الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواجهة الفساد أم مناورة لامتصاص الغضب؟

رمضان متولي

2008 / 9 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


إحالة شركات الأسمنت إلى محكمة الجنايات التي أدانتها وقضت بتغريمها بضعة ملايين من الجنيهات بتهمة ارتكاب ممارسات احتكارية. والحكم ببراءة ممدوح اسماعيل في قضية العبارة الغارقة ومسارعة النائب العام باستئناف الحكم وإن لم يتغير توصيف القضية من جنحة إلى جناية ولم تتغير التهمة من "علم ولم يبلغ" إلى "الإهمال الجسيم والتربح والقتل العمد". وانخفاض أسعار حديد التسليح بنسبة 9% في سبتمبر رغم التوقعات السابقة بارتفاعه حتى نهاية العام الجاري. وإحالة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى إلى محكمة الجنايات بتهمة التحريض على قتل مغنية لبنانية في دبي وإعلامه بصحيفة الاتهام في سجنه. والشركة المصرية لتصنيع البترول "موبكو"، التي دخلت طرفا في حل أزمة أجريوم الكندية عن طريق الاستحواذ على أجريوم مصر التي ستواصل الاستثمار في دمياط من خلال توسيع وتحديث مصنع "موبكو"، أعلنت أنها ستحصل على الغاز الطبيعي بدولار واحد خلال العامين الأولين فقط، بعدها تطبق معادلة سعرية تربط بين سعر الغاز وسعر المنتج النهائي من الأسمدة في أسواق التصدير. والنيابة تتقدم بطلب رفع الحصانة عن رجل الأعمال محمد فريد خميس تمهيدا لاتهامه في قضية رشوة. وهاآرتس الإسرائيلية تقول أن مصر أوقفت إمدادات الغاز لإسرائيل والأردن وسوريا وتطالب بإعادة التفاوض حول الصفقة.

هل هناك ما يربط بين جميع هذه الأنباء؟ نعم، فكلها تتركز حول قضايا فساد ضج بها المصريون وتصاعدت شكواهم منها خلال الفترة الأخيرة. وكلها تشترك في أن المتهمين فيها رجال أعمال نافذين في جهاز الدولة المصرية أو على علاقات وطيدة بكبار رجال الدولة أو أجانب، من شركات الأسمنت التي تشمل لافارج الفرنسية والمصرية للأسمنت التي تملكها عائلة ساويرس، إلى ممدوح اسماعيل، عضو الشورى والحزب الوطني الذي احتكر خطوط الملاحة في البحر الأحمر، إلى أحمد عز، أمين تنظيم الحزب الحاكم ورئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب، الذي يسيطر على حوالي 70% من سوق الحديد. إلى هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال وعضو الشورى والحزب الوطني وصاحب مشاريع الإسكان الفاخر التي تستفز المصريين ممن يعيشون في الأحياء الفقيرة المكتظة والمقابر ولا يستطيعون الحصول على سكن ملائم، ثم الشبهات التي أحاطت بمشروع أجريوم في مصر وتصريحات السفير الكندي بتقديم عمولات مقابل الموافقة على مشروع أثار معركة شرسة في دمياط، والتسوية التي انتهت إلى نوع من التلاعب لإرضاء الشركة الكندية. إلى محمد فريد خميس، عضو البرلمان والحزب الوطني، وصاحب شركات البتروكيماويات والنسيج، الذي لا نعرف بعد أبعاد الاتهامات الموجهة له. ثم قضية الغاز المصري الذي يباع بأقل من سعر التكلفة لإسرائيل من خلال شركة المتوسط المملوكة لرجل الأعمال حسين سالم الذي يقال أنه صديق شخصي للرئيس مبارك.

كل هذه القضايا تشترك أيضا في أن الرأي العام يتحدث عنها ويصرخ بها تصريحا منذ فترة طويلة ولا مجيب، فكانت أسعار الأسمنت تقفز والحديد يسبقها والموارد الطبيعية تبدد بلا حساب، بينما ترتفع أسعار السلع الأساسية والغذاء والمواصلات وتزداد الإضرابات العمالية والاعتصامات والشكوى لدى مختلف فئات المجتمع بسبب ضعف الأجور وتردي الخدمات والأوضاع المعيشية، والحكومة تتجاهل وتمضي قدما في طريقها، وتقفز معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، ومع ذلك تستمر الحكومة في تجاهل الجميع بسياساتها التي تركز فقط على خدمة شريحة من رجال الأعمال النافذين والمستثمرين الأجانب الذي أبيحت لهم البلاد طولا وعرضا.

بالتأكيد أن جميع مظاهر الفساد التي تشير إليها هذه الأحداث كانت موجودة دائما ومنذ فترة طويلة، وأن هذه المظاهر لا تمثل إلا قمة جبل الجليد الذي يخفي آلاف القضايا الأخرى التي لا تقل في خطورتها عما تم كشفه أو الإعلان عنه أو اتخاذ إجراء تجاهه. وبالتأكيد أيضا أن الإجراءات التي اتخذت أو تتخذ أو ستتخذ أتفه بكثير من أن تمثل ردعا للفساد أو تحولا في موقف الدولة منه ومن الفاسدين، بل إن بعض المتابعين يعتقدون أنها اتخذت لحماية المتورطين فيها من إجراءات حقيقية ومصير أسوأ.

لكن تتابع هذه القضايا واتجاهها ووتيرتها يشير نوعا ما إلى تحرك منظم من جهة أو أخرى أدركت أو قيمت حجم الغضب في مجتمعنا إزاء فوضى الفساد والعسف بحقوق الفقراء والأغلبية الساحقة من المصريين، وربما تسعى بهذه الإجراءات إلى امتصاص جانب من هذا الغضب أو الإيحاء بأنها سوف تعالج هذه المظالم كنوع من التنفيس عن حالة الاحتقان السائدة بين الطبقات الدنيا في السلم الاجتماعي.

ربما يكون هذا التخمين صحيحا أو غير صحيح، أما المؤكد فهو أن هذه الإجراءات مهما بلغ اتساعها لن تنفذ أبدا إلى جوهر المشكلة التي تعتبر كل هذه المظاهر وغيرها مجرد أعراض لبعض جوانبها، وهي مشكلة الخيارات السياسية للمؤسسة الحاكمة، التي تبنت سياسات الليبرالية الجديدة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، هذه السياسات التي عبرت عن نفسها في الخصخصة ، وفي صعود طبقة صغيرة العدد من فائقي الثروة وزيادة معدلات الفقر في المجتمع مع تدهور الخدمات العامة من تعليم وصحة وغيرها. وعبرت أيضا عن نفسها في اتساع رقعة الأحياء الفقيرة غير المنظمة التي شكلت حزاما كثيف السكان من التخلف والفقر حول المدن الكبرى بينما يسكن الأغنياء في تجمعات "كومباوندز" مغلقة بأسوار عالية وبوابات تحرسها شركات الأمن الخاصة وينتقلون عبر الطرق السريعة من الفيلات والقصور إلى المنتجعات المريحة والشواطئ المنعزلة الهادئة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا