الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب الروسي يستحق المحبة والمساندة

شاهر أحمد نصر

2008 / 9 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



"كل كائن يترك أثراً يفيض من جوهره، ويدل عليه حيثما مرّ.

إن حملت الريح عبق وردة تداعب نسيماتها أرق الحواس ستترك أثراً من رائحتها العطرة.

إذا مرّ بك إنسان طيب سيترك لديك أثراً طيباً، وإن مرّ بك لئيم ستعاني من آثار لؤمه. انتبه لم سيمر بك ومع من تتعامل.

إذا لاحظت دماراً ويتامى وثكلى في بلد منكوب، فاعلم أنّ الكوارث والمتوحشين مروا من هنا. يمر الغزاة عبر الحدود، فيتركون الويل والدمار الوحشي.

مرّ أصدقاء سوفيت، مرّ روس في بلاد عربية، فتركوا وراءهم السدود، والمصانع، والخطوط الحديدية... وغيرها من صروح الحضارة تعبيراً عن الصداقة الإنسانية الصادقة.

مرّ همج ببغداد، فخلفوا نهر دجلة داكن اللون من آثار جرائمهم. مرّ الإسرائيليون عبر مدن وقرى، فخلفوا الدمار والأوبئة والبؤس والظلام..." (من رواية: قدس الأقداس ـ الطبعة الثانية ـ دار المركز الثقافي ـ دمشق ـ 2007 .ص149)

عاودتني هذه الأفكار مع عودة الهجوم والتجني على الشعب الروسي، إثر ظهور بوادر مقاومته التوسع الأمريكي الغربي، وهيمنة القطب الواحد، ومحاولته التعبير عن ذاته قوة مستقلة عن الهيمنة والغطرسة الأمريكية.

لقد وجه استمرار إمعان الولايات المتحدة الأمريكية في محاصرة روسيا بضم حلفائها السابقين إلى حلف الناتو، وإقامة القواعد العسكرية قرباً من حدودها، وإصرار الولايات المتحدة على تقسيم يوغسلافيا واستقلال كوسوفو، وإقامة الدرع الصاروخي في دول أوربا الشرقية، ودعمها وتأليبها جورجيا لمهاجمة قوى حفظ السلام الروس في أوسيتيا الجنوبية والشعب الأوسيتي الذي يشكل الروس أغلبيته، صفعة للآمال التي أتت بها البيرسترويكا حول إمكانية التعايش ندياً مع الاحتكارات الرأسمالية، وكان ذلك بمثابة رسالة دفعت مع تراكمات سبقتها الشعب الروسي للاستيقاظ من أوهام إمكانية إقامة علاقة طبيعية مع الاحتكارات الرأسمالية العالمية، يكونون فيها شريكاً ونداً.

لو تمعنا ملياً في قضية القوقاز الملتهبة حالياً، وفي المستجدات الناجمة عنها إقليمياً ودولياً لتبين لنا مدى التشابه بين ما حصل في القوقاز وما يحصل في فلسطين (قضية العرب الأولى). لقد صنع الاستعمار إسرائيل في خاصرة الوطن العربي لإنهاكه، وإبقائه تحت رحمته.. وها هي إسرائيل تقوم بدعم وتسليح وتغطية أمريكية (القطب الواحد المهيمن عالمياً) بجرائمها في فلسطين، ولا أحد يستطيع محاسبتها لأن القطب الواحد في صفها دائماً مهما بلغت جرائمها شراسة وفاشية... وها هي الولايات المتحدة تعمل على تأليب إدارة جورجية يرأسها سكاشفيلي الذي تربى في واشنطن لخلق حالة مشابهة لإسرائيل جديدة في خاصرة روسيا تنفذ مهاماً غايتها إنهاك روسيا... من الضروري التفريق بين تصرفات إدارة سكاشفيلي الأمريكية الصنع وبين الشعب الجورجي العاطفي والمحب والغيور، لقد لمست صدق مشاعر ومحبة كثيراً من الجورجيين أثناء دراستي في موسكو. وللعلم يوجد أكثر من مليون جورجي في روسيا يعيشون بوئام مع الشعب الروسي...

لقد قامت قوات سكاشفيلي بتوجيه ضربة صاروخية شاملة ليلاً على قرى وعاصمة أوسيتيا الجنوبية، تبعتها بهجوم شامل بالمدفعية والدبابات في اليوم التالي على المدنيين الذي تعدهم جزءاً من شعبها، لتدمر قرى بكاملها وتدمر عاصمة أوسيتيا الجنوبية وتقتل ما يزيد عن 1500 مدني أعزل خلال 24 ساعة وتتبجح بالنصر وتحرير أوسيتيا، ولا نسمع كلمة إدانة أو حتى أسف من قبل الإعلام الغربي وإعلام الولايات المتحدة الأمريكية على هؤلاء الضحايا... بل إنّ الإعلام الغربي الذي تنساق وراءه بعض القنوات الإعلامية العربية عتم على العدوان، وعدّ ردّ الفعل الروسي بتوجيهه ضربة للمعتدي عدواناً... وخير مثال على ذلك تصرف محطة الـ:س.ن.ن. بصلافة إبان الأحداث مع مضيفتها الأمريكية القادمة من أوسيتيا لأنّها كانت تصف حقيقة العدوان الجورجي، إذ قاطعها المذيع قائلاً، هذا ما يريد سماعه الروس... وحدد لها وقت المقابلة بثلاثين ثانية ومن ثمن قطع المقابلة... وهنا تتجلى عنصرية الاحتكارات الرأسمالية وازدواجية المعايير لديها... فالضحايا روس لا يأبه المليار الذهبي بهم...

قامت قوات سكاشفيلي بهذه الجريمة (التي سمتها: الحقل النظيف) مباشرة بعد انتهاء التدريبات التي قامت بها تحت إشراف الخبراء الأمريكيين (تحت اسم: التصرف السريع)... ويعتقد الروس أنّ هذه العملية تمت إما بإيعاز، أو بإيحاء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية... واقترفت القيادة الجورجية هذه المغامرة وهي ضامنة غطاء وحماية القطب الأمريكي الواحد، تماماً كما تقوم إسرائيل بعدوانها المستمر تحت الغطاء والحماية نفسها... لكنّ القيادة الجورجية نسيت مع من تتعامل.. ولهذا السبب يعد الروس عدوان القوات الجورجية المسلحة والمدربة أمريكياً وإسرائيلياً على شعب أوسيتيا الجنوبية (الذي تعده جورجيا جزءاً منها) بدء تاريخ جديد لإعادة النظر في العلاقات الدولية السائدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهيمنة القطب الأمريكي الأوحد.

ومن هنا يتبين أن تداعيات الأمر لن تنتهي بسرعة، إنّها نتيجة تراكم طويل للصراع وللتناقضات التي تحمل في طياتها أموراً شتى؛ منها تطلع الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على موارد الطاقة في بحر قزوين، وحرمان روسيا من طرق نقلها، فضلاً عن سعيها لإقامة الدرع الصاروخي وضم الدول المجاورة، بل تلك الدول التي تعيش فيها نسبة ليست قليلة من الروس إلى حلف الأطلسي...

لقد بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود: قوات عسكرية تقتل مدنيين من أبناء شعبها، و(الديموقراطيات) الغربية (حامية حقوق الإنسان) صامتة... أليس هذا أبشع أشكال العنصرية وازدواجية المعايير.. أهذه هي الديموقراطية وحقوق الإنسان التي يبشرون بها؟!!!

لقد آن الأوان، بعد الغزوات الهمجية الجديدة التي تشنها الآلة العسكرية الهمجية وأعوانها (تحت ما سماه بوش بالحملة الصليبية الجديدة) في أكثر من مكان في العالم، لقد آن الأوان للشعوب أن تستيقظ، وتتعرف على حقيقة الكلام المعسول الذي يتشدقون به حول الديموقراطية وحقوق الإنسان... هذا لا يعني بتاتاً أن على الشعوب أن تتخلى عن نضالها في سبيل الديموقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان الفعلية، بل على العكس تماماً تبقى الديموقراطية وحقوق الإنسان الحقيقية وليس المزيفة هي المخرج الأساسي لهذه الشعوب من مآزقها...

أجل لقد استيقظ الروس، وأعلنوا أنه من الضروري إنهاء هيمنة القطب الواحد وازدواجية المعايير... ألا تتقاطع مصالح العرب مع هذه المهام؟!! ألا يستدعي ذلك الوقوف إلى جانب روسيا وتشكيل جبهة أممية تجمع القوى الساعية لإنهاء هيمنة القطب الواحد وازدواجية المعايير... أجل من الضروري أن نستيقظ، ونقف في الجانب الذي تتطلبه مصالح شعوبنا... المسألة ليست روسية أمريكية فحسب؛ إنّها أبعد من ذلك بكثير، إنّها تكتسي طابعاً إنسانياً عاماً، من الضروري أن نعرف موقعنا فيه، لدعم التوجه الإنساني السليم فيه بما يضمن مصالح شعوبنا.. إن التفرج في هذه الحالة يخدم الآخر.. علينا التروي والتمعن ملياً في هذه القضية والابتعاد عن ضيق الأفق، وهذا ما تقع فيه بعض الأصوات في بياناتها المتسرعة التي تتسم أحياناً بضيق الأفق طاعنة الصديق بالصدر وبالظهر...

تعد أحداث القوقاز الأخيرة كـ"الشعرة التي قصمت ظهر البعير"، قد يبدأ بعدها، كما بينا، تاريخ جديد، ستحدد موازين القوى معالمه... ومن الضروري أن تتحدد مواقفنا من خلال الإجابة على سؤال: كيف نريد للتاريخ الجديد أن يكون تلبية لمصالح شعوبنا؟!

إنها فرصة تاريخية، قد لا تتكرر في المدى القريب، على الشعوب التقاطها والتوحد لإنهاء الحالة الشاذة السائدة حالياً في السياسة الدولية.

لقد ضحى الروس بحوالي عشرين مليون شهيد لتحرير البشرية من طاعون الفاشية والنازية، لقد قدموا المساعدات لمختلف شعوب الأرض، وتآمر الكثيرون ضدهم... وتحالفت الرساميل العالمية ضدهم، ووجهت لهم صفعات قاسية كادت تدمرهم، لكنّهم تماسكوا، وأعادوا بناء دولتهم...

لقد وقف الشعب الروسي تاريخياً إلى جانب قضايانا، وها هو اليوم يدعو لبناء علاقات دولية جديدة، تلغي هيمنة القطب الواحد، وازدواجية المعايير، وتقوم على أسس الشرعية والقوانين الدولية... ألا تنسجم هذه المهام مع مصالح شعوبنا؟! ألا تستدعي الدعم والمساندة؟!

تذكرنا المواقف الروسية الجديد بقول مأثور يصف طبيعة الشعب الروسي مفاده أنّ: الروسي يتلكأ كثيراً قبل امتطاء جواده، لكن ما أن يمتطي الجواد حتى يعدو مسابقاً الريح..

أجل إنّ الشعب الروسي يستحق المحبة، والاحترام، والإعجاب، والمساندة في مساعيه الرامية لإنهاء حالة هيمنة القطب الواحد وازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا الشعوب العادلة..

طرطوس 8/9/2008 [email protected]











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي باشتباكات في جباليا | #


.. خيارات أميركا بعد حرب غزة.. قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ




.. محاكمة ترامب تدخل مرحلةً جديدة.. هل تؤثر هذه المحاكمة على حم


.. إسرائيل تدرس مقترحا أميركيا بنقل السلطة في غزة من حماس |#غر




.. لحظة قصف إسرائيلي استهدف مخيم جنين