الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد خراب البصرة

علي محمود خضير

2008 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اجتمع لفيف من فناني وعلماء وأدباء أوربا وتناقشوا وتجادلوا واستفهموا عن الأنساق الاجتماعية والثقافية والسياسية التي قادتهم للدمار الكارثي الذي حل بأوربا جراء الحرب، هذا الدمار الذي خلف ملاييناً من الموتى والمرضى والمعاقين وتحطيم للبنى التحتية والفوقية للقارة العجوز.

هذا اللفيف اعترف بشكل أو بأخر انه كان مسؤولا عن الخراب الذي حل، وليس جنرالات الجيوش ورؤساء الحكومات المتناحرة فقط، مسؤولون بالكلمة، بالفعل، بالصمت أو التأييد للمظاهر السائدة المسيطرة التي قادتهم للاحتراب، وما بيان العالم ( اينشتاين ) بعد الحرب إلا مثال بسيط على ذلك.

والبصرة كانت ولوقت قريب جدا ساحة رحبة ومثالية لقتالات شتى واحترابات متنوعة منذ حرب 1980 والتي أكلت الجسد البصري ولم تبق منه سوى بيض العظام في قفراء الرمال الملتهبة و لثمان سنوات عجاف، مروراً بحرب الخليج فالحرب الأخيرة، قد نقول ان الحروب الغير عادلة التي كانت البصرة ساحة بارة لها جميعا شنت بأوامر الحاكم الدكتاتور ولكنا ننسى إننا كنا وعاءا وأداة تنفيذ، علينا الاعتراف ان النسق العنفي في مجتمعنا لم يأت من فراغ وإننا نحمل جينات عنف داخلية تجعلنا أداة بيد عليا تأمرنا فنتحرك وتنهرنا فنتوقف، دون ان نتأنى لنفكر ونتسائل أو يكون لنا رأي متأمل بما هو مطلوب منا، يجب أن نملك شجاعة الاعتراف بأننا نتحمل جزءا من مسؤولية ما حل في البصرة من خراب على مدار السنوات الماضية ، بطريقة تفكيرنا أو تعبيرنا أو تعاملنا مع السلطات، بشِعرنا وأدبنا، بسكوتنا وصمتنا، وعلينا أن نملك الشجاعة أيضا لنقف نابذين ومحطمين لكل الأسس والقواعد التي آمنا بها وتبنيناها فقادتنا لما نحن عليه، ربما لنضمن عدم تكرر مآسينا مع أجيالنا القادمة.

هذه الفكرة تحتاج الى هدم المسلمات وبناء فكر جديد للتعامل مع القيم الجمالية للحياة القيم، التي تمجد الحياة وتمنح الإنسان قيمته العليا فيها.

لان أي فكر او مشروع يخدم الإنسان ويضعه غاية لا وسيلة سيكون هو الفكر المعوّل عليه في بناء بصرة خضراء جسداً وروحاً بعد ان أنهكتها سنوات الأسى والحروب، ربما على البصري أن يدرك الآن ان تأريخ سيرته وتعامله مع الأحداث المصيرية التي مرت بها المدينة كان سلبياً وهامشياً ورتيباً وانه ورغم مرور خمس سنوات على تغيير 2003 ومنح الحرية (المشروطة) لا زال محافظاً على نفس المبادئ والأسس ومتشبثاً فيها وكأنها كنز ينبغي الاّ يفرط فيه.

الانكي من ذلك من يدعون إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، هذا المسار الذي سيؤدي إلى خلق دكتاتوريات جديدة متفرعة ومتشعبة وبنفس الأساليب السلطوية السابقة، إنساننا بارع في اختراع دكتاتوريته وتكريس عبوديته وفاشل تماما في تشخيص ومواجهة المشاريع التي تريد فرض أنفسها على الساحة من جديد لتمارس أدوارها القديمة بلباس يلائم تغيرات المرحلة.

بناء البصرة يبدأ ببناء إنسان متمرد على ما فات، ثائر عليه، متجاوز له وإلا لن يكون القادم إلا فصلاً مكروراً لما فات.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وقعت جرائم تطهير عرقي في السودان؟ | المسائية


.. اكلات صحية ولذيذة باللحمة مع الشيف عمر ????




.. عواصف وفيضانات في العالم العربي.. ظواهر عرضية؟


.. السنغال: 11 مصابا في حادث خروج طائرة من طراز بوينغ عن المدرج




.. الجامعات الإسبانية تعرب عن استعدادها لتعليق تعاونها مع إسرائ