الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت والحياة في شعر محمود درويش

ثائر العذاري

2008 / 9 / 12
الادب والفن


لم أفكر كثيرا قبل أن أقرر أي صيغتي العنوان سأضع لهذه المقالة؛ الموت والحياة أم الحياة الموت، فشعر درويش لا يدع مجالا للتردد في اختيار الصيغة الأولى التي يتقدم فيها الموت على الحياة.
على الرغم من أننا لا نكاد نجد قصيدة من قصائده تخلو من ذكر الموت والحياة فإننا نلمس بوضوح أن الموت هو الأصل في عقيدة درويسش وفكره:

1. كمقابر الشهداء صمتك
2. و الطريق إلى امتداد
3. ويداك... أذكر طائرين
4. يحوّمان على فؤادي
5. فدعي مخاض البرق
6. للأفق المعبّأ بالسواد
7. و توقّعي قبلا مدماة
8. و يوما دون زاد
9. و تعودي ما دمت لي
10. موتي ...و أحزان البعاد!
11. كفنّ مناديل الوداع
12. و خفق ريح في الرماد
13. .............................
14. .............................
15. فرحي بأن ألقاك وعدا
16. كان يكبر في بعادي
17. ما لي سوى عينيك، لا تبكي
18. على موت معاد

قد لا يكون من الممكن لنا تصور افتتاح قصيدة غزل بذكر المقابر قبل قصيدة (المناديل) هذه، لكن الأهم هنا ذكر الموت على أنه يحل محل الحياة في اكتساب صفة الدوام، فالفلسطيني لا يموت وينتهي الأمر، بل هو يمارس فعل الموت كما يمارس غيره الحياة كطقس يومي متواصل ولذا فإن على حبيبته أن تتعود موته اليومي في السطر (10).
وفي السطرين الأخيرين:

مالي سوى عينيك
لا تبكي على موت معادِ

تتضح الفكرة وتتجلى، فموت الفلسطيني ليس نهايته كما هو غيره من الخلق، بل هو فعل نمطي يتكرر (معاد) كل يوم، أو هو الأصل في الوجود الفلسطيني.

إن واحدا من أهم عوامل اعتبار الموت هو الأصل في أعمال محمود درويش هو النظر إلى القبر على أنه كيان مادي راسخ في الأرض لا يمكن زحزحته عنها، في قصيدة أبي:

غضّ طرفا عن القمر
وانحنى يحضن التراب
وصلّي..
لسماء بلا مطر،
و نهاني عن السفر!

لنا أن نلاحظ صورة الأب يحضن التراب، فليس الموت سوى الاستقرار النهائي في الأرض، وفيها:

و أبي قال مرة:
الذي ما له وطن
ما له في الثرى ضريح
..و نهاني عن السفر

القبر في معادلات درويش يساوي الوطن، وكأن الفلسطيني يعيش ويكابد ويتحمل مرارة المقاومة من أجل هدف واحد هو الحصول على قبر في تراب الوطن، وهكذا يصبح الموت بداية الحياة الحقيقية بعد الوصول إلى الهدف.
في قصائد درويش يتمنى المحبين الموت على يد عشيقاتهم ويصبح الموت عندها أمنية صعبة المنال، في قصيدته (لمساء آخر):

....................
قصّتي كانت قصيرة
و هي النهر الوحيد
سأراها في الشتاء
عندما تقتلني
و ستبكي
و ستضحك
عندما تقتلني
و أراها في الشتاء .

حياة العاشق هنا محض انتظار للحظة يقتل فيها ليبدأ حياته الحقيقية أو حياته الهدف:

...............
كلماتي كلمات
و هي الأولى . أنا الأول
كنّا . لم نكن
جاء الشتاء
دون أن تقتلني ...
دون أن تبكي و تضحك .
كلمات
كلمات .

غير أن الانتظار طويل و(حياة الموت) تصبح حلما بعيد المنال. وفي واحدة من قصائد درويش هي (مطر) يعلن الشاعر عن إيديولوجية (حياة الموت) هذه:

.......................
يا جدي المرحوم! أهلا بالمطر
يروي ثراك. فلا يزال السنديان
من يومها يدمي الحجر!

إنه يخاطب الجد كما لو كان يسمعه، هذا الجد بموته واستقراره في الوطن القبر أصبح مصدرا للقوة التي مكنت السنديان من أن ينبت في الحجارة، لكن:

.................
يا نوح!
هبني غصن زيتون
ووالدتي.. حمامة!
إنّا صنعنا جنة
كانت نهايتها صناديق القمامة!
يا نوح!
لا ترحل بنا
إن الممات هنا سلامة
إنّا جذور لا تعيش بغير أرض..
و لتكن أرضي قيامه!

فـ(حياة الموت) عند درويش ليست هي ذلك المفهوم المعروف في الفكر الديني أو الميثولوجي، بل (إن الممات هنا سلامة)، فالفلسطيني عندما يموت ينبت في الأرض كما ينبت النيات ليعيش حياته التي يتمنى الوصول إليها، حياته في الوطن القبر.
وفي (وعاد في كفن) يلوم درويش أولئك الذين لا يفهمون معنى الانتقال من (موت الحياة) إلى (حياة الموت):

.....................
أنا رأيت جرحه
حدقّت في أبعاده كثيرا...
" قلبي على أطفالنا "
و كل أم تحضن السريرا !
يا أصدقاء الراحل البعيد
لا تسألوا : متى يعود
لا تسألوا كثيرا
بل اسألوا : متى
يستيقظ الرجال !

لا ينبغي أن تسأل عمن يلقى مصيره فهذا أمر بديهي، فهو راحل إلى حياة الموت لكن ما ينبغي السؤال عنه هو حال أولئك الميتين في الحياة كأنهم نيام فمتى يستيقظون من موتهم ليلحقوا بهذا الراحل إلى حياته الهدف؟

هكذا يعبر درويش عن المأساة الفلسطينية المريرة بقلب المفاهيم الإنسانية الطبيعية، فالفلسطيني يولد ليكابد ويتألم ويقاوم، حتى لتبدوا حياته مجرد رحلة شاقة إلى فبره، حتى إنه لا يملك ما يدفعه لحب الحياة والتمسك بها:

أحنّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!

هذا الفلسطيني الذي يتحدث في هذه القصيدة لا يجد في عمره شيئا يصلح أن يكون دافعا للحياة سوى دموع أمه التي يمكن أن يراها بعد رحيله إلى (حياة الموت).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب


.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي




.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي