الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة المعارضة الضرورية: سيناريو التوريث أم مواجهة النظام؟

رمضان متولي

2008 / 9 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كتب الدكتور ضياء رشوان مقالا في جريدة "المصري اليوم" يوم السبت الماضي تناول فيه مأزق المعارضة في اختيار بديل لرئيس الجمهورية، وكيف أن المعارضة اقتصرت في هذه المسألة على إعلان رفضها لتولي جمال مبارك رئاسة الجمهورية دون أن تستطيع تحديد بديل له، ودون أن تناقش احتمالا آخر أكثر قوة في مسألة مستقبل الرئاسة يتمثل في إمكان توافق المؤسسة العسكرية على خليفة للرئيس، وطرح مشكلات مأزق المعارضة في إطار غياب أي إجابة عن السؤال القديم والأزلي، وهو سؤال: ما العمل.

لكن سؤال ما العمل، من وجهة نظري، لا ينبغي أن يطرح في سياق البحث عن بديل لمنصب الرئاسة، بل يطرح تحديدا في سياق البحث عن بديل للنظام الحاكم برمته. فمشكلة مصر لا تتعلق بالشخص الذي يحتل منصب رئيس الدولة، مهما كان حجم السلطات التي يملكها هذا الشخص، بل في النظام الاجتماعي برمته وجميع مكوناته ومن بينها النظام السياسي ومؤسسة الرئاسة.

حقا أن رئيس الدولة في مصر يمتلك صلاحيات وسلطات مطلقة بنصوص الدستور، كما أنه فوق أي مساءلة سواء شعبية من خلال المؤسسات النيابية أو قانونية لغياب أي قانون يحاكم رئيس الجمهورية، غير أن كل هذه السلطات والصلاحيات مطلقة فقط في نصوص الدستور، أما الواقع فيختلف تماما عن هذه الصياغات الشكلية، فمؤسسة الرئاسة ليست سوى إحدى مكونات الجهاز السياسي والأمني الذي يدير الدولة المصرية التي ترهلت وبرزت فيها مراكز متعددة للقوى تتحرك بما يشبه تشكيلات العصابات لحماية وتوسعة نفوذها ومزاياها في تنافس فيما بينها من جانب وعلى حساب أغلبية الشعب المصري من العمال والفلاحين والمهمشين وصغار الموظفين وفقراء المدن من جانب آخر، وفي تحالف وتنافس في نفس الوقت مع شريحة كبار رجال الأعمال الذين اندمجوا بمؤسسات السلطة ويشكلون فريقا هاما في هذا الجهاز السياسي علاوة على مركزهم المتميز والحاكم في النظام الاقتصادي للبلاد. وبهذا المعنى، فإن الرئيس واقعيا لا يملك سلطة مطلقة، لأن أي قرار أو توجه سياسي لابد أن يعكس بشكل أو بآخر مدى التوازن في هذه الشبكة المعقدة من المصالح ومراكز القوى وإلا فقد أثره الفعلي، بحيث يبدو لي أن مؤسسة الرئاسة – على الأقل ظاهريا – قررت أن تستقيل من هذه الحسابات المعقدة وتتركها لتوازنات الفوضى، مكتفية بتصريحات جوفاء بلا أي خطط للتنفيذ وغالبا ما يتم تجاهلها، والدليل على ذلك كمية التصريحات الرئاسية التي صدرت في بعض الأمور ولم يهتم بها أحد مثل تصريحات إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر وغيرها، بما يؤكد أن هذه التصريحات لا صلة لها بصناعة السياسة والقرار السياسي في أرض الواقع.

وإذا كانت هذه التوازنات المعقدة هي التي تحكم القرار في السياسة الداخلية على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، فإن هناك جملة من التوازنات الأخرى لا تقل تعقيدا تحكم القرار في السياسة الخارجية والداخلية بغض النظر عن شخص الرئيس، ولا يقررها الرئيس منفردا رغم أنه من الناحية الدستورية هو الذي يملك القرار منفردا في هذه الأمور ولا يستطيع أحد أن يسائله في القرار. فالسياسة الخارجية تتشابك أيضا مع السياسة الداخلية والقرار فيها يعكس جملة من المصالح والحسابات المعقدة لجميع مكونات النظام الحاكم سواء المؤسسة العسكرية والأمنية، والجهاز البيروقراطي للدولة، ومصالح الطبقة المسيطرة على المؤسسات الاقتصادية، علاوة على المؤثرات الخارجية لدول لها نفوذها ومصالحها الإقليمية والدولية، وبالتالي، فبينما يبدو الرئيس مطلق السلطة في أمور السياسة الداخلية والخارجية من الناحية الشكلية، فإن طبيعة النظام الحاكم ومكوناته والمرحلة التي يمر بها وأزماته وتوجهاته وانحيازاته هي التي تحدد الإطار الحاكم لسلطة الرئيس الحقيقية مهما أضفى الدستور على هذه السلطة من إطلاقية شكلية.

هذا لا يعني أن الرئيس لا يملك نفوذا في هذا النظام ولا يلعب دورا مؤثرا فيه وغير مسئول عن سياساته، بل إنه يملك نفوذا ويلعب دورا مؤثرا ومسئول عن هذه السياسات، ولكنه مجرد شريك – بغض النظر عن حجمه وقدراته ونصيبه – وصاحب مصلحة وقوة في هذا النظام، إلى جانب آخرين شركاء ومسئولين وأصحاب مصلحة ونفوذ.

انتقد الدكتور ضياء المعارضة لعدم امتلاكها برنامجا لمواجهة التوريث المحتمل لمنصب الرئيس أو الاحتمال الأقوى بتوافق "القلب الصلب للدولة على توليته لأحد المنتمين إليه وخاصة المؤسسة العسكرية فيه". ولكن المسألة التي ينبغي أن تحتل مركز الصدارة في اهتمام المعارضة في رأيي هي أن تمتلك برنامجا لمواجهة النظام الحاكم برمته، لأنها لن تستطيع أن تغير شيئا بمجرد أن تضع رئيسا ترغب فيه وتميل إليه فوق نظام تعاديه وترفضه. فالرئيس الجديد مهما كانت قدراته وبغض النظر عن ميوله لن يستطيع الحركة إلا في الإطار الذي يسمح به هذا النظام، وإذا قرر الخروج عن هذا الإطار، فسوف يترتب على ذلك إما أن يطاح بالرئيس من منصبه بتحرك من داخل النظام أو أن يواجه المجتمع أزمة سياسية أو اقتصادية تقارن بحجم خروج الرئيس عن المساحة المسموح بها والتي يمكن للنظام التعايش معها هذا من ناحية، كما أن ميول المعارضة نفسها متباينة ومعارضتها للنظام القائم تستند إلى توجهات ورؤى مختلفة إلى حد الصدام – فما هي ملامح الرئيس الذي يمكن أن يتفق عليه مثلا الإخوان، واليسار والناصريون والليبراليون (إذا اعتبرنا أن هناك ليبراليون معارضين للنظام)؟

ولهذا السبب تحديدا لا أجد معنى لمطالبة الدكتور ضياء للنخبة المعارضة المصرية بأن تتجاوز مواقفها السياسية "النظرية" إلى إعلان تصور عملي لمواجهة سيناريوهات مستقبل الرئاسة، ولا أن هذا التجاوز والتصور أصبح ضروريا وعاجلا لا يمكن أن ينتظر طويلا. فالأمر الذي أصبح أكثر ضرورة وإلحاحا هو بلورة تصور آخر وعملي أيضا لمواجهة النظام الحاكم وتغييره، وفي هذه الحالة لن يخرج هذه التصور ولن يمتلك القدرة على التحقق واقعيا من خلال المواقف "النظرية" التحليلية ولا توافق النخبة المعارضة على أي سيناريو، وإنما من خلال تخلي هذه النخبة عن أبراجها العاجية وتفاعلها مع الحركات الاحتجاجية للعمال والفلاحين والفقراء التي تواترت بقوة وسرعة في الفترة الأخيرة، وامتحان مواقفها النظرية في القدرة على تنظيم وحشد هذا الحركات خلف رؤاها السياسة والاقتصادية مهما تباينت حتى تمتلك القدرة على تحقيق هذه الرؤى في الواقع. ومن خلال هذا التفاعل تستطيع المعارضة أن تتجاوز ضعفها الحقيقي، وليس الظاهري، وتستطيع أن تمتلك قوة "الشرعية" الجماهيرية، لا لكي تضفيها أو تحجبها عن أي رئيس قادم باعتبارها ركنا في النظام السياسي كما يقول الدكتور ضياء، وإنما لكي تستطيع بهذه القوة المادية والشرعية الجماهيرية أن تلغي نظاما قائما مرفوضا وتفرض نظاما يتمتع بمساندة الجماهير وتأييدها.

هذه هي القضية الأكبر والأخطر التي ينبغي أن تتركز عليها جهود المعارضة، وأن تعالج جوانب القصور في تنظيماتها وأيديولوجياتها وتكتيكاتها التي تجعلها عاجزة عن إحراز تقدم ملحوظ في هذا الاتجاه في ظرف تاريخي مثل الظرف الذي يمر به مجتمعنا الآن، ليس باعتبارها جزءا من نظام مرفوض، بل باعتبارها قوة في مواجهته، تمتلك رؤية وبرنامجا لتغييره، وتتوجه بهذا البرنامج وتلك الرؤية للقوى الاجتماعية التي تراهن عليها في إحداث ذلك التغيير، وتحشدها خلفها، وتنظمها حتى تصبح قادرة على تحقيقها، خاصة بعد أن تبين للجميع أن أوهام الإصلاح من أعلى قد تبددت وأن انقلابات القصر – إن حدثت – لن تحقق آمال الأغلبية العظمى من فقراء مصر، وأن الرهان على الجماهير، رغم صعوبته، هو الرهان الوحيد لمن يحلمون بتغيير حقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز