الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصداف ولآلئ- 2 -

عبدو أبو يامن

2008 / 9 / 10
الادب والفن



ها أنذا أقف مشدوها أمام هذا الأوقيانوس العظيم، مفعما بالأسئلة، يعذبني التطلع، تقتلني الحيرة، يفترسني القلق... الجوع المعرفي ينشب مخالبه في جوانحي، الظمأ الوجودي يغتال كياني.. أحتار ما ذا أختار وما ذا أدع، كطفل جاء له أهله بلعب عديدة في وقت واحد، العمر أقصر من ألم بكل هذه الأشياء، وكل شيء فيها فاتن ومغر ومغو، رباه لشد ما أبدو ساذجا وصبيانيا، في عيني تطلع الأطفال وتساؤلاتهم، كأني لم أع من الدنيا شيئا بعد، كأن الحياة بالنسبة لي رحلة لم تبدأ بعد، كأنها ما زالت جزرا عذراء على الأقل بالنسبة لي، ولست أدري أهذا من حسن حظي أم من سوئه؟!
أرنو إلى العالم باستغراب ودهشة، لا أومن بقدم الأشياء، كل شيء بالنسبة لعيني جديد وباعث على التأمل، جديد يؤول قديما، وجديد يولد من رحم القديم.. وهكذا وهكذا في ديالكتيك الوجود العجيب!!
أصعد ببصري إلى المشهد، المشهد يبدو لي لوحة جدارية هائلة، فيها ملايين التفاصيل، فيها القديم وفيها الحديث، فيها الماضي والحاضر والمستقبل، ما قبل التاريخ وما بعد التاريخ، فيها الفيزيقي وما بعد الفيزيقي، فيها الحقيقة وفيها الحلم، فيها العقل وفيها الجنون، وبعبارة موجزة فيها من كل شيء نقيضان؛ الحق والباطل، والخير والشر، والجمال والقبح.. فيها الإنسان الفاضل وفيها الوغد، وفيها الطيب وفيها الخبيث، فيها الحاكم والمحكوم، والسيد والعبد، والقاتل والمقتول، والآكل والمأكول، والجلاد والضحية..
وماذا فيها بعد؟!
لست أقوى على العد ولا على الحصر؛ إنها الحياة يا صديقي ومن هو المجنون الذي يروم إحصاءها وحصرها؟!
وكيف يحكم الجزء على الكل، وكيف تحيط القطرة بالبحر؟!
إنما نحن نشير إليها، نومئ لها بأصابعنا الصغيرة المرتعشة!!
هذه الإشارة التي يصور لنا غرونا الإنساني من خلالها أننا فهمنا الحياة، وأين فهمنا من حقيقة الحياة؟! الحياة التي تصخب من حولنا وأمامنا ووراءنا، بل وفي دواخلنا ونحن عنها غافلون لاهون لا يشغلنا أمرها إلا إذا مرضنا أو عجزنا أو حاقت بنا المصائب، أو ونحن في مواجهة الموت.. عندها فقط تتنبه الغرائز الأكثر سموا تتساءل من أين وإلى أين وكيف ولماذا؟!!
دراما الحياة أمامي عنيفة صاخبة، وأحداثها متلاحقة، ومسيرتها متسارعة، لا تكاد تحيط بها الأعين الفضولية، حتى لو ركب للإنسان في رأسه ألف عين لما استطاع.. فسيفساء عجيبة، كائنات عليا ودنيا، منها السابح ومنها الغائص، ومنها المتعمق ومنها ما هو على السطح، منها الجسور الذي أمعن في الغوص تطلبا للأعماق، ومنها الجبان الذي قنع بالساحل، منها الناجي الذي صارع العطب في كل ناحية وزاوية، ومنها الغريق الذي مات حتف أنفه!!
والكائنات في هرج ومرج، وفي صراع أبدي على القوت والقوة والسلطة.. والمعركة الخالدة مازال التاريخ يسطر فصولها ووقائعها، بدماء الضحايا القاني في الأعم الأغلب، منذ أهبط أبونا آدم من علياء جنته، ليستعبد أبناؤه من بعده، ولكي يدفعوا ثمن الخطيئة الأولى دماء وشقاء وصراعا لا ينتهي!!
وتمضي الأجيال تلو الأجيال، وتأتي شعوب وتغيب أخرى والحياة هي هي، تعيد سيرتها الأولى مذ كانت هناك على الأرض حياة!!
انتبذت في نشز من الأرض أرقب بكل ما في طاقتي من بصر، وبكل ما أملك من قدرة، وبكل ما وهبت من ملاحظة، بل بكل حواسي وأعضائي، ومشاعري وأحاسيسي، وبعيني رأسي وعقلي، وبكل ذرة من ذرات كياني، يروعني المشهد ويخشعني، ويشدهني ويبهتني، أنا الذي لا يملك إلا صنارته وليس في جعبته إلا قليلا من الطعم وبعض الأماني.. شرعت أسمع ( بتشديد السين والميم ) وأجمع ما يساقط ( بتشديد السين ) من فتات صراع الحياة، وأكثر ما عثرت عليه أصداف، وإن كان الحظ يبسم لي أحيانا فأفوز ببعض اللآلئ!! ولكن حسبي أني ألقيت دلوي مع الدلاء ولعلك لا تعدم بعض الماء إن نزحت غمرة الحمأة والطين!! ( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة