الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى غزة!

أوري أفنيري

2004 / 2 / 12
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


  هل تريد أن تنجز صفقة حياتك؟

     اذهب إلى غزة!

     يمكنك السفر إلى غوش قطيف في مصفحة تضعها الدولة تحت إمرتك. وستحصل هناك على الفيلا التي طالما حلمت بها طوال حياتك، من طابقين وحديقة، مجانا تقريبا، فدولتنا غنية.

     ستقيم هناك الدفيئات وتربي الزهور أو الخضروات. كان يمكنك، في زمن مضى، أن تشغل العرب هناك، الذين كانوا يعملون بأجر متدن. لم يكن لديهم أي خيار آخر، فأراضيهم قد انتزعت منهم. أم الآن فقد أصبح هذا الأمر غاية في الخطورة، لذلك يجدر بك أن تشغل عمالا تايلانديين، فأجورهم أقل من أجور العرب.

     لن تواجه أي مشكلة قانونية مثل الحد الأدنى للأجور، الإجازة السنوية، تعويضات الإقالة ومثل هذه الترّهات الأخرى. القانون الإسرائيلي لا يطبق هناك. فالقانون المصري هو الذي يطبق في قطاع غزة وشروط التشغيل هناك ممتازة.

     يمكنك تصدير منتوجاتك إلى أوروبا. صحيح أن هذا الأمر يتم خلسة، بأسماء مستعارة غير أن هذه المنتجات ستصل في نهاية الأمر إلى الأسواق. يمكن للموظفين في بروكسل أن يغضبوا لأنك نقضت المعاهدة القائمة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. فليغضبوا، من يأبه لذلك. المهم هو أن يدر هذا التسويق أوراق الإيرو عليك.

     نعم، هناك مشكلة أمنية، فأنت و سبعة آلاف مستوطن تسكنون داخل بحر من الفلسطينيين الذين يصل عددهم إلى مليون. وستسلبون منهم فائض الأراضي الحيوية التي يملكونها ونصف مصادر المياه. لن يحبوكم، ولكن لا تخف جيش الدفاع الإسرائيلي سيحميك. كتيبة بأكملها لكل مستوطنة تسكن فيها عشرات العائلات، فيلق بأكمله مخصص لقطاع غزة. جنود كثيرون، جنود احتياط يكلفون غاليا، قواعد عسكرية كثيرة، وسائل نقل كثيرة وأموال كثيرة، فالدولة تدفع. 

     إذا اقتربت مستوطنتك إلى حي عربي أكثر من اللازم، وحدثت مشاكل، لا تجزع، فالجيش سوف يدمر البيوت القريبة "وسيعري" المنطقة. حينها سيكون بإمكان المستوطنة أن تتوسع وهذه الوتيرة ستكرر نفسها. المهم هو أمنك والأموال التي ستجنيها.

     هذه هي البداية فقط، فإذا تقرر إخلاء المستوطنات من قطاع غزة، وإذا تم تنفيذ ذلك القرار بالفعل (فالقرار والتنفيذ هما أمران مختلفان ولا يتعلق أحدهما بالآخر بالضرورة)، ستبدأ الأموال الحقيقية بالتدفق. ستدفع لك الدولة أموالا طائلة لكي تخرج من هناك بهدوء. هذا ما حدث عندما أخلى ميناحيم بيغن المستوطنات من سيناء، فقد حصل المستوطنون هناك على مبالغ ضخمة. من رفض قبول الأموال وأعلن بأنه لن يتخلى عن بيته مهما كان، حصل على أضعاف مضاعفة، وفي النهاية لم يرفض أي مستوطن قبول المال.

     كثيرون ممن تم إخلاؤهم من سيناء أخذوا النقود وابتُلعوا في الولايات المتحدة أو أستراليا، أما الأذكياء منهم فاستوطنوا في غوش قطيف، وسيحصلوا على التعويضات مرتين.

     المستوطنون في هذه الأيام يهرعون إلى ستوديوهات التلفزيون، يرفعون عيونهم إلى السماء ويقولون بأنهم يدافعون عن أشكيلون وعن أشدود وعن تل-أبيب، ولذلك يجدر بالدولة المفلسة أن تستثمر فيهم مليارات أخرى، فهم الصهيونيون الحقيقيون.

     يا لهم من مستوطنين غالين، ويا لها من صهيونية غالية.

     ولكن السؤال هو: هل يعني شارون ما يقول حقا، حين يتحدث الآن عن إخلاء كل المستوطنات تقريبا في قطاع غزة؟ 

     "تقريبا" – لأنه ينوي إبقاء ثلاث مستوطنات قائمة متاخمة للخط الأخضر. إنه أسلوب إسرائيلي واضح فعندما تخلي إسرائيل مناطق معينة، تستمر بالتشبث بركن واحد صغير بهدف استمرار النزاع وفي النهاية تخرج منه أيضا. فعندما أخلينا سيناء كلها بما فيها من آبار النفط ومدينة يميت والمستوطنات، رفضنا إخلاء منطقة صغيرة تدعى طابا، فاستمر النزاع هناك مدة طويلة. عندما انسحبنا من لبنان أبقينا الحزام الأمني. عندما أخلينا الحزام الأمني، بعد سقوط مئات القتلى الآخرين، أبقينا مزارع شبعا تحت سيطرتنا، حيث يستمر هناك القتل، في وقت يعد فيه شارون بإخلاء المستوطنات في قطاع غزة وينوي إبقاء ثلاث مستوطنات كذكرى (سوفونير).

     (مثله مثل ذلك الرجل صاحب الأسنان المسوسة الذي أراد خلعها ولكنه أراد إبقاء سن واحدة لكي تذكره كم كان يعاني من الألم).

     وفي هذه المرة أيضا، كغيرها من المرات التي لا نهاية لها، يتكهن الجميع: ماذا يقصد؟ هل الأمر جدي هذه المرة؟ هل يستحق فعلا القبلات والاحتضان (الكلامي) الذي يمنحه إياه شمعون بيرس؟ هل ظهر شارون أخيرا بمظهر كفيل ديغول؟ 

     إذن: يعرف الجميع بأنه "وتد" يأتي لإغفال الرأي العام عن فضيحة الرشوة التي يحقق معه فيها ضباط شرطة كبار. وأنه يأتي مؤشرا للمستشار القضائي الجديد للحكومة: "دخيلك"، إذا قمت بتقديم لائحة اتهام ضد شارون فستوقف بذلك عجلة السلام التاريخية، ويأتي أيضا ليبلغ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عشية زيارة شارون له، بأن شارون على وشك الإقدام على خطوة جدية، وعلى بوش أن يباركها وأن يمنحه عدة مليارات (ليدفعها للمستوطنين الذين سيتم إخلاؤهم).   

     غير أن هذا ليس مجرد "وتد". تنخرط هذه الخطوة في إطار استراتيجية شارون، فهو مستعد للتخلي عن إصبع لإنقاذ الجسد. إنه مستعد للتخلي عن غزة ومليون الفلسطينيين الذين يسكنون فيها وبعض المستوطنات النائية في الضفة الغربية، بهدف الحصول على الموافقة الأمريكية لضم معظم مناطق الضفة الغربية إلى إسرائيل.

     هذه الاستراتيجية ليست جديدة، فقد تخلى دافيد بن غوريون عن 22% من فلسطين في عهد الانتداب (أرض إسرائيل) لكي يسيطر على الـ 78% المتبقية، بدل 55% التي منحتنا إياها هيئة الأمم المتحدة. ميناحيم بيغن تخلى عن كل سيناء ليبعد مصر عن دائرة الحرب وليركز على السيطرة على الضفة الغربية. أريئيل شارون مستعد "للتخلي" عن غزة وعن 45% من الضفة الغربية ليضم الـ 55% المتبقية منها.

     هذه الخطوة من شأنها أن تكون خطوة "أحادية الجانب" دون موافقة الفلسطينيين، الذين سيتم حبسهم في قطاعات تحيط بها الأسوار والأسلاك الكهربائية الشائكة. هذه هي الفكرة التي سيبيعها شارون لبوش: ها أنا أخلي المستوطنات في قطاع غزة وفي قلب الضفة الغربية، رغم الصعوبة الجمة التي أواجهها. إنها خطوة جبارة نحو السلام. شمعون بيرس يقبلني. ولكن ليتسنى لي المضي في خطوة سياسية جبارة كهذه أنا أحتاج إلى بركة أمريكية واضحة ورسمية، وألا تقفوا في طريق ضم المناطق المتبقية.

     من المؤكد أن هذا لن يؤدي إلى السلام ولن يؤدي إلى الأمن. سوف يؤدي إلى سيطرة حركة حماس في قطاع غزة وفي القطاعات الفلسطينية. سوف يؤدي إلى ازدياد العمليات الانتحارية في البلاد والعالم. سوف يؤدي إلى حرب لا نهاية لها. 

     إلا أن شارون يعتبر هذه المرحلة مرحلة حاسمة في تحقيق أحلام الصهيونية، كما يفهمها هو. ستمتد دولة إسرائيل على 90% من البلاد أما بالنسبة لـ 10% المتبقية فالله قدير على كل شيء.
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح