الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكد حلوة بغداد ..مو

ياسين النصير

2008 / 9 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


دونت في مفكرتي قبل أن أجتاز الحدود إلى العراق رقم تلفونه الخاص 07901918518 رقم من بين عشرات الأرقام التي علي أن أتصل بها عند وصولي إلى بغداد.
فوجئت أنه يتصل بي قبل أن أتصل به، متى نلتقي؟ وفي الثانية كنت في بيته، كان ينتظرني على ناصية الشارع.
ياأخي شكد حلوة بغداد، مو، كافي عاد إرجعوا، ابتسمنا ونحن ندخل مجمعاً سكنياً محروسا، ثم ندخل بيته المؤجر، بعد لحظات بدأ يتصل بالأصدقاء: ياسين هنا تعالوا، ثم كانت ألامسية التي حضرها جمع من مثقفي العراق: صادق الصائغ والدكتورعباس وعبد الرحيم ياسر ومقداد عبد الرضا وآخرين لا تحضرني أسماؤهم. ليلة حوار عراقي عن مشاريع الثقافة، عن الهجرة والعودة، ليستقر الحديث في نهاية المطاف عن المشاريع التي يتكفلها كامل شياع في مهمته الصعبة.
لا نوافذ مغلقة، ولاستائر تحجب عنا سماء بغداد،لاحرس يحرسون مخاوف المثقفين،كل شيء مطلق للريح، للفضاء، للأصوات، وللضوء. هواء تموز اللاهب يدخل البيت بلا استئذان بما فيه صوت المولدة الكهربائية التي تغذي المنطقة،هذا الأمان الذي كنا نستشعره كان غائبا عنده. قال لي في مرة سابقة عندما زرته في مكتبه بوزارة الثقافة : لماذا يقتلوني لا عداوة عندي مع أحد، وليس لي أي موقف شخصي، الإختطاف عملية قذرة، ولكن أتمنى لو أرادوا قتلي- وهو يضحك- أن يكون سريعا،نظرت إليه قلت هل هي دعوة لعدم عودتنا للعراق، قال: لا إنما أنا اخترت الطريق وعلي أن أستمر فيه فلا تراجع أو تخاذل، دونت كلماته في يومياتي وأسمعتها في أحاديثنا للآخرين.
جمع اللقاء في بيته كأي لقاء بين العراقيين حوارا وغناء وذكريات،وفي السابعة مساء كان علي أن أغادرإلى السيدية، خرجنا ننتظر سيارة تكسي تقلني، لكن الطريق بين الرصافة والكرح متقطعة الأوصال،لا أحد يقبل الذهاب في مثل هذا الوقت من المساء، عدنا للبيت ثانية، أكملنا السهرة ولم نكمل الأحاديث.
2
هو الإحتلال، هذا ما يراد أن يقال عن استشهادك ياكامل، كي يسكتوا عن الفاعل الحقيقي، نعم هو الإحتلال ولكن القوى التي تقتل تحت مظلته هي المسؤولة، فلا تغطية للجريمة باسم الاحتلال،أرادوا أن يضربوا في القلب، فضربوا الحزب الشيوعي، أرادوا أن يضربوا الثقافة التقدمية فقتلوا المثقف المتسامح، نريد من هذه الأحتفالية التأبينية أن تذكّر الجميع أن لا ينسوا دم كامل شياع، وأن لا تُطفأ قضيته وتسجل كأية قضية أخرى ضد مجهول،كيف يكون القاتل مجهولاًوالصمت الذي رافق الجريمة يشير إلى أكثر من جهة. نريد أن يكون صوت الثقافة بشخصية كامل شياع صوتا وطنيا، فاغتياله هوأغتيالها والسكوت عنه سكوت عنها ،نريد وباسمكم جميعا أن تقتص الدولة من القتلة حتى ولوبعد حين،فدم الثقافة لا يدخل في خانة المساومات والمصالحات،لأن موته ليس قضية شخصية كما يريد البعض أن يصورها،بل هو قضية وطنية أبعد حتى من أي مشروع ثقافي، وأقولها صراحة: أن خيوط المجرمين بدأت تطرق مدن أوربا فأنتبهوا.
3
تعرفت على كامل شياع عبراهتماماته الفلسفية المبكرة،لكن معرفتي الجيده به كانت في بلجيكا، يوم جئتها في عام 1995 من فرنسا ثم عندما أسسنا معا ثقافة 11 فكان ضمن فريق العمل،ثم تعرفت عليه أكثر عندما كنا سوية في فريق عمل الثقافة الجديدة،وإزدادت معرفتي به يوم استقدمته لمحاضرةفي هولندا في 29/7/1998 ضمن ندوات الصالون الثقافي فقدم محاضرته عن الحداثة والتحديث من وجهة نظر فلسفية ،ثم بدأت حواراتنا تتواصل بين مدن مختلفة.
4
في صباح اليوم الثاني، وبعد أن افترشنا طارمة البيت لنفطر ونشاهد سماء بغداد المغبرة، فتح كامل صنبور الماء ليسقي أخضرار الحديقةالمغبر،كانت ثمة قطة سوداء تشاركنا مائدة الإفطار،وبستاني يطرق الباب ليدخل محملاً بزهور للحديقة، وكنتَ يا كامل تشير إلى زوايا زراعتها، كنتُ أتأملك وأنت تشارك الفلاح تنظيف الحديقة، بينما القطة السوداء تعبرنا جميعا إلى خارج البيت، كانت بغداد مغبرةً، متربةً،لكن كل شيء كان نظيفا.
أنت تعرف يا كامل كم هو الحزب الشيوعي العراقي بحاجة إلى أيد عراقية أصيلة تمتد في قراه ومدنه وبواديه وجباله كي يوصل ما انقطع ويمهد لتوصيل ما سيأتي، إنه حزبنا الذي نفتخر بالإنتماء إليه، حتى لو كنا خارج صفوفه الآن. الحزب بحاجة إليك، بحاجة إلى مشروعاتك ورؤيتك، كان هذا آخر حديث لي معه على مائدة الإفطار.
بعد أن أنهينا الإفطار خرج معي لتأجير سيارة تكسي، لوح كل منا بيده للآخر، فكانت هذه آخر اللقطات في شريط حياته.
5
ستعود القطة السوداء لزاويتها،
لكنها لن تجد على مائدة الصباح قطعة جبن،
ولن يكون ثمة صنبور ماء منفتح على أخضرار الحديقة،
لأن ضوء البيت قد انطفأ.
وسيعود البستاني بشتلاته المزهرة من حيث أتى.
لا حديقة مخضرة بعد الآن،
سيغمر الغبار
الممر،
والحشائش،
والغرف،
وأحذيتك،
والشراشف،
ومائدة الطعام.
وسنعود نحن لأحزاننا.
فأي موت هذا الذي أحدثته في الأشياء؟.
البعض يموت وهو يصوب عينية على أسرته،
بينما أنت تستشهد في اللحظة التي تصوّب فيها عينيك على الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح