الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجه العنصري للفقر في إسرائيل

برهوم جرايسي

2008 / 9 / 10
القضية الفلسطينية


من المفترض أن تعلن مؤسسة الضمان الاجتماعي الإسرائيلية الرسمية في الأيام القريبة تقريرها السنوي حول تقرير الفقر عن العام الماضي 2007، وكما يظهر من ملامح أولية نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، فإنه لا جديد في هذا التقرير سوى استفحال الفقر بنسب قياسية جديدة، ولكن ليس في كل القطاعات.
وحسب التقارير الرسمية فإن نسبة الفقر العامة في إسرائيل حوالي 21%، ولكن هذه نسبة مبنية حسب مقاييس رسمية، في حين ان جمعيات واطر ناشطة في المجال الاجتماعي تصدر تقارير بديلة، تظهر فيها نسب فقر أعلى من تلك الواردة.
ولكن من خلف هذه النسبة الرسمية تتكشف مأساة إنسانية كبيرة، فالفقر في إسرائيل لا يضرب كافة القطاعات بشكل متساو، وإنما له وجه عنصري واضح تعززه حتى المعطيات الرسمية، وملامح التقرير المتوقع تشير إلى أن هذا الأمر ما يزال قائما، إذ أن الفقر يستفحل بين فلسطينيي 48، بينما جرى لجمه بين اليهود، ويصل الفارق في الفقر بين فلسطينيي 48 واليهود في حالات معينة إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.
ففي حين أن نسبة الفقر العامة في إسرائيل في حدود 21% أو أكثر بقليل، فإنها بين اليهود تصل بالكاد إلى 15%، ولكنها لدى فلسطينيي 48 تصل إلى حوالي 48%، وفي حين ان نسبة الفقر على مستوى العائلات في إسرائيل في حدود 24%، فإن النسبة بين عائلات فلسطينيي 48 وحدهم تصل إلى 54%.
والحال يستفحل حينما نتحدث عن الفقر بين الأطفال، ففي حين أن نسبة الفقر العامة بين الأطفال في إسرائيل في حدود 32%، فإنها بين اليهود تهبط إلى حدود 24%، ولكنها بين أطفال فلسطينيي 48 تصل إلى أكثر من 63%، بمعنى أنه في حين يشكل أطفال فلسطينيي 48 دون سن 18 عاما في حدود 21% من مجمل الأطفال في إسرائيل، فإنهم يشكلون أكثر من 50% من مجمل الأطفال الفقراء.
والفقر ليس خيارا يختاره الفرد أو رب العائلة بين أوساط فلسطينيي 48، بل هو انعكاس لسياسة الحرمان والتمييز العنصري التي يعاني منها الفلسطينيون في إسرائيل منذ أكثر من 60 عاما، فحين يعاني الفلسطينيون من نسبة بطالة تتراوح ما بين 13% إلى 15% بالمعدل، فإن هذه نسبة أكثر من ثلاثة اضعاف نسبة البطالة بين اليهود في إسرائيل.
وهذا انعكاس لحرمان الفلسطينيين من فرص متساوية في العمل، إضافة إلى حرمان بلداتهم من مناطق صناعية ومرافق قادرة على استيعاب أماكن عمل، الأمر الذي يتسبب بانتشار البطالة بين جمهور النساء، لتصل نسبة العاملات بينهن في أماكن منظمة بالكاد الى 18% ونسبة العاملات العربيات بالمجمل 29%، في حين أن 70% من القوى العاملة من الرجال العرب يضطرون لمغادرة بلداتهم للعمل خارجها، ونسبة كبيرة جدا منهم تقطع مسافات بعيدة للوصول إلى أماكن عملها يوميا، مما يجعلهم عرضة دائمة للفصل من العمل.
وهذا الحال مخالف مثلا لحال المتدينين الأصوليين اليهود "الحريديم"، الذين نسبة الفقر بينهم تصل إلى 55%، وهم يشكلون في المجمل حوالي 15% من مجمل اليهود في إسرائيل، ولكنهم يعيشون في مجتمعات منغلقة وبنمط حياة شبه معزول عن الحياة العصرية، والبطالة بينهم هي خيار، إذ يعتمدون بغالبيتهم على مخصصات تدفع لهم "كطلاب معاهد دينية"، أو مخصصات خاصة من مؤسسة الضمان الاجتماعي، إضافة إلى مخصصات تدفعها لهم المؤسسات والطوائف الدينية التي يتبعون لها.
وكل المؤشرات والبيانات ذات الطابع الاقتصادي الاجتماعي التي تظهر تباعا تقود إلى استنتاج أن ظاهرة الفقر ستواصل استفحالها بين فلسطينيي 48، لأن شيئا ما في سياسة التمييز العنصري الرسمية لم يتغير اتجاههم، وهذا ينعكس على كافة نواحي الحياة دون استثناء.
وفي هذا الأسبوع قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية، إن "التمييز ضد العرب في إسرائيل قد ولى"، إلا أن الحقيقة الوحيدة التي نحن متأكدون منها أن من ولى هو أولمرت نفسه، وسياسة التمييز العنصرية ما تزال باقية وتستفحل، وهذا ما تدل عليه تفاصيل ميزانية إسرائيل في العام الحالي 2008، وأيضا مشروع ميزانية الدولة للعام القادم 2009، فلا يوجد فيها أي بند يدل على أن هناك سياسة لسد الفجوات في توزيع الميزانيات بين اليهود والعرب، مما يعني تكريس الوضع القائم واستفحاله.
وما حديث أولمرت إلا تعبيرا عن نظرة المؤسسة الرسمية الإسرائيلية التي حتى وإن اعترفت بوجود تمييز عنصري ضد فلسطينيي 48، فإنها لا تفعل شيئا، كما أنها لا تلتفت إلى أوضاعهم الاقتصادية الاجتماعية التي هي نتاج واضح لتلك السياسة العنصرية.
فعلى سبيل المثال، حين ظهر التقرير النصف السنوي حول الفقر، قبل نحو ستة اشهر، تبين أن نسبة الفقر الإجمالي في إسرائيل تم لجمها، وتراوحت عند 20,5%، وصدرت بيانات الترحيب الفورية من كافة قادة الحكومة والمؤسسات الرسمية، ولكن من وراء هذه النسبة تبينت نسب خطيرة جدا، إذ أكد التقرير في حينه، على أن الفقر بين اليهود تراجع نوعا ما، أما عند العرب فقد ارتفع بنسبة واضحة، فمثلا الفقر بين الأطفال الفلسطينيين ارتفع حتى منتصف العام 2007 من 60% إلى 63%، كما ان نسبة الفقر العامة بين العرب ارتفعت، وقد تم لجم نسبة الفقر العامة في إسرائيل بفعل تراجع نسبة الفقر بين اليهود.
وهذا الحال يسري أيضا على نسب البطالة في إسرائيل، التي تتراجع فعليا بين اليهود وتراوح مكانها تقريبا بين العرب، وتزداد الفجوة الكبيرة بين الجمهورين، إلا أن الاستنتاج الحكومي الإسرائيلي هو أن البطالة تتراجع باستمرار دون التطرق إلى نسبها بين العرب.
وبالإمكان أيضا استعراض نتيجة التحصيل العلمي بين العرب واليهود، كجانب آخر للتمييز، إذ أن الفجوة الحاصلة لصالح اليهود تعود بالأساس لظروف جهاز التعليم العربي الذي يعاني من نقص ما لا يقل عن خمسة آلاف غرفة تعليمية، وقد أثبتت الحقائق، أنه حين تكون بيئة تعليمية ملائمة في بعض البلدات العربية، فإن نتائج التحصيل العلمي تفوق النتائج في المدارس اليهودية، وما هذا إلا إثبات آخر على جانب من سياسة التمييز ومعاناة فلسطينيي 48، قد نستعرضه لاحقا بشكل أوسع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟