الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعجاب كواجب وطني

علي ديوب

2008 / 9 / 11
الادب والفن



في ( العاصمة العاطفية)
لا أستطيع إخفاء حسرتي و إشفاقي على محبي زياد الرحباني، من مواطنيّ السوريين الذين صار من حقهم- غير المكتسب- فجأة، أو من الحق عليهم( = واجبهم) إعلان محبتهم جهرا لزياد، بصورة مشحونة بالعلانية في أكثر صورها صراخا. و ربما صخبا، إذا تصورنا المحرومين من الترحيب به لعلة لا تتصل بهم، بل بالمتحكمين بالحب و الكره و العطاء و الحرمان.. و لا أقصد بالمحرومين فقط أولئك المتمتعون بلباسهم الموحد، وراء القضبان- ممن ينتمون إلى ربيع دمشق و سواهم من جماعات الاصلاح بالطرق السلمية- بل أيضا أشباههم من المواطنين باللباس غير الموحد، في الجهة الأخرى للقضبان، و المتمتعين بالصبر على المكاره أو الراكعين على ركب الخوف و المعرفة. لست حزينا لعدم استتباب الالتفاف حول الفنان- الرمز. لدرجة التنزيه( و قبله تم رفع حزب الله فوق حق التناول بالنقد)، و استبداله بالحرية و الاستقلال بالرأي؛ بل أنا حزين بسبب هذا الأمر تحديدا. و أقصد بذلك الطريقة التي يسمح للمواطن في بلدي أن يبدي فيها مشاعره، أو يصرح بأي حق من حقوق البشر، في هذا العصر. فالحكام في بلدي لا يعترفون لا بالبشر و لا بالزمن نفسه، إلا كتعبيرات عنهم هم. صحيح أن مجرد الاعتراف بزياد الرحباني كان و لفترة قريبة من المحرمات، فانقلب اليوم إلى نوع من الولاءات الوطنية، و لكن هذا لم يتحصل عن حركة تقدم للزمن أو لمزامنيه. فلا يزال المواطن ممسوكا جيدا: يحب ما يجب، و يكره ما يجب، يتجاهل، يعتز، يستنكر، أو يقدس.. الخ على الصراط المرسوم، بريشة قوانين الطوارئ و الأحكام العرفية العسكرتارية، التي حولت البلد إلى ثكنة، و القضاء المدني إلى محاكم ميدانية، تسير بالوصاية الأمينة.
لا أريد أن أفهم خطأ، بأني أنتقص من حب المحبين لزياد، أو آخذ عليهم طريقتهم في ذلك.. فمرماي ليس هنا. و أنا لست من هواة المزاودة علي أحد- بل من دعاة و هواة السلم و التواصل و التفاهم بين المخلوقات، بمن فيهم غير العاقلة. و لكني أرتعد للسلوك الترويضي الذي لا يبدو أن بلدي، بكل ألوان المواطنين فيه، سيتحرر منه.
يحرم المناضلون من القتال مع العدو من خلال الحدود السورية، فيحترمون حرمانهم. و يسمح لهم أن يستخدموا موقعا آخر لهذا الغرض، في بلد شقيق، فيتجاهلون تبعات ذلك على أسرة الشقيق التي يصبح دوسها ممرا إجباريا للتشفي من العدو. و يصرخون بجرأة و إخلاص، حين يمنحون حق الصراخ على تلال مجدل شمس( معادلا ميثولوجيا للنضال ، بل و للتحرير: كم هو جميل أن تحرر المكان كل سنة مرة!). و حين درّبوا على نسيان لواء اسكندرون، تحول هذا إلى شأن غير مفكر فيه، أو ممتنع عن، أو على، التفكير- بحسب علي حرب- بعد أن كان ممنوعا فقط. فرفع فوق مستوى الخوض.
كان شيخ يقرأ على بعض المتحلقين حوله مأساة الحسين، و كان هؤلاء يتبعون طقسا أتقنوه منذ طفولتهم، حتى بات آليا. و كان أحدهم يبالغ في الندب و الصراخ، و يزحف أقرب فأقرب حتى ضايق الشيخ الذي تنفس الصعداء حين أتم القراءة. و لما سئل عن من سيدخل الجنة لم يستطع الشيخ أن يهرب من ذكر هذا المفرط في النواح، في عداد من ذكرهم؛ و لكنه انتقم لنفسه منه بأن نعته بعبارة قبيحة!
حين يكون المحبوب وفيا لعشاقه و لنفسه، حريصا على حريته و عليهم، يجوز أن يصرخ مستغيثا لنفسه و لعشاقه أن" ارحمونا من هذا الحب"( محمود درويش).
تبدو المجتمعات مجرد أدوات في اللعبة المخترعة. و كل يتعود دوره، ثم يتقبله، و أخيرا يفتخر به و يدافع عنه- بعد أن يكون قد تماهى به و تطابق مع تمثله لمفهوم القيمه.
حين تغلق كل السبل أمام الكائن، و تبقي على مخرج واحد، فإنه سيندفع خارجا بقوة من ذلك المنفذ- و قد وحّد بين هذا المنفذ و بين الحرية و الحب و السعادة.. بل و الحياة نفسها! هذه المبالغة في تثمين السبيل المفتوح لا تأتي إذن من قيمته الحقيقية؛ فقد يكون السبيل هذا أشد هولا من السجن، و لكن الإنسان يعبد ذاته، و لا يتحمل الإحساس بالتجاهل. حتى حين يبدو عليه أنه من الزهاد. و يختار لتحقيق غاية الغايات( القيمة) ما هو متاح من الخيارات. و حتى حين يكون السجن هو الخيار الوحيد أمامه، فإنه يقبله بإقدام. هل قبل سقراط تنفيذ حكم الموت به تحت شدة هذا الدافع؟
لن أماحك في حقوق زياد الإنسان و الفنان و المواطن السياسي- و هو ممن يجيدون اكتساب و فرض حقوقهم- و لكني كنت أنتظر أن أسمع كلمة تترجم فهمه العميق لمعنى الحب السوري- في تلك العاصمة التي وصفت بالعاطفية( الأخبار23 آب الفائت)، نسبة لطريقة تعامل أهلها معه- بأن يضعه تحت مجهره الميكروسكوبي، أو يحلله بعناصره الكيميائية الناقدة الفعالة، كفنان نفتقر لمن هو في مستواه عربيا. و ليست المحاولة بغريبة أو صعبة على صاحب أغنية رفيقي صبحي الجيز. كنت أنتظر أن أسمع منه تحية لجورج حاوي رفيقه أيضا، و تحديدا في سورية التي يسجن فيها مثقف اقترف ذنب التعزية بذلك الرجل.
قد أبدو أني أخوض في خارج حقلي. و لكي لا تنطبق علي شرارته التي وردت في البرنامج الإذاعي الشهير لزيا" العقل زينة" عن شخص يتدخل بين رفيقين يتعاركان بروح رفاقية- فأنا في الأخير لست رفيقا لزياد و لا جورج حاوي- أظل في نطاق عاصمة بلدي العاطفية و أسأل: ألا يعلم اللبنانيون مثل السوريين أن حرية تعليق اليافطات ليست من البراءة و التلقائية التي تتحلى بها العاطفة الحرة، في عموم سورية؟ و أن الحرية الموجهة في بلدي أشد إيلاما و مقتا من العبودية المفروضة؟
لو أن زيادا ما يزال في إطار الحظر و المحظور: هل كان ليعلم بزيارته أحد؟ و هل كان يتسنى حتى لأصدقائه أن يتبرعوا لتسجيل شريط له( إذا افترضنا توفر قدرتهم المالية )؟
بالتأكيد لست نادما على عهد الحب المهرب- يوم كنا نحتفي بزياد أو بمارسيل أو بسواهما- و لكني أشفق على الحب و الإعجاب و التقدير.. و كلها من جواهر الحرية الذاتية البسيطة.. أن تصبح عقبة أمام الحرية ذاتها: حين تغدو واجبا و طنيا. يقابلها الصمت المفروض عن النقد و الاختلاف، الذي تطال مقترفها شبهة الخروج عن الصف: تراااادف!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??