الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يحدث لو انقطعت الكهرباء؟!

طالب الوحيلي

2008 / 9 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا احد يستطيع إنكار أهمية التطورات التكنولوجية في بناء الحضارة الإنسانية ،وقد تفاخر بعض كتابنا ومؤرخونا كثيرا بمقدمات التطور العلمي التي كانت لمسات علماء المسلمين واضحة عليها ، حتى ان الحديث عن أي ظاهرة علمية او نظرية معقدة يعزون اكتشافها لبعض هؤلاء العلماء ،وفعلا فان محل التفاخر لابد ان ينصب على المساهمة في كل ما ينسجم مع طبيعة التعايش الروحي بين الامم والشعوب المختلفة ،بل ان هذه الإسهامات قد تتلاقح فيما بينها لتنتج انجازات علمية وحياتية لا يمكن لها ان تظل حكرا لفرد او لشعب دون غيره ،ولعل من ابرز منجزات الحضارة الإنسانية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ،هي نعمة الكهرباء ،اذا جاز لنا التعبير ،وهي التي غزت ظلام العصور وبددته دون ان تسخر لإغراض شيطانية ،لكن لينين مؤسس الاتحاد السوفيتي واحد منظري الاشتراكية العلمية ،قد أقحمها في صلب نظريته السياسية في ثلاثينات القرن الماضي حين طرح معادلة مفادها (الاشتراكية العلمية تساوي دكتاتورية البروليتاريا زائدا كهربة البلاد ) ولا ادري هل كانت مزحة ام هي كناية عن ان النظرية السياسية ومناهج الايدولوجيا مهما كانت مثالية وحاملة أدق معان الفضيلة، تبقى بعيدة عن الواقع ما لم تقترن بالمنجزات العلمية والتقنية ،سواء كانت وسائل انتاج او سلع وخدمات تدخل في حياة المرء وتشعره بمتع سخرها الله سبحانه ومهد لها بآياته البينات تاركا لؤلي العلم مطلق سبر أغوارها (يا معشر الجن و الإنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والأرض فنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ).
مفاصل الحياة جميعها اليوم تستقي نسغها من الطاقة الكهربائية ،فهي المحرك الأساس لوسائل الإنتاج والنقل والاتصالات والترف الاجتماعي ،لذا فان جميع الدول تضع في أولويات خططها الإستراتيجية مصادر الطاقة ،ولاسيما الطاقة الكهربائية مما يضطرها ذلك الى البحث عن العديد من الخيارات المتاحة منها او التي تقع في صلب الخيال ،فلجأ الى مساقط المياه ،طبيعية كانت او اصطناعية ،والى الريح والى الطاقة الذرية ،فيما يبقى الوقود التقليدي سيد الموقف في الدول التي تزخر يالبترول وقرائنه .ولنا ان نتصور كيف يشعر المواطن الاوربي او الامريكي لو انقطع التيار الكهربائي في مدينة ما ولو لساعة واحدة ان لم نقل دقائق،لابد ان تقوم الدنيا ولا تقعد ،بل لو حدث ذلك ليلا لانهارت المنظومات الامنية ولاجتاحت تلك المدينة موجات (الحواسم) والسلب والنهب !!
اخطر ظاهرة شاعت في العراق منذ عقود هي العجز الدائم في توفير الطاقة الكهربائية ،سواء كانت كوسيلة قسرية لمعاقبة المواطن من قبل النظام الاستبدادي ،او لتخلف ذلك النظام في توفيرها ،ومع ذلك اعتاد وتواءم هذا المواطن المبتلى مع تلك الظاهرة حيث قننت من خلال القطع المبرمج ،وبرغم ذلك فقد استثمرت تلك (الفترات الكهربائية) في تلبية الحاجات الملحة وتنشيط الانتاج الحرفي الذي ساهم في ادامت الحياة الاجتماعية بعد ان وجد الكثير من ابناء شعبنا ان لا مناص من الركون الى معالجة ظاهرة البطالة الحرمان من فرص العمل في دوائر ومنشآت الدولة التي كانت ملغمة بأجهزة الأمن ومنظمات الحزب الحاكم ،فيما وجد في تلك الفسح شيء يسير مما كان يتاح له من التمتع بمرافق الحياة الأخرى ..
ولعل اول حلم لنا جميعا بعد سقوط النظام البائد هو ان نلوذ بظلال بيوتنا هربا من صخب الشوارع وزعيقها مادامت نعمة الكهرباء تدر علينا شيء مما افتقدناه من انفتاح إعلامي وتواصل مع الحضارة التي فتحت لنا منافذها عبر الانترنت ،وما دامت رواتب بعضنا ممن حظوا بفرص عمل تؤمن لهم خيرا يرقد في براداتهم ومجمداتهم ،او ينامون هانئين يمس أجسادهم نسيم عليل في ذروة صيف مستعر..
لكن ذلك يبدو كحلم ليلة من ذلك الصيف ،حيث توحدت كوابيس الرعب من الارهاب وكوارثه ،مع تفاقم الحرمان من الامن والكهرباء ،حتى بات البعض يندب حظه العاثر حين لا تسعفه المولدات البائسة التي جف وقودها وشح وغلى حتى صار وبالا !!
التطور الكبير الذي نالته الكهرباء هو ان صارت لها وزارة بعد ان كانت هيئة تابعة لإحدى الوزارات ،وقد حققت هذه الوزارة مشاريع مازالت رهن الخيال والأمنيات بقدر المبالغ الخيالية التي صرفت عليها وهي كافية لإنشاء محطات عملاقة تفوق أكبرها في العالم ،لكنها كما يبدو قد أسرفت كثيرا على ترميم الأبراج التي لا طائل من إصلاحها حيث تمر من المناطق الخاضعة لأجندة الإرهاب ،او لترميم محطات هي بالأساس يجب ان تحال الى التقاعد بسبب كبر سنها وبدائيتها ،فيما نصبت في مناطق معينة محطات اكبر منها بظرف لا يتعدى الستة أشهر .
المواطن العراقي من اعلمه الى ابسطه يشك بان فقداننا للطاقة الكهربائية هو أزمة حقيقية ،وانها استدامت وشح علاجها ،وان منحها له بضعة ساعات غير مكتملة في اليوم ما هو الى تصرف سياسي مقصود ،في وقت تشكل هذه الكهرباء علاج للكثير من الأزمات ،بل هي بمثابة الصدمة الكهربائية للقلب الذي توقف عن الخفقان ..
الخلاصة يقال في الطرائف العراقية التي كانت تتناقل عن صدام وزمرته ،بان أُهديت له هدية وهي عبارة عن شجرة مورقة ،و سر هذه الشجرة بان تسقط ورقة منها كلما شتمه احد من العراقيين ،وفي لحظة تامل من صدام لتلك الشجرة اذا بها تنفض جميع اوراقها مرة واحدة ،فتساءل عن السبب فزعا ،فأجابه احدهم بان الكهرباء قد انقطعت في مدينة الثورة !!!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوري من محكمة باريس؟ | ا


.. مربعات سكنية بأكملها تم نسفها .. إسرائيل تقصف غزة وتواجه حما




.. -قرع طبول الحرب-.. إسرائيل وحزب الله في سيناريو مواجهة | #ر


.. الاتهامات الإسرائيلية تنهال على نتنياهو.. ودعوات لرفض إلقائه




.. قراءة عسكرية.. الاحتلال يعلن إصابة 14 جنديا في غزة