الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استهداف السودان

محمد سيد رصاص

2008 / 9 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم يكن السودان موضع اهتمام كبير في فترة(الحرب الباردة)1947-1989من قبل قطبيها،فيماحصل العكس بعد انتهائها،الذي تزامن مع وصول الإسلاميين للسلطة في الخرطوم يوم30حزيران1989،في وقت كانت واشنطن المنتصرة على موسكو تفضُ تحالفها مع الإسلاميين الذي انعقد ضد السوفيات وخاصة بعد غزوهم لأفغانستان27كانون أول1979.
في زمن الأحادية القطبية، أبدت واشنطن اهتماماً مركزاً بالسودان،ودخلت في مشاكله الداخلية وتفاصيلها،ولعبت بها،أوشجعت المحيط الإقليمي الإفريقي للسودان دون العربي على التدخل بها:كان المظهر لذلك هو وجود نظام اسلامي في الخرطوم دخل في حالة تفارق سياسات مع واشنطن،كما في(أزمة وحرب الكويت:آب1990- شباط1991)،وشجع حركات اسلامية معارضة للأنظمة الحليفة لواشنطن،مثل "تنظيم الجهاد الإسلامي"المصري،الذي أثبتت التحقيقات تلقي منفذي محاولة اغتيال الرئيس مبارك في مطار أديس أبابا(حزيران1995)الأوامر من قياديي"الجهاد"المتمركزين في السودان قبل أن ينطلقوا من هناك،فيماكان ابن لادن مقيماً في السودان آنذاك حتى 1996 وهو الذي أظهر مؤشرات منذ حادثة الإستهداف الأول لأحد برجي مركز التجارة العالمي(1993)أن تنظيمه،أي"القاعدة"أصبح اسمه"قاعدة الجهاد"في شباط 1998إثر توحده مع "الجهاد"المصري بقيادة الظواهري،قد وضع الولايات المتحدة في رأس أهدافه.
كانت اللوحة،آنذاك بالتسعينيات،تعطي مؤشرات على رعاية واشنطن لتحالف افريقي،من دول"منظمة إيغاد"= أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإريتريا،من أجل معالجة ملف جنوب السودان،وعلى تشجيعها لفرض العزلة على نظام الخرطوم من تلك الدول المحازية حدودها للسودان إضافة لمصر،فيماحصلت رعاية أميركية وثيقة لحركة التمرد الجنوبية بزعامة العقيد جون غارانغ،التي كانت بزمن (الحرب الباردة)في صف السوفييت وحليفهم الإثيوبي(هيلا ميريام)،وأيضاً للتجمع المعارض الذي ضم الأحزاب السودانية الشمالية بمافيها الشيوعيين.
أمام ذلك،كله،حاول (نظام الترابي - البشير)فك عزلته عبر فتح قنوات مع فرنسا التي سلمها(كارلوس)في عام1994،ومن خلال منح امتيازات نفطية للشركات الصينية،وأيضاً عبر إقامة علاقات وثيقة مع طهران:رغم هذا فقد ولدَت(اللوحة الدولية-الإقليمية-الداخلية)طريقاً مسدوداً أمام ذلك النظام،لم تنفع معه انفتاح كوات في تلك اللوحة،كماجرى في أعقاب التقارب الإثيوبي-السوداني عقب الحرب الإثيوبية-الإريترية في صيف1998.هذا أدى إلى انفجار التناقضات بين طرفي ذلك النظام حول الخيارات،التي تصادم قطباه من خلال"خيارات الدولة"و"خيارات الحركة الإسلامية"،حتى تم حسم ذلك الصراع في يوم12كانون أول1999عندما أبعد الفريق عمر البشير الدكتور حسن الترابي من السلطة.
قاد هذا إلى انفراج في علاقات النظام السوداني مع الدائرة الإقليمية،مع مصر والمحيط الخليجي العربي،وإلى تيسير سكة المفاوضات مع المتمردين الجنوبيين،برعاية"الإيغاد"،حتى الوصول إلى(اتفاقية مشاكوس)تموز2002،التي كان من الواضح فيها ميلان الأمور لصالح الجنوب في مواضيع(تقاسم السلطة والمناطق والثروة)،وهو ماازداد اختلالاً في(اتفاقية نيفاشا)كانون ثاني2005،التي أتت بعد أن ازداد ضعف نظام الخرطوم إثر نشوب تمرد دارفور في شباط2003،حيث كان من الواضح،منذ تفرد الفريق البشير بالسلطة،بأنه كلما قدم تنازلاً مرضياً لثالوث(المركب الدولي-الإقليمي-الداخلي)تزداد شهية الطرف الآخر أكثر من دون اعطائه صك الرضا الدولي،كما حصل مع العقيد القذافي منذ تنازله عن البرنامج النووي الليبي في الشهر الأخير من عام2003،كماأن(الدولي)كان يشجع(الداخلي)ضد أي محاولات لتبريد الوضع السوداني أوحلحلة بعض مشاكله،كما جرى في(اتفاقية أبوجا)أيار2006،لمااتفق نظام الخرطوم مع(حركة تحرير السودان)فصيل أركي مناوي،وبرعاية نيجرية- ليبية،على حل لأزمة دارفور،حيث شجعت واشنطن الفصيل المنشق عن (مناوي)بزعامة عبد الواحد محمد نور،وأيضاً(حركة العدل والمساواة)المنافسة،على عدم الإنضمام للتوقيع على تلك الإتفاقية،ثم على رفضها ،ماجعلها حبراً على ورق.
من هذا السياق يأتي القرار الأخير لمدعي عام (المحكمة الجنائية الدولية)،ضد رئيس الدولة السودانية، ليبيِن
بأن الأمور،التي بدأت بين واشنطن والخرطوم منذ أوائل عقد التسعينيات،هي أبعد من مظهر اسلامية حكام الخرطوم
،وخاصة إذا أخذنا فترة مابعد عام1999لماأظهر نظام الفريق البشير براغماتية قصوى أعطت استعدادية للمضي إلى آخر الشوط تجاه ماتريده واشنطن منه إن ضمنت بقاء نظامه،مثل نظيره الليبي،وتوقفت عن دعم عملية ابقاء السودان مشتعلاً،كما في دارفور الآن،أوقابلاً للإشتعال مثلما هو الحال في الجنوب الراهن وفي اقليم كردفان.
من الواضح أن قرار(لويس مورينو أوكامبو)ضد الفريق البشير هو سياسي أكثر منه قضائي،وهو يحوي مؤشرات على قطوع جديد ينوي(الدولي)وضع السودان على طريقه،مثلما كانت عملية(حصار آذار1991-آذار2003)مؤشراً على قطوع أراد(الدولي)وضع العراق عليه،ليتمثل هذا لاحقاً في أجندات حرب2003:هل هذا الإستهداف المنهجي من قبل واشنطن للسودان،والذي أصبح عمره عقدان من الزمن تقريباً،يجد تفسيره فقط في النفط الذي يعوم السودان فوقه من خلال اقليمي الجنوب ودارفور،أم أن الأمر أبعد من ذلك ليطال الإستراتيجيات الأميركية للقارة السمراء،التي يبدو أن آليات تنفيذها لايمكن أن تنطلق بدون قطع(وتفكيك) الجسر الواصل بين العرب والأفارقة المتمثل في دولة السودان،في وقت وضح فيه الإتجاه الأميركي إلى تهميش الدور الإقليمي جنوباً للدولة العربية الإفريقية الكبرى،ممثلة في مصر،التي مُنعت أميركياً (رغم النيل)من أي دور في قضية الجنوب السوداني،ثم حصل ذلك ثانية في مسألة دارفور،ليتكرر هذا في مشاكل القرن الإفريقي ،فيما أعطيت إثيوبيا- وأيضاً إريتريا المغضوب عليها الآن أميركياً بسبب عدم قبولها بالدور الإثيوبي في الصومال مادفعها للمشاغبة على ذلك بدعم المعارضة الصومالية وافتعال مشاكل حدودية مع جيبوتي- ذلك الدور المحوري الذي وصل إلى الرعاية الأميركية للغزو الإثيوبي للصومال،وقبلها أوغندا في مشاكل رواندا وبوروندي والكونغو والسودان؟.................










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي