الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفيك الخصم والحكم

شبلي شمايل

2008 / 9 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في مقالاته الأخيرة عن وضع النخبة والصراعات الثقافية السياسية في سورية، يكشف ياسين الحاج صالح أخيرا عن هويته الجديدة التي حاول طمسها منذ ولادة إعلان دمشق. فقد خاض ياسين الحاج صالح عدة معارك مشرفة في وجه الظلامية الدينية، كذلك دافع بحزم عن قيم تقدمية أساسية مثل ضرورة الخروج من العقل الشمولي علمانيا كان أو إسلاميا. وكان له معارك مشهودة مع الإسلام السياسي الذي حاول توظيف فكرة الجبهة الواسعة للتغيير لمنع أي نقد أو تشريح لممارساته وكتاباته وعقليته الرجعية التي بدأت بإبعاد المتنورين وسيطرة المتطرفين (حتى لا نقول المسعورين) الذين اتبعوا سياسة تقوم على تغطية عيوب التحالفات بالتشنج والتصلب الإيديولوجي.
إلا أنه في أطروحاته ورغم أنه يقول "لقد كنت في الواقع الشاهد الغافل وليس المشارك الفاعل"، فهو كذلك بالمعنى التنظيمي وقد بقي مثقفا مستقلا بهذا المعنى إلا أنه لم يكن كذلك بالمعنى الثقافي. وهذا حقه الكامل ولكن وجب عليه أن يقول بأنني فكريا وإيديولوجيا طرف ولست بحكم.
ولتأكيد ما أقوله أدرج مقطعا من مقالة ي ح ص -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير حيث يقول:
"بالمقابل ينزع حائزون على قدرات أكثر تنوعا ومرونة إلى إضفاء قيمة إيجابية على التغيير، تغيير الأفكار والعادات والأنظمة..، ويطورون إيديولوجيات تقدمية، تنحاز مبدئيا للتغيير والتحول، وتقلل من شأن الثبات على المعتاد وتصمه بالجمود والمحافظة. وقد يمكن تمثيل الاستقطابات الإيديولوجية والسياسية في سورية في العامين الأخيرين بترسيمة تقدميين/ محافظين، مع التنبه إلى أن أكثر محافظي اليوم هم من تقدميي الأمس، وأن تقدميي اليوم هم من يوصفون في الغالب بأنهم "ليبراليون" أو ما شابه. وتتيح لنا هذه المقاربة فهم ذلك النضال المستعر ضد الليبرالية و"الليبرالية الجديدة" في أوساط قد تسمى "الكتلة التاريخية" لعقد السبعينات، وهي حشد مختلط من حزبيين، بعثيين وشيوعيين وناصريين، ومن عسكريين وموظفين وإيديولوجيين ينحدرون عموما من ملاك ريفيين صغار أو من فقراء المدن، وكانوا يشعرون أنهم في خير العوالم في عهد الرئيس حافظ الأسد، ولم يتح إلا لقلة ضئيلة منهم مشاركة "البرجوازية الجديدة" صعودها ونفوذها. قد يبدو النضال هذا للوهلة الأولى تهويلا من قبل تقدميي الأمس هؤلاء، الغرض منه إقناع الذات بأنها تواجه "العدو الطبقي" (أو الإيديولوجي أو الوطني) القديم نفسه. لكن في واقع الأمر يعكس التنديد المثابر واللافت في حدته بالليبرالية خشية مبررة من أن المتاح الفكري والسياسي والمهني المألوف غير ملائم في مجتمع متغير، أكثر تعقيدا وتنوعا و..ليبرالية. وهو ما يحمل تهديدا جديا بتدهور أمنهم الاجتماعي".
بوصفي اعتبر نفسي من هذا الحشد المستعر، ولا أخجل من تسمية نفسي بالشيوعي، بل أعتز بذلك، وأعتبر مسيرتي كشيوعي سيرورة في صلب التقدم، لأنها قامت على حرص على تطوير المفاهيم وتجديدها ولكن في نفس الإتجاه، أي الاتجاه الذي يجمع بين العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية وقيم الحداثة وخير ما أنجب الفكر الاشتراكي منذ 200 عام. أجد في أقوال ي ح ص مجرد مادة استهلاكية لصحافة موالية للسعودية وهي للأسف ليست بالجدية التي عودنا عليها.
ما يضحك في تصانيف الليبرالييين والليبراليين الجدد أنهم يتحدثون عن أنفسهم بوصفهم المدرسة الأحدث في التاريخ البشري المعاصر ويستندون على ذلك على موضوعة تافهة اسمها نهاية التاريخ. أليس من المدرسية الابتدائية أن نذكرهم بأن المدارس الفكرية الكبيرة كانت خارج نطاق الليبرالية، وأن الليبرالية قد أعطت طبقة المثقفين حق الوجود بقدر ما انسجمت أطروحاتهم مع الفكر الليبرالي، وفي زمن الأزمات، كما حدث في ظل المكارثية والبوشية تراجع هذا الحق.
نحن كماركسيين استوعبنا الهزيمة التاريخية لأدلجة الماركسية بل صيرورتها عند البعض دينا جديدا، أما الليبراليين فلم يدركوا بعد أن هذه الهزيمة ليست بسبب تفوقهم وإنما الخلل الوظيفي والهيكلي لما سمي بالدولة الاشتراكية. من هنا هيمنة خطاب تفوق وعنجهية يذكر المسنين بأيام ستالين الأب الجامع للشعوب والأمم. (صلف الحكومة الجيورجية اليوم يجعلنا نفهم أكثر مشكلة هذا الدكتاتور الذي أمضى بعض الليبراليين الحاليين عشرين عاما من عمرهم وهم يصورونه بوصفه صاحب الحل السحري للمسألة القومية وهو الشوفيني الذي حرم الشعب الأبخازي من جمهوريته المستقلة التي ناضل لينين من أجل إعلانها، ولم استغرب بيان إعلان دمشق حول أزمة القوقاز بل أراهن على أن كاتبه مسودته ستاليني سابق).
لكي نكون منصفين، هناك من بقي ستالينيا في نمط تفكيره (كالحزب الشيوعي السوري) وهناك من صار إسلاميا (نمط منير شفيق وعادل عبد المهدي) وهناك من صار ليبراليا (مثل رفيقنا السابق أصلان عبد الكريم ورياض الترك)، ولكنني شخصيا كنت أصنف ياسين الحاج صالح في جوقة الباحثين عن الذات في عالم مضطرب. ويبدو أنه عثر على نفسه أخيرا.
أود أن أقول للرفيق ي ح ص أن الممثل الحقيقي لليبرالية الجديدة اليوم ليس رياض الترك أو رياض سيف، الممثل الحقيقي هو نائب رئيس مجلس الوزراء الدردري الذي يبدي العديد من الاقتصاديين الليبراليين اعتزازهم بهم بل ولا يتورع هو نفسه عن القول في مجالسه بضرورة بيع قطاع الدولة بالخردة لأنه يعيق تحرر الاقتصاد السوري. أما على صعيد الليبرالية الجميلة، فجلسيكم جعجع والجميل والحريري بارك الله لكم بهم، أما جليسنا وحليفنا، فالفئات المحرومة والضحايا والطبقات الشعبية نحرص على أن لا تتحول إلى مجرد كائنات على قيد الحياة.
أيضا أن أقول له: نحن كشيوعيين نحترم اختياره الليبرالي الجديد، ولكن أن يعتبر كل قومي وشيوعي لم يسر على نفس الهدى متكلس عديم النقد عديم المراجعة، فهذه أخلاق غير ديمقراطية.
نحن تقدمنا ونتقدم، لذا نفهم أنفسنا ونفهم مجتمعاتنا، أما الليبراليون الجدد فانقلبوا على أنفسهم وتاريخهم، فصاروا كمن أضاع مشيته وبوصلته، وهاهم مع آخر أيام بوش-شيني كأيتام الاتحاد السوفييتي عشية سقوطه، لا كعبة لهم ولا رؤى عندهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة