الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذئاب اقتصاد السوق يهاجمون الحقوق العمالية

بدر الدين شنن

2008 / 9 / 5
الحركة العمالية والنقابية


بداية ، لابد فيما يتعلق بالتحولات التي سميت بالليبرالية الاقتصادية ، من أن تسمى الأمور بأسمائها ، لاسيما أن كلمة " ليبرالية " التي تعني الحرية تعطي مفهوم الاقتصاد المتوحش المقترن بها بريقاً مخادعاً ، يعزز الأمل لدى الذين كابدوا من الاقتصاد الموجه ، الذي أخرج ، نهباً وتآمراً وعمداً ، عن دوره الإيجابي ، ومن القمع ، أن تجلب معها الحرية السياسية والخلاص الأبدي من الاستبداد .

بيد أن الليبرالية الاقتصادية التي تعني الاقتصاد الحر " غابة الأقوياء " لاتسير وفقاً للأمنيات النظرية . وإنما وفقاً لقوانينها وآلياتها . وأولى تلك القوانين هي ، تملك رجال الأعمال كامل الحرية في تفاعلهم مع الاقتصاد في كل حقوله . حيث تصبح " الليبرالية الاقتصادية " هي حرية الفاعلين في الشأن الاقتصادي ، مما يستدعي إخضاع كل الحريات لمصالحهم ولسطوتهم في اقتصاد السوق . وبذا فإن الحرية السياسية بمعناها المطلق ليست واردة آلياً مع الحرية الاقتصادية ، وإن تحقق بعض منها فهو مشروط بألاّ تتعارض مع بنية الاقتصاد الحر . ولذا ، ليس من الحكمة التناسي ، أن الشعوب الأوربية والمتطورة الأخرى ، قد كابدت الكثير من شريعة غاب الحرية الاقتصادية ، حتى تمكنت بنضالات وتضحيات لاتحصى من انتزاع بعضاً من الحرية ، أي تقاسم الحرية مع سادة اقتصاد السوق ، الذي تجسد في العقد الاجتماعي ، والذي احتفظ لسادة اقتصاد السوق وأسلوب إنتاجهم بالهيمنة على الدولة والمجتمع .

وإذا كان ليس بالضرورة أن تسلك الليبرالية الاقتصادية في بلادنا نفس المسارات في بلدان أخرى وصولاً للحرية السياسية ، فإنه يجب الاّ يغيب عن البال ، أن البرجوازية الغربية قد قاتلت الدولة الاقطاعية لانتزاع حريتها ، ما فتح المجال ، بعد صراعات مديدة ، لنشر بعضاً من هذه الحرية في المجتمع ، فإن البرجوازية السورية السيدة الراهنة قد جاء بها الاستبداد على أنقاض البرجوازية القديمة ، وعلى أنقاض القطاع العام ، وهي تطرح الاقتصاد الحر واقتصاد السوق لتعزيز حريتها في السياسة .. في الحكم .. وليس الحرية السياسية لخصومها في المعارضة ، أو خصوماها في الحقل الاجتماعي الطبقي .

النظام السوري يطرح أنموذجه الليبرالي الاقتصادي من فوق .. و" معاركه " .. من أجل اقتصادالسوق تتمحور حول إعادة قولبة المفاهيم والقوانين والقيم والولاءات . من هنا يمكن أن تفهم أبعاد إعادة النظر في بنية التشريعات والقوانين ، ذات الصلة بالاقتصاد الموجه ، وتفهم التشريعات الجديدة التي تشكل البنية التحتية التشريعية لاقتصاد السوق ، ومن ضمنها التشريعات العمالية ، التي يبدو أن نقل مشروع تعديلها ، من على نار هادئة لاعتبارات دقيقة ، إلى نار عالية لاعتبارات أدق ، بات ضرورياً . فالمساس بالمصالح والتشريعات العمالية لحساب اقتصاد السوق يتطلب حسابات خاصة ، فهنا يكمن الصاعق الذي ينسف كل النفاق الأيديولوجي والتقدمي للبعث الحاكم ولحلفائه الاشتراكيين جداً والتقدميين جداً .

والنار العالية أخذت شكل تشكيل لجنة حكومية - حزبية - " عمالية " لحسم المسائل المثير للجدل في القانون 91 /1959 والمرسوم 49 / 1962 ، التي تناولها السجال الذي ’سمح به بين الأطراف المعنية ، والمكثفة ب " عقد العمل ، والتسريح من العمل ، وآليات الدفاع عن الحقوق العمالية التي تستبطن حق الإضراب ، والتي بشكلها القانوني النافذ ، تعتبر من وجهة نظر الحكومة ومهند سي الاقتصاد الحر ، من معوقات الحرية الاقتصادية وبناء اقتصاد السوق . إذ أن عقد العمل " الفردي " حسب القانون 91 ، المعمول به يتحول بعد عقد الاختبار المحدد سقفه بثلاثة أشهر ، إذا ’جدد أو ’مدد ، يتحول إلى عقد دائم ، وهو مشروط بأحكام القانون 91 الذي توسع بالمرسوم 49 ، الذي يقضي بمنع التسريح التعسفي . أما العقد الذي تطرحه الحكومة " والحكومة لاتنطق عن الهوى " فهو يقوم على أن " العقد شريعة المتعاقدين " أي يمكن أن يبقى العقد محدد المدة ولو ’مدد أو تكرر مرات عدة ، فضلاً عن الشروط الأخرى التي قد يتضمنها العقد دون أي إلتزام قانوني . وهذا مايهدد العامل بالبطالة مع انتهاء المدة التي ينتهي بها العقد .

مع هكذا علاقات عمل ، صار من المطلوب حكماً إلغاء المرسوم 49 القاضي بمنع التسريح التعسفي . أي أن العامل أضحى مهدداً بكل الأحوال بالبطالة . لأن " عقد شريعة المتعاقدين " لايمكن أن تكون فيه العلاقة ندية بين رب العمل المالك للرأسمال ووسائل العمل وبين العامل الذي لايملك غير قوة عمله ، خاصة في ظروف البطالة المتزايدة باستمرار ، وفي ظروف الاندماج الحكومي الاقتصادي القمعي .

ويبدو من خلال بعض الطروحات النقابية الرسمية ، أن الأمور تسير نحو إقرار " العقد شريعة المتعاقدين " وكذلك إلغاء المرسوم 49 ، وتجاوز الاضراب كآلية مشروعة للدفاع عن الحقوق العمالية ، ما يعني أن هناك تصميماً سلطوياً على انتهاك سافر للحقوق العمالية في أكثر علاقات العمل أهمية . فمبدأ " العقد شريعة المتعاقدين " المنصوص عنه في القانون المدني مرتبط بنص آخر في القانون المذكور ، يعتبر أن العقد المخالف للقانون أو القائم على الإذعان باطل حكماً . بمعنى إن عقد العمل ينبغي أن يرتبط بمنظومة التشريعات العمالية ، المتعلقة بساعات ومكان العمل وطبيعة المهنة والأمن الصناعي وتكافؤ الأجر مع العمل وبالتأمينات الاجتماعية ، التي تعوض عن الإصابة عن العمل وما ينتج عنها من عجز جزئي أوكلي وتكفل الشيخوخة " التقاعد " بعد بلوغ السن القانونية . وفي حال كان العمل دائماً وثابتاً ، يتحول العقد ما بعد عقد الاختبار ومن ثم المحدد المدة المكرر أكثر من مرة أو ’مدد ، يتحول عقد دائم ، أو كما يقال في البلدان التي تحترم إلتزاماتها باتفاقيات العمل الدولية ، يتحول إلى عقد ثابت . أما عقود العمل في الأعمال المحددة بطبيعتها ، مثل البناء وشق الطرق والأقنية وبناء السدود والسكك الحديدية والأعمال الموسمية ، فهي محددة بمدة إنجاز العمل بطبيعتها وبمدى إلتزام العامل الجوهري بأدائه أثناء العمل .

أما فيما يتعلق بإلغاء المرسوم 49 ، فإنه يكفي المرء العودة إلى نص هذا المرسوم . فهو لايمنع التسريح بالمطلق وإنما يمنع التسريح التعسفي أي بدون مبرر والظالم للعامل . فهو يستدرك المنقوص في العدالة في نصوص القانون 91 الذي سمح بعشرة أ سباب مبررة لتسريح العامل من العمل . منها إذا أخل العامل بشروط العمل أو أفشى أسرار المهنة أو اعتدى على صاحب العمل أو وجد أثناء العمل بحالة سكر بين بمعنى عدم قيامه بإداء عمله كما يجب .. ألخ .. والسؤال هنا ، لماذا إذن هذا الإصرار على تكريس " العقد شريعة المتعاقدين ، المتعارض مع العدالة والقانون ، ولماذا هذا الإصرار على منح أصحاب العمل والأجانب منهم خاصة ، حق طرد العمال من العمل بشكل تعسفي ؟ إن هذا الإصرار لايتعارض مع أبسط مباديء الحرية والعدالة الإنسانية وحسب ، وإنما يكشف أن الحرية الاقتصادية .. تعني فقط .. هي فقط .. لسادة اقتصاد السوق . أما العمال فعليهم الخضوع لعبودية قوانين " الليبرالية الاقتصادية " ، وإنه يلبي بوضوح حاجة اقتصاد السوق إلى عمالة مجردة من الحقوق مضطرة للخضوع لشروط اصحاب العمل التعسفية المطلقة ، للتحكم بسوق العمل حسب مصالح وشروط اقتصاد السوق .

وإذا ما أخذ الأمر بهذا المعنى ، يصبح ليس من الغريب المجحف ، أن يتواتر إصدار التشريعات التي تسهل حرية التملك والاستثمار والعمل والاتجار والإعفاءات الضريبية لأصحاب العمل السوريين والأجانب ، وتتواتر بالمقابل الجهود لاستلاب الطبقة العاملة حقوقها التشريعية المكتسبة ، التي حصلت عليها في عهود ما قبل 8 آذار1963 . وللعلم ، أن قانون العمل 91 المرشح للإخصاء وقانون التأمينات الاجتماعية 92 /1959 ، أصدرهما جمال عبد الناصر قبل عهد التأميم ، وأن المرسوم 49 /1962 المرشح للإلغاء قد أصدره " خالد بك العظم " في عهد " الانفصال المشؤوم " .

وعلى ضوء ذلك ، يمكن القول أن ما يجري وسوف يجري من إعادة نظر في قوانين معمول بها سابقاً ، أو إصدارات تشريعية جديدة ، لتعديل المنظومة القانونية ، بما ينسجم مع ويحقق متطلبات بناء وأهداف اقتصاد السوق والاقتصاد الحر ، هو إنقلاب في العقد الاجتماعي ، الذي زعم النظام ، منذ انقلاب 8 آذار 1963 أنه سيحكم بموجبه .. من فوق .. بقوة الانقلاب لتحقيق " الوحدةوالحرية والاشتراكية " والذي كانت تجلياته الأساسية ، اعتماد الاقتصاد الموجه " النسبي " وبناء القطاع العام والاصلاح الزراعي ، وهو فرض عقد اجتماعي مغاير للعقد الاجتماعي السابق بقوة الاستبداد من فوق أيضاً ، الذي سيتجلى باعتماد الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق مع كافة ما يتطلبه ذلك داخلياً وخارجياً .. رغم قوة المثال المصري الصارخ الأبرز في تطبيق هكذا اقتصاد .. وغيره من البلدان الأخرى .

والسؤال الذي يستفز العقل ويحز بالقلب .. هل ستسمح الطبقة العاملة بإخضاعها للمزيد من العبودية .. ؟ .. وإلى متى يخضع الشعب لعقود اجتماعية إذعانية تفرض عليه بقوة الانقلاب والاستبداد .. ومتى وكيف سيتمكن من بناء عقد اجتماعي يصوغه بحريته .. ويقرره ويتعاطى معه بإرادته .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ( حدود التعامل بين المخطوبي


.. فيديو لطفل مكبل ويعامل بشكل عنيف يثير غضبا بالكويت




.. رئيس الاتحاد العمّالي العام لـ-الحرّة-: الإجتماع مع رئيس الح


.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ( التعامل بين الأولاد ووالد




.. الطريقة المثالية للتعامل مع الموظفين المتأخرين