الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصداف ولآلئ – 1 -

عبدو أبو يامن

2008 / 9 / 7
الادب والفن



ذات صباح إنحدرت إلى ساحل الحياة.. أحمل على كتفي صنارتي وفي جعبتي قليلا من الطعم والأماني.. لا أملك غيرها سوى الأحلام ورجاء الحظ السعيد..
انحدرت إلى ساحل الحياة هربا من كوخي المنفرد الوحيد.. سئمت الوحدة والصمت وتبادل الحديث مع نفسي، ملني حتى الملل، ضجر مني الضجر.. الوحدة القاتلة والأماني القصية، وانتظار البعيد، والسفر على جناح الأحلام كانت تلك ما أقتاتها، كان ذلك كل زادي، كل شرابي، بي جوع مجنون بي عطش قاتل، وكانت تلك كل حصتي من حظوظ الحياة وطعامها وشرابها!!
الوحدة تملأ علي المكان، الوحدة تبدو كائنا أسطوريا خرافيا، له ألف يد، وألف قدم، ويجثم في أعلى جسده تسع وتسعون رأسا، كل رأس فيه مائة قرن بدائي همجي وحشي.. إنه يأخذ علي الطريق، ويهدم في وجهي الجسور، ويمنع عني حتى الهواء.. إنه يعاني الوحدة مثلي ويبحث عن رفيق!! ولم يجد إلاي رفيقا، حاولت أفهمه لكنه لم يفهم، حاولت إقناعه لكنه لم يقتنع، حاورته داورته سايسته لكنه لا يستجيب، رجوته أسمعته عذب الكلام وعدته أحلى الوعود لكنه لا يلين، إنه مثلي يشقى ولكن على طريقته، ويألم ولكن على طريقته، ويعاني الوحدة ولكن على طريقته!!
وذات صباح حين أفعم سمعي ضجيج الحياة، وأقلق نومي صخب الكائنات والأشياء، وهزتني لواعج الأشواق، وداعبت مخيلتي أحلام اللقاء.. خرجت متسللا مترفقا متلصصا كطيف، انسللت بعدما خادعت حارسي الأسطوري الجبار، إنسللت وأنا أقول في نفسي: لا تخف لنا موعد قريب، يا رب الأفكار العظيمة، ويا خالق المعاني الخالدة، ويا موحي الفنون والآداب، أنت يا ( أبوللو ) يا أجمل الآلهة، يا رب الشمس والغناء والموسيقى، يا رفيق الشعراء والفلاسفة، يا صديق الأنبياء والمتصوفة..
معذرة فبي جوع إلى الحياة، معذرة فإغوائها فظيع، وفتنتها مسكرة، وأنا أهرول لاهثا كالمجنون، لا يردعني شيء ولا يصدني شيء، لا الحجارة والأشواك، ولا المنخفضات ولا المرتفعات، إنه نداء الحياة يا رفيقي، إنه إغواء الحياة يا صديقي!!
أغوت حتى العابد والزاهد، وهام في حبها حتى الفقير والجائع، ولم يملها حتى المريض والعاجز، أنا فتي القلب مشبوب المشاعر، أنا ملتهب الأشواق محترق الجوانح، أنا السابح في الخيالات والسارح في السموات!!
تؤلمنا الحياة ولكن لا نغضب عليها، وتبكينا ولكن نغفر لها، وتجيعنا وتعطشنا، وتفجعنا وتلوعنا وتخفضنا بل وتدوس على رقابنا وتصفعنا وتبصق في وجوهنا ولكن نسامح، مجبورون أن نسامح؛ إنها كل ما نملك، إنها الداء والدواء، الجنة والنار، الظل والشمس، الحر والقر.. إذن.. فلنسامحها أو فلنفارق!!
إنها منحة على أي صفة كانت، وأي شكل تشكلت، إنها الدليل على أننا أحياء موجودون، لا أموات معدومون، إنها نقيض العدم، إنها النور الذي يصارع ظلام العدم!!
سل الشيخ الكبير الفاني المتهدم الذي لم يبق له من أعضائه جزء صحيح، عشيت العين، ووقر السمع، وقصر الخطو، ووهنت اليدان، سله هل يبتغي بالحياة بدلا، هل يبيع حاضرا بغائب، هل يغامر ويشري مجهولا بمعلوم سله؛ فعنده الخبر اليقين!!
انحدرت والشوق يدفع في أشرعتي، والأماني والأحلام تطير بي، قطعت الطريق وثبا، إلى حيث الضجيج والعجيج، إلى حيث الصخب والضوضاء، إلى المعترك الخالد، إلى الميدان القديم، ميدان الحياة، إلى ساحل الحياة، إلى بحر الحياة، لا أملك إلا صنارتي وفي جعبتي قليلا من الطعم والأماني..
انحدرت وفي عزمي أن أصافح الوجوه، وأقرأ الأشياء، وأتفحص الغادين والرائحين، من الحاضرين والغابرين..
وفي عزمي أن أرقب تيار الحياة وهو يمور ويصخب، وهو يسجو ويهدأ، وهو يرق ويعنف، بناسه وأجناسه، بكائناته وحيواناته، بأرضه وسمائه، بجماله وقبحه، بهداه وضلاله، بتقواه وفجوره، بفضائله ورذائله؛ فهذه هي الحياة وهذا هو تاريخها مذ كانت على الأرض حياة!! ( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07