الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش التطورات الاخيرة في الوضع السياسي في العراق ومسالة كركوك

مؤيد احمد
(Muayad Ahmed)

2008 / 9 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بعض الاوساط السياسية في امريكا تصف العراق الان بانه لم يعد دولة "فاشلة" ولكنها لا زالت "ضعيفة". طبعا ان هذه التسمية السياسية هي بالارتباط مع استراتيجية امريكا في العرا ق وعملية ما يسمى ببناء الدولة في هذا البلد بوصفه بلدا محتلا.
ان ادامة احتلال العراق بالشكل الحالي او انهاء الاحتلال والاكتفاء بتواجد القواعد العسكرية الثابتة الامريكية فيه من خلال الاتفاق على الاتفاقية الاستراتيجية والامنية بين امريكا والعراق، يستلزم على امريكا، بطبيعة الحال، ادامة تدخلها في ترسيم بعض الاوجه الاساسية لـ "الدولة" في العراق وآلية تلاقي القوى السياسية فيها. ان حصيلة تطبيق ستراتيجية امريكا فيما يخص "الدولة" هو الوضع الحالي الذي يسطير فيه القوى الميليشية للاسلام السياسي الشيعي بالدرجة الاساس على السلطة. اي ان الاوضاع السياسية في العراق، رغم التغيير في بعض مساراته ووقائعه، ورغم التغيير في توازن القوى بين مختلف قوى الاسلام السياسي الشيعي والسني والقوميين الاكراد، تمر باتجاه كسب السلطات الحالية المتمثلة بالميليشيات الشيعية، اليد الطولى في السلطة اذ اخذت ترسخ وتقوي نفوذها بوتيرة متصاعدة من خلال سيطرتهم الفعلية الحالية على السلطة وكذلك دعم ايران لها.
لا توجه تناقضات الوضع السياسي وآليات تطور السلطة نفسها، بالضروة ، تطور الاوضاع باتجاه المسار المرسوم من قبل امريكا، اي باتجاه ظهور "دولة" طائفية وقومية مؤتلفة ومستقرة مؤلفة من قوى الاسلام السياسي الشيعي والسني والقوميين العرب والاكراد، اذ ان سيطرة القوى المليشية الاسلامية وترسيخها النهائي ربما ستتخذ طابعا اخرا. اي ربما تخرج من حالة ضعفها وضعف "الدولة" الحالية ليست على اساس تطور و ترسيخ حكومة اثنية وطائفية مؤتلفة، بل بظهور دولة توجهها "ايديولوجيا" شبه اسلامية وشبه قومية ومشاعر "الوطنية" والنزعات "القومية العربية" وقيام ميليشيات الاسلام السياسي المسيطرة حاليا بالتحول الى متحدثي و منفذي الامال القومية العربية الشبه اسلامية في العراق. ان بعض التحركات الاخيرة للمالكي في مسالة كركوك و مسالة خانقين وفي الوقوف بوجه التيارات الشيعية للجيش المهدي والاخرين هو دليل على ظهور بعض ملامح ذلك التوجه. ان جميع الاحتمالات مفتوحة وان الاوضاع الحالية غير مستقرة وتحوي على تناقضات جمة ومخاطر كبيرة فلا يمكن استبعاد ذلك التحول ايضا.
ان احدى الاماكن التي ستبرز فيها الصراع القومي بشدة وتنعكس عليها مباشرة هذا التحول في توجهات السلطة هو السياسات التي تتبناها السلطات حول مدينة كركوك. ان الصراعات الحالية حول مدينة كركوك ناجمة عن كون النزعات القومية العربية باتت تظهر بشكل ملموس فيما بين القوى السياسية السائدة في بغداد وادت الى نشوب خلافات ادت الى عدم الوصول الى الاتفاق على قانون الانتخابات لمجالس المحافظات.
ليست مدينة كركوك المدينة الوحيدة في العالم التي تتعقد الامور القومية والاثنية فيها بحدة كما وهناك تجارب كثيرة في العالم لحل مشاكل مدن كهذه. ففي كل الاحوال انها بحاجة الى حل انساني وعادل يخلص سكان المدينة من نشوب النزاعات القومية والاثنية والاقتتال القومي.
يستوجب الحل السياسي الانساني والعادل لمشاكل مدينة كركوك رعاية وتنفيذ مبادئ اساسية بهذا الخصوص. مبادئ مثل تحديد المصير السياسي للمدينة عن طريق اجراء استفتاء حر ومباشر لجماهير سكان المدينة وكذلك تحديد ما يجري حوله الاستفتاء، مثلا البقاء كجزء من الادراة الحالية في بغداد او كجزء من ادارة كردستان، بعد ما يتمتع كردستان بالاستقلال السياسي. كما ان سكان مدينة كركوك بحاجة الى انتخاب ممثيلها لادارة امور المدينة بطريقة حرة و متساوية و مباشرة وبالرغم من القومية والاثنية.
عانت مدينة كركوك اشد المعاناة على ايدي النظام البعثي الفاشي اذ مارس ذلك النظام وطوال سنوات عديدة ظلم قومي مشدد على سكان كركوك من الناطقين بالكردية والتركمانية، فمارس التمييز القومي والتهجير وسلب الامان والسجن والملاحقات عليهم، لمجرد كونهم اكرادا او كونهم تركمانا. لقد كانت الحياة بالنسبة لسكان المدينة من هاتين القوميتين وخاصة الاكراد حياة مليئة بالمظالم والصعوبات وكانت تجري عملية "التبعيث" و اسكان الناطقين باللغة العربية باعداد متزايدة وبشكل مستمر. ان تلك الممارسات القمعية كانت جزءا وامتدادا لحرب قومية وحرب ابادة التي كانت يشنها البعث بوجه الجماهير في كردستان وخاصة في الثمانينات والتي راحت ضحيتها مئات الالاف نتيجة عمليات الانفال والقصف الكيمياوي لمدينة هلبجة وغيرها. كانت تلك ضريبة الالحاق القسري لكردستان بالعرا ق وضريبة لبقاء مدينة كركوك جزءا من ادارة النظام البعثي على صعيد العراق.
ان حل مسالة كركوك يبدء بالانقطاع عن هذا التاريخ وايجاد اسس انسانية وعادلة لتعويض ما تلقت الجماهير من المشاكل و الماسي في تلك الفترة. الحل ليس هو في فرض او طرح فكرة اعادة احد ولا في سلب حق احد من العودة الى بيته ومحلته ومدينته و تامين مستلزمات تلك العودة. ان صراع وتدخل القوميين بمختلف اصنافهم من القوميين الاكراد و قوات البيشمركة الى المسلحين القومين التركمان الى التيارات القومية العربية و الطائفية و قوى السلطات في بغداد ستزيد من ماساة و تعقيدات هذه المدينة. ان تنوع سكان هذه المدينة يجب ان يكون بمثابة عنصر الرقي الاجتماعي والتمتع بالحياة العصرية بكل تنوعها وابداعاتها وليس عاملا من عوامل الاحتكاك والعزلة والصراعات والحرب القومية.
ان تدخل السلطات الحاكمة وتحت تاثير التطورات الجارية في الوضع السياسي في العراق وكذلك تدخل قوى البيشمركة و قوى القوميين الاخرين في الصراع من اجل تقاسم المدينة واشتداد النزاع القومي فيها هي من المسائل الخطرة التي تواجهنا الان. فلا يمكن السكوت بوجه النعرات القومية للمتسلطين في بغداد او القوميين من اية قومية اخرى. يجب حل مشاكل مدينة كركوك حلا انسانيا وعلى اساس الهوية الانسانية الشاملة لسكانها وليس على اساس قومي واثني وطائفي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تقرر بالإجماع تجنيد الحريديم | #غ


.. مظاهرة في مارسيليا ضد مشاركة إسرائيل بالأولمبياد




.. الرئيس السابق لجهاز الشاباك: لا أمن لإسرائيل دون إنهاء الاحت


.. بلا مأوى أو دليل.. القضاء الأردني: تورط 28 شخصا في واقعة وفا




.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق