الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مابعد جورجيا:هل وصل (القطب الواحد)إلى مرحلة الأزمة؟

محمد سيد رصاص

2008 / 9 / 9
السياسة والعلاقات الدولية


لم يتوقع الكثيرون،من الذين كانت تتحكم بهم نزعات استعلائية ثقافية وجدت في الغرب الأوروبي طوال القرنين الماضيين تجاه الولايات المتحدة الأميركية،أن يستطيع(القطب الواحد)إدارة العالم بنجاح بعد انهائه لنظام الثنائية القطبية إثر تغلبه على القطب السوفياتي في عام1989.
منذ ذلك الحدث المفصلي في تاريخ العلاقات الدولية،نجحت واشنطن في استثمار أزمات المنطقتين الأكثر اشتعالاً في عالم مابعد الحرب الباردة:الشرق الأوسط(اجتياح العراق للكويت1990-احتلال العراق2003)والبلقان(1991-1999)،وفي تحويل مسارات تلك الأزمات إلى مناحي أسَست لنفوذ وهيمنة أميركيتين عليهما،وصلا إلى حدود الإنفراد .كماأنها استطاعت تحجيم النفوذ الفرنسي التقليدي في القارة الإفريقية،من خلال استغلال أزمات منطقة البحيرات الكبرى=رواندا- بوروندي- زائير،وهوماشمل أيضاً غرب افريقيا وشمالها،فيما قام الأميركان-عبر(الناتو)وشركات النفط والغاز والوعود بالدخول للناتو- بمد النفوذ والهيمنة إلى كل دول أوروبا الشرقية والوسطى التي كانت في(حلف وارسو)وإلى معظم الدول التي كانت سابقاً في إطار الإتحاد السوفياتي في البلطيق وأوكرانيا والقوقاز ووسط آسيا.
بالمقابل،فإنها قد حددت سقوف حركة الدول الكبرى:في إطار استيعابي تحالفي=الهند،وتطويقي=روسيا،ومقايضة التكنولوجيا والإقتصاد بمواقف سياسية غير معيقة لحركة القطب الواحد=الصين،فيمادخلت فرنسا شيراك(منذ صيف2004)وساركوزي في منافسة انكلترا على دور الرديف السياسي لواشنطن بعد فشل سياسة الممانعة الفرنسية-الألمانيةعامي2002و2003في وقف الإندفاعة الأميركية نحو بلاد الرافدين.
أيضاً،فإن واشنطن قد رسمت أدواراً لدول اقليمية في أزمات معينة:كينيا وأوغندا وإثيوبيا في أزمة جنوب السودان(منذ1993).تشاد في أزمة دارفور(2003-...).أوغندا في أزمة البحيرات الكبرى(1993-1997).أوستراليا في أزمة تيمور الشرقية(1999).إثيوبيا في أزمة الصومال حتى حدود اعطائها الضوء الأخضر الأميركي لغزوه في نهاية عام2006.
بالتعاكس مع هذا فإنها قد حددت حدود حركة الدول"المارقة":العراق وايران(عبر سياسة "الإحتواء المزدوج"بين عامي1993و1999وصولاً للإحتواء المنفرد للعراق بالتعاون مع ايران حتى غزوه واحتلاله،نهاية ب"الإنشقاق"الإيراني عن واشنطن في آب2005مع استئناف برنامج التخصيب النووي)- سياسة احتواء صربيا بين عامي2000و2005وتحجيمها-استيعاب كوريا الشمالية منذ عام1994وصولاً إلى بداية تفكيك منشآتها النووية في عام2007.
بموازاة هذا كله،كان هناك طريقة حياة أميركية أصبحت جذابة لغالبية شبان وشابات العالم،ولايقاومها سوى الأصوليون=المسلمون-اليهود-الهندوس،فيمالايقدم اليسار بديلاً.أيضاً هناك نظام تعليم أميركي هو الأرقى في العالم،وبنية علمية- تكنولوجية تمثل 70%من الإنتاج التقني –العلمي العالمي،مع اقتصاد يمثل ثلث الناتج الإجمالي للعالم،وكل هذا وذاك يتدرع بايديولوجية هي(الليبرالية).
في الواقع،كانت مدهشة السهولة التي تصرفت من خلالها الولايات المتحدة في مسرح العلاقات الدولية بمرحلة مابعد 1989وكأن لاأحد في الملعب سواها،وحتى عندما قامت بمغامرات عسكرية كبرى كمافي أفغانستان2001وعراق2003،أعادت من خلالها نظام الإحتلال بعد اندثاره إثر الحرب العالمية الثانية،فإنها لم تواجه مقاومات توازي مستوى ذلك الفعل سواء من الدول الكبرى أومن المحيط الإقليمي أوحتى من البنية المحلية،لتستطيع عبر ذلك- وماسبقه- التحكم بمعظم حنفية النفط في منطقة الشرق الأوسط66%من احتياطي النفط العالمي،بالتوازي مع ماحصلت عليه من سيطرة لشركاتها على نفط القوقاز وبحر قزوين|18%من الإحتياطي العالمي).
هنا،واجهت الولايات المتحدة،لأول مرة منذ نشوء نظام(القطب الواحد للعالم)،المصاعب بعد دخولها في محاولة"إعادة صياغة"منطقة الشرق الأوسط عبر"البوابة العراقية":لم تستطع السيطرة،خلال الثلاث السنوات الأولى من الإحتلال،على الوضع الداخلي العراقي أمنياً،وكانت البنية السياسية المحلية الرديفة،القائمة على ثنائية شيعية-كردية، غير قادرةعلى تأمين غطاء سياسي عراقي كافي للأميركان.بالتعاكس مع هذا،كسبت ايران نفوذاً اقليمياً ضخماً كآثار لزلزال سقوط بغداد،ماانعكس في أكثر من بلد شرق أوسطي،وتحكمت طهران بالكثير من مسارات الوضع العراقي الداخلي.ربما كان هذا هو السبب في اتجاه ايران نحو محاولة تحويل هذه الوقائع الجديدة إلى حقائق سياسية يُراد ايرانياً فرض اعتراف الأميركان بها (لتكريس ايران "دولة اقليمية عظمى")عبر اتجاه طهران إلى المواجهة مع واشنطن منذ صيف2005،وهو ماأسس بداية لمواجهة كبرى بين(الدولي)=الولايات المتحدةو(الإقليمي)=طهران-دمشق-حزب الله-حماس،كانت كامل المنطقة مسرحاً لها،وخاصة بؤرها الثلاث الملتهبة=العراق-لبنان-فلسطين،حيث أتت حرب12تموز2006حصيلة لهذا الجو،لتبدأ،بعد فشل اسرائيل فيها،عملية ميلان ميزان القوى في المنطقة لغير صالح الولايات المتحدة ،وهو ماانعكس في محطات(14حزيران بغزة)و(اتفاق الدوحة)،فيمايميل-عام2008وبالتعاكس مع لبنان وفلسطين- المسار العراقي نحو معادلات جديدة أكثر راحة للأميركان أمنياً وسياسياً بعد تحجيم نفوذ "القاعدة"و"الصدريين"وبداية تشكل معادلة سياسية جديدة يحتل فيها السنة العرب مكانة قوية على حساب الأكراد وبالتحالف مع القوى الشيعية المنزاحة نحو واشنطن بعيداً عن طهرانآل الحكيم وحزب الدعوة.
لايمكن عزل الأداء الروسي الهجومي مؤخراً،في الحرب مع جورجيا،عن المصاعب والتعثرات التي تواجهها واشنطن في الشرق الأوسط،حيث كان هذا الأداء غير مسبوق في فترة مابعد عام1989،والذي وصل إلى اندفاعات عسكرية واستعراض عضلات كان من الواضح أن جورجيا هي مجرد صندوق بريد يراد من خلاله توجيه رسائل إلى واشنطن والغرب الأوروبي وإلى"الجيران الصغار"،الذين يعيشون قلقاً تاريخياً ،في الجنوب القوقازي ووسط آسيا وفي شرق أوروبا ووسطها،من توسعية"الدب الروسي"،التي بدأت منذ أيام القياصرة حتى رجعت روسيا مع تفكك الإتحاد السوفياتي إلى حدود(ونفوذ)تقل كثيراً عماكان في أيام ستالين وآل رومانوف.
هل يمكن طرح السؤال التالي،بعيداً عمايطرح الآن مع أحداث القوقاز من تحليلاتيعيش أصحابها نوستالجيا الحنين إلى أيام ثنائية الكرملين-البيت الأبيضتأتي من هنا أوهناك وهي تصدر عن أناس لم يقروا بوجود(قطب واحد للعالم)بل قالوا بأن عالم مابعد1989هو في حالة فراغ قوة لم يستطع أحد ملئه بعد،وهو:هل وصلت حالة(القطب الواحد للعالم)،مع مايجري في الشرق الأوسط والقوقاز،إلى مرحلة الأزمة،أم أن الأمر مجرد مصاعب وتعثرات واجهتها واشنطن في هاتين المنطقتين،ستستطيع تخطيها؟.............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي