر أن ينسوا قليلا منمنماتهم الحروفية.. أن لا يركضوا كيفما اتفق. أن يتوقفوا عند الذات بالذات . أن يشيروا بدون تورية إلى مكامن الداء . أن يعلنوا بقوة و بوضوح عن الأخطار الجميلة التي تنعش و تدلل الوطن الكبير على كف عفريت.
قد يخطئهم التحليل و لكن لا يخطئهم التوجه. فالقبلة الصحيحة هي الأمر الحاسم قبل كل شيء. و ليكن بعد ذلك المسير عدوا أو حبوا أو تعثرا أو حتى رقصا.

و للدخول في تشخيص الداء، لست بحاجة إلى سرد المشفعات و الإغراءات الصورية و الوضعية على ضرورة مراجعة أدبياتنا الدفاعية التي شكلتها و طورتها الممارسة التاريخية للمعيش الإسلامي مدا و جزرا مع الشعوب الأخرى. و لكن أشير إلى نقطة.،
أقصى ما تفيد به هذه الأدبيات بعض الإضاءة التاريخية لأحداث و أحاديث الماضي... أما و قد أسسنا عليها الآن ترسانة "دفاعية" جديدة، فذلك هو الخطأ القاصم الذي نكرر به ذاتنا الوسيطة بتوابعها الإرهابية و نحن نحسب أننا نجددها.

لنتأمل الخريطة الحديثة للاتجاهات الكبرى التي صنعت الوعي الديني المسيس لدينا بالجزائر ولا تزال مؤثرة نوعا ما.

أولا: اتجاه اتضح إبان الاستقلال مع تلاميذ المدرسة الباديسية . انخرط في معركة ذات طابع لغوي لم يتخلص منها إلى اليوم. منعت من التفرغ الكلي إلى ترقية المقاصد الأساسية لمدرسته الأولى.
و بهذا تشكل أول ملمح ديني يختصر في تعسف إحدى أكبر و أخطر المدارس الإصلاحية الدينية في التاريخ الوطني إلى مجرد تموقع ثقافي لغوي.. و هذا التعسف إذا لم يكن مقصودا، يبقى على أية حال مريح و مناسب لكل الأطراف بما فيها أصحاب الاتجاه.

ثانيا: اتجاه اتضح هو الآخر مع السنوات الأولى للاستقلال بالجامعة المركزية سرعان ما انفلت عن فكر رائده مالك بن نبي و صدف عن الطريق الشاق، طريق تكييف و تحيين العقل الإسلامي بأدوات الفكر التقدمي الإنساني لمقارعة الفكر التقدمي الإنساني كما هو الحال المتواصل إلى اليوم مع " الفضائيين الجدد". صدف هذا الاتجاه عن الطريق الشاق نوعا ما بالنسبة للمزاج السياسي، إلى طريق الخطاب السياسي السهل، كامتداد مضموني للتنظيم الدولي الاخواني ليتشكل بهذا ثاني ملمح للمخيال الديني بالجزائر: المعارضة التي تشعر بصوت مرتفع اعتمادا على بداهة الانتماء التاريخي و تأمينات الضمير الشعبي.

ثالثا: اتجاه التأصيل السياسي للمعارضة الحضارية الاجتماعية الشاملة . و هو امتداد عملي لمشروع التحيين بالتلفيق الفكري للعقل الإسلامي المصاب برهاب الفكر التقدمي الإنساني.
و مع هذا الاتجاه، فتحت على أشرطة المفوهين و منابر الخطباء و تكايا البله المسرورين محاكم الإدانة و التجريم و التشويه لجميع الأدباء و المفكرين و الزعماء شهداء الكفاح الشاق و المرير من أجل تحرير المواطن العربي المسلم. و طال التجريم و التشويه القرون الأولى أيضا، و لم يسلم سوى الواقفون عند الرسوم من غير المجتهدين. أما علماء و فلاسفة الإنسانية من الغربيين، فأدباؤهم و مستشرقيهم و مفكريهم ليسوا جميعا سوى "صنيعة" حكماء صهيون.
و بهذا الاتجاه تشكل الملمح الثالث للمخيال الديني ..، الانفصالية الثقافية الاجتماعية و الإرهاب الأدبي.

رابعا و أخيرا، التيار العام و الراسخ بمنطقة المغرب العربي ، تيار الفكر الصوفي الطرقي. و هو متمكن بقوة بالمنطقة منذ شطحات أبي حامد الغزالي و الردة الحضارية الرهيبة التي أعقبته.
فكر أعتبره ضميرا خلفيا مشتركا لجميع الاتجاهات سالفة الذكر مهما بدا ظاهريا في اختلاف معها. بل أجده أبوها و ممولها العقائدي الأول تأسيسا على النقطتين التاليتين تمثيلا لا حصرا:
- الغيبية السلبية.. و هي الاتجاه غير الواضح الذي يسخر من الأسباب الموضوعية للأحداث و التغيرات الاجتماعية.. نجدها مثلا عند أعمق العقول تأثيرا في الاتجاهات السابقة المذكورة، سيد قطب، في أهم نظرية له تتعلق بتشكيل الجماعة فالمجتمع المسلم..و التي أفضت إلى بروز تيارات الهجرة و التكفير في كل مكان.
- العصبية الطائفية كامتداد طبيعي لفكرة الخاصة و العامة الصوفية، الصفوة و الدهماء البرجوازية، شعب الله المختار الإسرائيلية، و جامعها التصنيف الدوغمائي العنصري الخطير.، مسلمون و كفار.
و لذكر الشيء لدى مثله، يحضرني الكتاب الجميل لحجة الإسلام أبا حامد الغزالي: (" إلجام " العوام عن الخوض في علم الكلام )... لاحظ اشتراك المواطنين البسطاء مع الحيوانات في مسالة الإلجام.. و الباقي بدون تعليق.

جهاز الحكم المتعاقب في أنظمته تعامل مع سائر هذه الاتجاهات تعاملا سياسيا.،
- همش الاتجاه الأول لحاجته إلى الإدارة.
- خنق الاتجاه الثاني اعتبارا بتجربة المشرق.
- فتح الطريق واسعا أمام الاتجاه الثالث لضرب اليسار النافذ بالمؤسسات " كهدف متداول بالصحافة آنذاك".، و لكن المتأمل في المرحلة و سياقاتها لا يجد مبررا لذلك حيث أن الأمر قضي على مستوى الأجهزة و تمت تصفية النفوذ اليساري بمرونة فائقة. و لا يمكن أيضا أن يحتاج الأمر إلى تعبئة ثقافية إذا علمنا بأن اليسار لم يشتغل كثيرا على حقول الثقافة و لم تفلح محاولاته بالسمعي البصري و المسرح أو بالحملات التطوعية الطلابية أو حتى بالمطبوعات في القلب المعرفي المنشود لديه لأسباب تشرد بنا عن الموضوع.
برأيي أن ضرب اليسار بشكل عام كان هدفا..و لكن الهدف الرئيسي من فتح كل المنافذ أمام الاتجاه الأصولي الثالث إلى درجة تمكينه من العمل السياسي فيما بعد كان ضرب الوعي المدني الاحتجاجي المؤسساتي التقدمي الناشئ بقوة خصوصا مع أبناء الشهداء بالشلف و العاصمة و مناطق القبائل.

كان من نتائج الإجراء الأخير؛ تحطيم الانجازات ، تهميش الكفاءات، تمييع الثقافة، الحقد على الإدارة، تسويد أجهزة الأمن، تشويه التاريخ، اتهام كل الماضي..الردة المدنية الرهيبة.. و الانطلاق من نقطة الصفر.

هي نقطة بدأت على كل حال مما إذا كانت ذبابة سقطت في الكأس تغمس أم لا، و انتهت إلى ما إذا كانت المواطنات المسبيات في حكم الإماء .

حسب المؤشرات، نحن الآن على خطوات أولى في فهم أخطاءنا. و لسنا بعيدين عنها كثيرا كما يعتقد البعض. ذلك أن الاتجاه الرابع المذكور، الممون العقائدي الرئيسي للاتجاهات الأخرى، هذا الفكر التقديسي، العمل على الإيهام، الانجذاب نحو الغموض...
يخيفني جدا أن نأتي على عودة، و لكن قوية و مصممة هذه المرة، إلى تشجيع الزوايا و بعث التراث الصوفي عن حسن نية، اعتقادا منا بأنه الفكر المنسجم مع تربتنا. فالدوغمائية الإرهابية تتغذى من العنصرين سالفي الذكر:
- الغيبية السلبية التي تصير قهرا إلى الاصطدام بالواقع و بالحقائق الموضوعية فتنتج انفلات القيادة الواعية و تعزيز هذا الفراغ بنوع من التهييج العاطفي في تسيير الحركة و الأزمة.
- الانفصالية الطائفية التي نعرف جميعا أوارها.
إن كلا العنصرين يحتلان الصدارة في الفكر الطرقي الصوفي. بل هو المصدر والخزان الرئيس لهما.
فأي مشروع لمجتمع مدني نريد؟
بدافع سياسي مختل الرؤية، شجعنا غيبية القميص.، فأسلمت إلى وبال لم تضمد جراحه إلى اليوم.
وشبيها بنفس الدافع نشجع الآن غيبية العباءة.
المغامرة هذه المرة صعبة.. حيث مع الأولى وظفنا نسخة الطبق.، و الآن عمدنا إلى النسخة الأصلية.
صحيح هذا الفكر نابع و متأصل في تربتنا.، غير أنني أحسب بأن الجزائر على غرار الإنسانية – أو هكذا أخال – تنتقل هي أيضا عبر الأطوار المداركية و تتدرج مع كل قطيعة معرفية إلى الحقبة التي تليها. و إلا فان نفس الشروط تنتج نفس الصروف. فلقد أنتجت قديما قابلية للاستعمار، و لو لم ينكرها جيل الخمسينيات معرفيا ( أو عقديا بالمصطلح الديني) أي على مستوى التركيبتين؛ العقلية و النفسية و ما نتج من تهيؤ للسلوك مختلفا ، لما انتقل جيل الخمسينيات؛ الجيل المتكون تكوينا حداثيا مدنيا علمانيا إلى ضرب آخر من التعامل مع أزمته آنذاك..و لما حدثت ثورة، و لما كان استقلال.

برأيي و أرجو أن أكون مخطئا، إن الإرهاب الأدبي باق مع ما يتبعه من عنف متولد حسب السياقات علي درجات متصاعدة..؛
- ما بقي على مستوى الأجهزة السياسية اعتقاد الحلول السياسية المؤقتة و الأمنية للمشاكل الثقافية.
- و ما بقي المصدر الرئيس للتيارات الأصولية ، الثقافة الشعبية الصوفية، تحضي بالتبجيل و التشجيع.

يا سادتنا.؛ علينا التمييز بين استراتيجيات تجسيد السياسات التنموية العهدوية أو خطط ضرب التنظيمات و الكتل المناوئة ، أو أدنى من ذلك، الحملة الانتخابية البسيطة التي لا تتطلب في ربوعنا سوى مغازلة اكبر عدد ممكن من الشرائح.، و بين العملية الجراحية التي صادف أن اضطر إليها المجتمع في عهداتنا..
السيناريوهات الأولى لا تخرج عن إطار اللعبة السياسية.. أما الأمر الأخير فلعب بالنار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة