الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقارب الفرنسي السوري.. والمدخل اللبناني

هشام أبو شهلا

2008 / 9 / 8
السياسة والعلاقات الدولية


لقد أدت تطورات الأوضاع الأخيرة بين لبنان وسوريا إلى إزاحة عقبات عدة كانت تعد أبرز نقاط الخلاف بين سوريا وفرنسا، وكان أبرزها الانسحاب العسكري السوري من لبنان، والفصل بين المسارين اللبناني والسوري على صعيد عملية السلام مع إسرائيل، إضافةً إلى مجرى الأحداث السياسية المتلاحقة في لبنان مما أعطى فرصة جديدة للتقارب بين فرنسا وسوريا اللتين عرفت العلاقة التاريخية فيما بينهما جولات عديدة من المد والجزر.

وأتت القمة الرباعية الأخيرة التي تم عقدها في العاصمة السورية دمشق استكمالاً لحلقات التقارب الفرنسي السوري التي بدأت تتضح للعيان بحضور الرئيس السوري بشار الأسد لقمة الإتحاد من أجل المتوسط في باريس تموز الماضي، والتي أراد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يجسّد من خلالها ومن خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، نهجه الخاص في السياسة الخارجية الفرنسية والذي وعد به أثناء حملته الانتخابية، وهي سياسة تكسر حالة الجمود التي كانت تعانيها سياسة فرنسا في السنوات الأخيرة من حكم شيراك، بحسب رأيه.

ويأتي هذا التغيير في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه سوريا بعد عدة مقدمات وتطورات إقليمية، كان لبنان محورها الأساسي، فما زالت فرنسا تتمسك بتقليد ديغولي قديم بهذا الصدد، في أن سياسة فرنسا تجاه سوريا تتأرجح صعوداً وهبوطاً تبعاً للترمومتر اللبناني، فلم يكن أحد ليتصور أن الأسد يستقبل في العاصمة الفرنسية قبل ملء الفراغ الدستوري في موقع الرئاسة الأولى في لبنان، وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية، وهو ما أكده وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في أثناء زيارته دمشق أواخر أغسطس للتحضير لزيارة ساركوزي حيث قال أن "مستقبل العلاقات بين البلدين مرتبط بنوعية العلاقات السورية اللبنانية"، مضيفاً بأن فرنسا لمست "النية الطيبة" للجانب السوري في الملف اللبناني، خصوصاً بعد انتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان في الخامس والعشرين من أيار الماضي، والاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين الجارين قبل نهاية العام الحالي.

ولا يخفى على أحد بأن دول عدة تحاول استغلال الفراغ المؤقت الذي خلفه غياب الإدارة الأمريكية عن المنطقة، وتأتي فرنسا ساركوزي في مقدمة هذه الدول التي تحاول وضع اللبنات الأولى لتنفيذ أجندتها ومصالحها في ظل شلل شبه تام وانعدام الثقة التي تعاني منه الدبلوماسية الأمريكية في العالم وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي يدفع فرنسا لاغتنام الفرصة السانحة لها قبيل تولي الإدارة الأمريكية الجديدة زمام الأمور في البيت الأبيض، وهو الأمر ذاته الذي دفع روسيا لاتخاذ خطوات حاسمة على صعيد خلافها مع جورجيا.

وبعيداً عن التفاؤل المفرط، فإن القمة الفرنسية السورية على أهميتها الشكلية في كسر العزلة التي يعاني منها النظام السوري عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، إلا أنها ستبقى رهينة الخطوات المستقبلية التي سيقوم بها الرئيس السوري على صعيد ملفات إقليمية عدة، هي المفاوضات مع إسرائيل، والبرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن الملف اللبناني.

ففرنسا تريد دوراً في عملية السلام في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي بدا جلياً من خلال تصريحات ساركوزي التي سبقت ورافقت الزيارة، وهي ترى في المسار السوري المدخل إلى هذا الدور المنشود، ولكن الرئيس السوري تبقى عينه على البيت الأبيض بهذا الصدد، وهذا الأمر هو ذاته الذي أفسد العلاقات الفرنسية السورية في عهد شيراك الذي أعطى بشار الأسد فرصةً من خلال زيارة أتت في ظروف مشابهة إلى حد ما في العام 2002 إلى دمشق، إلا أن الأسد أضاع تلك الفرصة الفرنسية دون أن يتمكن من الحصول على شيء على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة.

ولا تعطى المؤشرات الأولية دليلاً على أن ساركوزي قد حقق أهدافه من الزيارة، فبعيداً عن الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم التي وقعت بين الطرفين من خلال وفد رجال الأعمال الفرنسيين المرافق لساركوزي، تبدو النتائج السياسية للقمة الثنائية، بل وحتى الرباعية، بعيدة عن المستوى المأمول بالنسبة لفرنسا.

فلم يتمكن ساركوزي من إقناع الأسد بخوض مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وليس هذا فحسب، بل أعلن الأخير عن تعليق المفاوضات غير المباشرة بسبب الوضع السياسي في إسرائيل، معتبراً أن التباحث مع حكومة أولمرت الذي سيترك منصبه كرئيس للحكومة قبل نهاية هذا الشهر أمراً غير مجدٍ، إضافةً إلى رفض الأسد نقل رسالة والد الجندي الإسرائيلي الفرنسي الأسير لدى حماس في غزة جلعاد شاليت وتسليمها إلى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة والمقيم في العاصمة السورية.

وربما تكون هذه المؤشرات السلبية هي ما دعا الرئيس ساركوزي إلى إعادة التلويح بعصا المحكمة الدولية من جديد، وإعادة التذكير بأن فرنسا تنتظر أن تثمر التعهدات التي قطعتها سوريا على نفسها بخصوص احترام سيادة واستقلال لبنان والتي تتمثل بتبادل السفراء وإصلاح المجلس اللبناني السوري الأعلى ومراجعة المعاهدات الثنائية كي تكون مطابقة لتلك القائمة عادة بين دولتين، وأيضاً تنفيذ أعمال اللجان الثلاث التي شكلت في آب الماضي بين سوريا ولبنان، وهي لجنة ترسيم الحدود ولجنة مراجعة المعاهدة ولجنة المفقودين.

لقد اختار ساركوزي بزيارته هذه القطيعة مع إرث شيراك، والعودة إلى النهج الديغولي في توجيه دفة سياسة بلاده تجاه سوريا، وهذا ما يدعو دمشق إلى استيعاب الرسالة هذه المرة بمرونة وواقعية تامة وبنظرة واسعة للأمور، فإن الكرة الآن أضحت في ملعبها، كما يتطلب هذا من الدبلوماسية السورية بالسير قدماً في طريق التجديد والتخلص من عيوبها الثلاث المزمنة الكامنة في الاستهتار بالمعايير الدولية، والتمحور حول الذات، عدا عن تشبثها بالمفهوم البدائي للسيادة.

إن اليد التي يقدمها الرئيس الفرنسي ساركوزي لسوريا في هذا الوقت بالذات تمثل فرصة ذهبية لا تعوض، ويبقى السؤال الأساسي، حول مدى تمكن سوريا من استثمار هذا التقارب والانفتاح الفرنسي، المبني على أرضية جديدة من المصالح المتغيرة، بعيداً عن أوهام الماضي القريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين