الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث مداخل لبناء الطبقة الوسطى

أحمد الخمسي

2008 / 9 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يوم الخميس، 2008/9/4، تداول مجلس الحكومة المغربي في سياسة تفعيل توجه الدولة نحو توسيع الطبقة المتوسطة في النسيج الاجتماعي بالمغرب. وقد ورد متزامنا مع كتابة الجزء السابق والحالي من هذا المقال. كما أجرى الصحفي الصافي الناصري حوارا بالإذاعة المغربية المركزية بالرباط، حول نفس القضية، بحضور كاتب المقال، وعبد العزيز الرباح عضو قيادي في العدالة والتنمية المغربي ومحمد تملدو عضو المكتب السياسي للاتحاد الدستوري والأكاديمي فؤاد عمور.
في المقال السابق، أشرنا إلى الفئات المهنية الاجتماعية المعتبرة شرائح للطبقة الوسطى.. وفي هذا المقال نتقدم بالتصور المستقبلي لبناء الطبقة الوسطى. هذا التصور مبني على شعار سبق أن رفعته حكومة عبد الرحمن اليوسفي في تصريحها الأول، سنة 1998، الداعي إلى بناء اقتصاد منتج وموسع، على أنقاض اقتصاد الريع المغلق. لكن بقي معلقا في الهواء. قوام هذا التصور ثلاث ركائز:
1- تغيير السياسة الاقتصادية بناء على خارطة طريق بمثابة تصور استراتيجي يضمن توسع الاقتصاد وانتاجيته
2- اعتماد الجهوية ضمن تصور سياسي يبني سيادة الشعب قاعدة متينة لسيادة الوطن أو سيادة الأمة
3- اعتماد الكفاءة مصفاة لكل استحقاق ضمن قنوات الأجهزة الاقتصادية والإدارية بدل ميكانزم الريع والزبونية
أما الحصيلة السياسية فهي ضمان مشاركة سياسية موسعة، مرآة للاستفادة الاقتصادية الموسعة. لكن لا ضمان لتوفير ميكانزم التوسع في المشاركة الاقتصادية والسياسية دون اختيارات ملائمة نعم، إنما واضحة أيضا. وهو ضمن فن الممكن، بناء على تجارب الشعوب.
I
الحاجة ماسة إلى خارطة طريق في السياسة الاقتصادية. الهدف منها تجاوز أشكال ومستويات سوء الفهم بين الطبقات، فقد ورثنا عن الحرب الباردة تصورا مغلوطا يطابق بين المصالح الكبرى للبرجوازية العليا وبين مجموع الكيان الاقتصادي. مما أفضى فيما سبق إلى انشطار تناحري في الوعي الاقتصادي بين الطبقة المتنفذة التي تخاف من أي إصلاح اقتصادي. مقابل النقد الموجه للسياسة الاقتصادية المتبعة والتي اعتبرت دائما مطابقة للنفود والهينة التي تحظى بها الطبقة العليا في السلطة وفي الاقتصاد.

أما خارطة الطريق في السياسة الاقتصادية، فتقضي بتصور التمايز والتكامل بين المصالح الكبرى للبرجوازية المتنفذة وبين المصالح العليا للاقتصاد المغربي ككل، بما فيه الاحتياطي الكامن في الجهات، والذي يدفعه النظام البنكي مجرد احتياط مالي للادخار المحلي، مقابل ميكانزم مركزي لامتصاصه في الاستثمار الممركز بما يفيد المصالح الكبرى للطبقة المتنفدة.

والنموذج الماليزي الذي دفع ماليزيا نحو الفئة الجديدة من سلسلة النمور الأسيوية، يبين أن مسلسل التنمية الاقتصادية، انبنى على إنتاجية الاقتصاد وعلى توسع نسيجه، دون المساس بالمصالح الكبرى للاثنية الصينية باعتبارها الفئة المستثمرة الأولى في الاقتصاد الماليزي. فمحتوى توسع الاقتصاد الماليزي وانتاجيته انبنت على تغيير الميكانزمات البنكية والجبائية والاستثمارية، بما يفتح الأبواب أمام المالاويين والهنود و"العرب" من السكان، وبما لا يضر مكاسب الفئة الصينية ذات الأسبقية في الأقدمية الزمنية وفي الخبرة والثروة والمواقع.

وبالتالي، لم تتضرر الفئة الصينية من السياسة التنموية في عهد رئيس الوزراء محمد مهاتير. بل انضم المالويون والهنود وغيرهم من الاثنيات إلى قائمة المستفيدين من النشاط الاقتصادي في البلاد.

فمن باب الوضوح الذي ستلح عليه خارطة الطريق، هو الكشف عن مناطق ومجالات التنشيط الاقتصادي، خارج مجالات المصالح المتوفرة حاليا. فإذا كانت البرجوازية الفاسية قد تمكنت من الاستفادة منذ انطلاقة الاستقلال، وبعدها خطت البرجوازية السوسية خطوات مكنتها من تبوء الصدارة في مدينة الدار البيضاء (العمدة ساجد)، فمن المفروض أن تتم الاستفادة من خبرة هاتين الفئتين لتوسيع النسيج الاقتصادي نحو مناطق أشعلت سياسة المصالحة تجاهها الضوء الأخضر لاتباع منطق تعويض الدين التاريخي إن اتسع صدر المغاربة لهذا المصطلح المستورد.
II
هذا التكامل بين المصالح الكبرى للطبقة المهيمنة والمصالح الاقتصادية العليا، يضمن مساحة للمصالح الاقتصادية التي ما زالت مناطقها عذراء، لفائدة الطبقات الوسطى والدنيا. ومن جملة المساحة السياسية الجغرافية للتوسع الاقتصادي دون المساس بذوي المصالح الحالية، أي دون حد للملكية الفردية من حيث المبدأ. فقط المطلوب، نقل اختصاصت أساسية للقرار البنكي والجبائي والاستثماري، من المركز نحو الجهات, مع ربطه بالقرار السياسي المترتب عن الاقتراع العام للرؤساء محليا وجهويا.

فمن الناحية الاقتصادية المحضة، مطلوب نقل اختصاصات تسمح بتحويل الرصيد المالي المحلي والجهوي، من كتلة مالية قابلة للادخار، إلى كتلة مالية تندمح ضمن حركية الاستثمار. كما تصبح الجاذبية الاقتصادية مستندة إلى روح الرأسمالية وهي المغامرة والذهاب إلى حيث المشروع الاقتصادي، بدل الاقتصار على المضاربة من موقع قرار مركزي يسمح بذلك.كما تربح دينامية ذاتية اقتصادية محلية وجهوية، أي داخلية، تسهل عليها ظروف استقبال الاستثمار الخارجي.

وفي المستوى السياسي، ستربح الدولة توسيع دينامية الطبقة العليا محليا، وهي من الناحية الاعتبارية، التي تشكل الطبقة الوسطى. مما يخلق ميكانزما ثابتا للمشاركة السياسية الموسعة. بناء على الحوافز الاقتصادية الموجودة في يد المنتخب الجهوي والمحلي. الكلام هنا ينطبق على النقل الفعلي لاختصاصات بنكية وجبائية في يد المنتخب الجهوي.

وعلى صعيد التوازن بين أجهزة القرار السياسي، تربح الدولة تخفيف الضغط عن المركز كما تصبح النخب الجهوية في غنى عن العلاقة الزبونية للتدرج في مراتب الاستحقاق والتنمية. ما دامت الحوافز الاقتصادية موجودة أمام الفاعل السياسي المحلي والجهوي.

وبالتالي، عند تقويم ورسملة الحصيلة، تجد الدولة نفسها أمام رقم أعمال متعدد المستويات، يسهل عليها تقليص الخسائر وتحفيز ابراز الفوائد ومعدلات الفوائد.

أما الربط المتين بين البنية السياسية في شكلها الحالي، سيادة الأمة؛ وبين شكلها الحاضن لاقتصاد موسع ولمشاركة سياسية مضمونة، فهو اعتبار اختصاصات الجماعات المنتخبة محليا وجهويا تجسيد للسياجة الشعبية. وهو مصطلح له مفعول السحر في رفع معنويات الناخبين عبر تجميعهم في كتلة الشعب. على أن خوف الدولة من سيادة الشعب، مقبول في حدود الجهل بتجارب الشعوب. أما عند الاطلاع على تجارب جمهوريات تحولت بفعل سيادة الشعب إلى تبني الملكية: التجربة الهولندية، التجربة العريقة. وكذا عند تذكر مملكة الكامبودج الحالية، فالشيوعيون أقاموا تحالفا وطنيا مع نوروجوم سيهانوك، دون أن يمسوا عرشه بسوء، على عكس ما فعلت به أمريكا سنة 1970 بواسطة لون نول.

III
فخارطة الطريق تصحح الوعي والنظر إلى الفرص المتنوعة بين مختلف الطبقات والمصالح. ونقل الاختصاصات نحو الجهة تخلق الأرضية الترابية الكافية للاقتصاد الموسع. مما ينتقل بنا نحو حقيقة السوق الداخلي للاقتصاد. لكن الطاقة الدافعة للمساهمة في التنمية، تكون بتوفير مصفاة للاستحقاق. وفي حالة ما إذا بقيت العلاقة الشخصية هي الواصلة بين البرامج الحكومية وبين فرص الاستثمار والعمل، فلن تنفع تلك الاختصاصات المنقولة نحو الجهات قيد أنملة في مسيرة التنمية.

مقابل الريع والزبونية إذن، مطلوب إرساء الكفاءة أداة لولوج مجالات الاستحقاق المهني والاداري. حتى تصبح "المعادلة بين تنمية الخبرات وتوسيع الاختيارات أمام الراغبين في الاندماج في سوق الشغل"، ضمن المعادلة العلمية التي أقرها تقرير التنمية للأمم المتحدة حول المنطقة العربية سنة 2003.


خلاصة القول، في إمكان الدولة توفير أرضية متينة للمشاركة السياسية الموسعة، وذلك عبر الانتقال إلى برنامج تغيير في السياسة الاقتصادية. لا يضر بأحد. بل يوسع الفائدة على مناطق وفئات ما زالت جدارات المركزية في السياسات البنكية والجبائية والاستثمارية تقف دونها, فتضطر إلى إعادة إنتاج منطق الريع والزبونية، بدل توسيع أرضية الاقتصاد وتمتين طاقته الدافعة عبر المفاعل النووي المسمى الكفاءة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل