الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لأي نموذج تنتمي طبقتنا العليا؟

أحمد الخمسي

2008 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نتتبع أخبار مناطق العالم، تتملكنا مشاعر الحسد والغيرة. من فرط الحيوية والمشاركة وانفتاح الآفاق لدى الدول الأخرى. مقارنة بالتعتر الذي يكسر خطواتنا. ليس هنا موضوع المقارنة مع المنطقة العربية حيث حظنا أقل تعاسة من تعاسة الشعوب التي ضحت بالنفس غاليا قبل النفيس، ولم تجد أمامها سوى القتل. لكن أفق المقارنة أوسع. فمن التايلاند إلى بوليفيا، تجد الحركية متجددة، والآفاق مفتوحة على المزيد. والارتباط بعصر الشعوب لا يتعتر في حبل المحافظة التعيسة.

ولأمر ما، تجد الفضائيات التي تحترف تأجيج النعرات، يصيبها العمى فلا تتمكن من تسليط الضوء على الأخبار المتنورة. فسواء في الطايلاند أو في بوليفيا، تمة جهة تشير على فضائياتنا بإخراص مراسليها، وبوضع القطن في آذانهم. فلا نتملى بطلعة الشعوب وهي تشارك في الانتخابات لتفرض توجهاتها، عبر حركاتها المتجددة.

I

ففي أمريكا اللاتينية، حيث أعمار الدول المستقلة تقترب من القرنين، بحيث استقل أغلبها عن الاستعمارين الاسباني والبرتغالي بداية القرن التاسع عشر، أصبح العمل المؤسساتي مرتبطا بالسياسة المباشرة ارتباطا عضويا. وأصبحت القيادات السياسية في تجدد مستمر، تواكب تجدد مطالب الشعوب، بل وتنبثق من الصلب الديمغرافي الإثني، الكامن تحت الكيانات السياسية القائمة.

وها نحن اليوم نسمع عن تجدد الفكر السياسي، وتعمق شرايينه لتصل الشعوب الأصلية، المعروفة بالقبائل الهندية في أمريكا "اللاتينية". فتقديم المولّد باراك أوباما مرشحا للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس أقل من تسابق خفي مع السرعة المتواصلة التي تبذلها شعوب أمريكا الوسطى والجنوبية. فمن لم يتخوف من سقوط مبكر لهوغو تشابيس في فينيزويلا؟ فإذا ببوليفيا والايكوادور تتجه نحو، بل تنتصر بنفس الخط السياسي. أما إذا تتبع الواحد منا عناوين مصنفات البحث العلمي في الجامعات الكندية، فسيلاحظ العناوين ذات الصلة مع الجذور الهندية الأمريكية، تصل إلى حد انتزاع حبة الإسم الأوربي الأصل، أمريكو فيسبونتي، من فوق خد التسمية الرسمية (من الآن فصاعدا) للتحالفات السياسية التي تشتغل في أمريكا الجنوبية والوسطى. والتي تعودت على الاشمئزاز من التوصيف "اللاتيني" منذ صعود السندينيين إلى السلطة بعد انتصار ثورتهم الأولى (1979).

II

أما شطر الشرق، فعندما توليّ سمعك، تجد "تحالف الشعب من أجل الديمقراطية"، يحتل التلفزة ومقر الحكومة، ويقال أن التحالف ضمنه أنصار الملكـ، ضد الوزير الأول الحالي المتحالف مع المليادير المطاح به قبل ما يقرب السنتين. فلا الأسلوب النضالي مألوف عندنا والمتوارث منذ الحرب الباردة وما رافقها من انقلابات وتصفيات بل قتل بالمآت من هذا الفريق أو ذاك الفريق، في الساحات العمومية. إذ درج سمعنا على استقبال خبر احتلال التلفزة بنجاح الانقلاب. كما لم نتعود على حركة جماهيرية تنسق مع طرف ملكي تسمح بزعزعة الأوضاع حد احتلال التلفزة ومقر الحكومة دون أن يحمل الملك حقائبه لمدة غير محددة خارج الحدود. مثل ما رأينا مع شاه ايران بداية الخمسينات....فلا القتلى سقطوا في بنكوك. ولا الملك هرب إلى الخارج ولا الدبابة العسكرية التي تناقلت وكالات الأنباء صورة فوهتها الفاغرة أطلقت نيرانها على المتظاهرين.

إن السياسة الاقتصادية الموفقة التي وضعت التايلاند ضمن الموجة الثالثة من ظاهرة النمور الأسيوية هي التي نقلت الممارسة الجماهيرية إلى المشاركة الفاعلة، وفي نفس الوقت رفعت التناقضات إلى الفئات العليا من الكيان السياسي. ووفرت للجميع الوعي بضرورة حفظ النفوس والممتلكات من العبث، مما ترك الإرادة القائدة للتظاهر قوية، مرفوقة بممارسة سلطوية نظيفة بلا دماء. بل فقط، أصبحت التضحية النضالية تمس خدمات الطيران وعموم النقل. مما عطل المصالح الاقتصادية كأسلوب متحضر يغير الأوضاع ويحافظ على سلامة الأبدان.

إن بلدا ليبراليا مثل التايلاند، يسعى إلى منافسة بلدان مجاورة ترفع شعار الاشتراكية والفرص المتكافئة، حري به أن يرفع تحدي الحرية. ليس فقط في التملك الفردي حد المليارات، ولا السلوك السياحي حد الإباحية. بل في ما ينفع الناس في شِؤونهم العامة من حقوق سياسية ومدنية، مما يجعل مثالب الليبرالية مجرد هوامش شخصية مقارنة مع الفضاء الليبرالي العام التي تجري فيه الأحداث السياسية الكبرى بلا انتهاكات جسيمة من طرف الدولة.

ولم يكن الحظ من فضائياتنا هذه المرة سوى للتعريف بولاية من النظام الفيدرالي الماليزي التي حظيت بحكم الحركة الاصولية مدة ثماني عشرة سنة، لتخبرنا أنه تحت سقف نفس الحركة تمكن الهندوس من بناء أصنام بوذا، على عكس تهديم ما ورثه الأفغان من أجدادهم على أيدي طالبان سنة 2000.

وعلى العموم، فالمنطقة الأسيوية، تحظى بهذا المستوى السياسي الذي يضع الملوك مع الشعوب في الحركات الاحتجاجية دون خوف على العروش. ولم يكن من نظام أن يسقط عرشا سوى إذا عبث أصحاب الإرث بما روثوا. مثل ما حصل للعرش في المرحومة مملكة النيبال. التي تحولت إلى جمهورية في بحر السنة الجارية 2008، بفعل الحماقة الدموية التي اقترفتها أيدي الأمراء أنفسهم داخل القصر الملكي.

وفي نفس المنطقة الأسيوية، ومباشرة بعد انتهاء الألعاب الأولمبية في بكين، أعلنت الصين أن تقارير المؤسسات البنكية العالمية أعلنت، ان معدل الدخل الفردي، في أقل من ست سنوات، انتقل من فئات الدخول الضعيفة (1100 دولار) سنة 2002، إلى فئات الدخول المتوسطة (بما يزيد قليلا عن 2000 دولار) سنة 2008.

III

فسواء في شرق الكرة الأرضية (المنطقة الأسيوية) أو في غربها (أمريكا اللاتينية)، نجد الكيان السياسي اكتسب ما يكفي من التماسك، وذلك بفعل الخبرة كون اقتسام الحرية والأرض والسلطة، حتمية لا هروب منها، لأنها الطريق إلى سلامة جميع الطبقات.

وحدنا في العالم العربي، حيث نتساوى في دكتاتورية الطبقات. فسواء سادت الطبقات المتوسطة، مثل ما هو حاصل في الجمهوريات التقدمية، أو سادت الطبقات الفاحشة الثراء مثل ما هو موجود في الممالك العربية، فالاقتسام لا يزيد عن فتات الموائد ضمن سياسة الجزرة المرفوقة دائما بالعصا.

فإذا ما أردنا أن ندقق في البحث عن مكاننا بين تجارب الشعوب: هل نحن مثل الطايلاند، أم مثل ماليزيا؟ ونحن مثلهما نتبع النظام الملكي! أم نحن نسعى لنكون مثل اسبانيا، بجهاتها الموسعة، وبحركاتنا الانفصالية الجمهورية، وهي أيضا ذات نظام ملكي مثلنا! عندما نرجع إلى أنفسنا نجد بيننا متظاهرين يعاملون بما تجاوزته سلطات أمريكا اللاتينية وكذا سلطات آسيا الشرقية، إذ انشغل الأولون بالجذور الثقافية والإثنية للمصالحة الحضارية مع ذواتهم وانشغل الأسيويون بالفوائض الاقتصادية للتصالح مع فقرائهم والتضامن مع الجزء الضعف من انسانيتهم.

أما نحن فلا نملك سوى الاستحياء أمام مواطنينا في سيدي افني. لأننا بقينا ضعفاء عند الامتحان. ولم تنفعنا فصاحتنا أمام الميكروفون التلفزي. بل لم نتمكن من الدفاع عن كثير من المزايا في سياسة الدولة الحالية. وذلك، لأننا لا نملك غير نوع المحافظين الجمهوريين الأمريكيين كما نراهم متعترين في سياستهم، لأنهم وضعوا على رأس حزبهم أرباب مصالح شرهة، في عالم النفط والتسلح، بينما يملك الديمقراطيون مساحة اختيارات ولو تكتيكية ترفع معنويات الأمريكيين.

فما الذي ينفع القيمة السياسية المضافة بروز حزب آخر، إذا عجز أبرز من هم بين قيادته سوى أن يترشح في انتخابات جزئية. بدل الذهاب إلى مدينة أيت اباعمران المجاهدة تحت سقف الشرعية المميزة.

هذا تساؤل موجه إلى الموجود من طبقتنا الوسطى؟ فأي محتوى لطبقتنا الوسطى نريد، إذا كان هذا الموجود عاجزا عن الذهاب إلى حيث المغامرة المشروعة من أجل الحرية والخبز والوطن؟!!!!














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-