الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عطش في خانقين وتناطح على الثروة والنفوذ

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2008 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


انفجرت الخلافات منذ مصادقة البرلمان العراقي على قانون 22 يوليو حول مشكلة كركوك والانتخابات المحلية ، بين قوى الكردايتي السياسي و قوى العروبة السياسية ، بشقيها القريشي والصفوي ، و تفاقمت هذه الخلافات منذ أوائل آب الماضي إثر دخول الجيش العراقي المتشكل على الأغلب من مليشيات بدر و زعران المهدي ومرتزقة الصحوات ، بهتافات بعثية تذكر بأيام ما يسمى " بحركات الشمال" العنصرية سيئة الصيت، إلى مناطق قره تبة و جلولاء ، وخانقين ، وإنزاله الأعلام الكردية ، رغم اعتراض القوى الكردية، ليدخل هذا الصراع العنصري بين الطرفين مرحلة جديدة . فهذا الصراع كما هو معلوم صراع قديم،ابتكرته القوى القومية المختلفة ، بمعادلات رأتها مناسبة لإدارته ، وحكم العراق البلد الملئ بالتناقضات العديدة وفقها. الصراع بين الطرفين ينذر بخطر نشوب المعارك و التناحر بينهما ، وقودها كالعادة الجماهير الكادحة ، و الفلاحين والرعاة الكرد.
أهالي خانقين يعانون اليوم العطش والتصحر بعد تجفيف نهر الوند التاريخي. فالبساتين والحقول تموت أمام أنظار المسؤولين الذين لا هم لهم سوى ملء الجيوب واستغلال مصائب الناس ومآسيهم . عطش الناس أصبح فرصة ثمينة للمسؤولين للقيام بتجارة المياه ، بالإتيان بها من إيران وبيعها بالقناني و الصفيح للأهالي. كما ارتفعت أسعار الخضار والمواد الغذائية ارتفاعا فاحشا بسبب إقدام العسكر بشرائها بأسعار مرتفعة . خانقين كانت أيام زمان معروفة بأسواقها الزاهية وحدائقها وبساتينها ، ودور السينما وكاروانسراياتها وخاناتها ، أصبحت اليوم صحراء لا ينعق فيها حتى الغربان ، وعيون المسؤولين وأصحاب السلطان مصوبة إلى مصدري ثروتها معبر المنذرية وحقول نفطها. أضافة إلى استغلالهم معاناة ومصائب أهلها بمختلف الوسائل الخبيثة.

إن تفاقم معاناة أهلنا في خانقين هو إحدى عواقب التناطح بين القوى المتنافسة على الثروة والنفوذ، و باسمهم. ولا يستبعد أن يكون ثمة اتفاق بين النظام الإيراني و القوى الحاكمة والميليشيات المرتبطة به في العراق على ذلك. والهدف واضح: هو تصحير خانقين و تعطيش سكنتها ، لإعلانها منطقة غير صالحة للحياة ، وثم السيطرة على منفذ المنذرية الحدودي الذي يدر ملايين الدولارات على من يسيطرون عليه ، و حقول النفطخانة النفطية الغنية . وما يظهر على السطح هو القمة الظاهرة لجبل الجليد المخفي في المحيط. التقارير الخبرية ، ومنها التقرير الذي نشرته جريدة الزمان ، و التي تسربت إلى وسائل الإعلام تؤكد ضلوع النظام الإيراني في كل صغيرة وكبيرة في العراق.
وجرت و تجري في بغداد توافقات مؤقتة لإعادة الأوضاع لإلى ما قبل أيام التأزم الأخير، لكن كل الوقائع في تاريخ هذا الصراع تشير إلى لا إمكانية ذلك ، إذ أن كل الاتفاقات و التناحرات التي حدثت بين الطرفين كانت تكتيكية و كيدية ومؤقتة بانتظار تغير موازين القوى ، سواء الداخلية، أو الإقليمية أو العالمية، فالتغيرات الكبيرة في السياسة الدولية لعبت الدور الأكبر في تفجير الأزمة الأخيرة. لقد جرى اختلال في توازن القوى بين الحركتين القوميتين العربية والكردية، ليس لصالح الأخيرة، كما حدثت اصطفافات جديدة في التحالفات والتعبئة السياسية على الساحة العراقية.
فمسير الأحداث يسير باتجاه ، يكشف مرة أخرى مدى انعدام الأهلية والكفاءة والمصداقية لدى القوى الكردستانية في ادعائها في قيادة الشعب الكردي، حيث لم يعد بيدها من سلاح إلا التصعيد القومي ، ونشر بذور العداء والعنصرية بين الناس. وخلف السموم القومية التي يبثها الطرفان ، تكمن مصالح مادية و سياسية ، كل الأطراف طامعة في خيرات كركوك وخانقين ، و تتطلع للاستئثار بها.
الوثيقة التي وقعها مسئولو جيش القدس ، و مقر رمضان للعمليات ، و ممثل مرشد الثورة الإسلامية ، ووزارة المخابرات ، و التي أشرنا إليها تكشف في هذا المجال الدور التخريبي للنظام الإيراني ، في دعم حكومة المالكي و القوى الإسلامية والقومية ، في لي ذراع الأحزاب الكردية. الوثيقة تؤكد على وجوب إضعاف دور الأحزاب الحاكمة في كردستان العراق ، وتقليل نفوذها في حكم العراق ، بدون أن يتم طردها نهائيا من العملية السياسية . ووفق هذه الوثيقة توصي الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يسيطر الجيش العراقي بقيادة ضباط موالين أو أصدقاء لإيران على خانقين و محافظة ديالى . وتم التأكيد في الوثيقة أن القوات المسلحة الإيرانية ،المخابرات الإيرانية تستخدم الأراضي العراقية و تدخلها بدون موانع ، وأن تقوم بضرب مواقع مجاهدي خلق المعارضة.

إن ما نقرأه في وسائل الإعلام للطرفين عن ادعاءات الأحزاب الكردية عن خلافات مع الأحزاب و التيارات القومية الإسلامية العراقية ، حول تنفيذ البند الفلاني من الدستور، أو إدارة هذه البلدة الكردية ، أو تلك، لا يعبر عن حقيقة المشكلة. فالصراع أعمق من كل ذلك، وجذوره تضرب في تاريخ العرا التاريخيةق المعاصر، وأعمق، إضافة إلى أن له صلة وثيقة بتوازن القوى في هذه الفترة بين هذه الأحزاب والتيارات.
ففي العراق المحتل يكون السبق للحزب الذي يملك مالا أكثر، و مسلحين أكثر عديدا وعدة، لذلك استطاعت الأحزاب المعروفة اليوم السيطرة على الشارع العراقي، وإقامة سلطاتها. وإن أبرز المشاهد في عراق ما بعد 2003 هو صراع القوى الدولية ، وتأثيرها على الأحداث في المنطقة ، وأن العراق ساحة الحسم ، وانتزاع النفوذ .

في بداية احتلال العراق لعبت الأحزاب الكردية الحاكمة في كردستان العراق ، والأحزاب والتيارات الشيعية المدعومة من النظام الإيراني ، و برضا أمريكا و إسنادها ، الدور الرئيسي في رسم مصير العراق. فهذه الأحزاب كانت ولا تزال مسلحة ، ولها مقاتلوها. وإن العامل المشترك الذي جمع كل هذه التيارات المتناقضة كان حاجة أمريكا وإيران لاستمرار سياستهما و تدخلهما في العراق، ما استوجب عليهما " أمريكا وإيران" رغم توتر العلاقات بينهما، حماية هذه القوى، والتأليف بينها.
لقد كان اتفاق الأحزاب الكردية ، والقومية والإسلامية العربية على تشكيل حكومة ائتلافية في العراق رغم تناقض مصالحها المحلية و الإقليمية والمستقبلية ، انعكاسا واضحا لمصالح أمريكا وإيران لإسقاط النظام البعثي وإزالة آثاره. لقد تم إسقاط النظام البعثي ، ويشعر النظام الإيراني بالقوة والزهو لازدياد نفوذه في العراق ، و قيامه مخابراته و الموالين بالانتقام من أركان النظام البعثي الذين كان لهم الدور البارز في محاربة إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، فالشعور العام أصبح أنه لم يعد ثمة أساس عمل مشترك وهدف مشترك بين أمريكا والنظام الإيراني ، فعادت الهوة تتوسع بين القوى القومية الإسلامية الكردية و العربية .
لقد اضطر القوى والتيارات الحاكمة في بغداد صيانة اتفاقاتها الهشة والتي كانت انعكاسا لأهداف وسياسات أمريكا وإيران ، مع حزبي السلطة في كردستان العراق لوجود قوى وتيارات خارج سيطرتها ، وعدم استتباب الأمن ، و ضعف قوات الأمن والجيش. لقد جمع هدف إسقاط نظام صدام أمريكا وإيران، لكن استقرار العراق و ترسيخ نظامه السياسي قد فرق بينهما، ما انعكس على كل القوى المرتبطة بشكل ما بالدولتين.
إن التحولات الجارية على سياسة أمريكا الدولية تعكس من بين ما تعكس التنافس الجاري بين الديمقراطيين والجمهوريين في الانتخابات الأمريكية، الذين لا يختلفون في السياسة الإستراتيجية التي هي عظمة أمريكا وهيمنتها على العالم.
كل التغيرات والتحولات في العالم تنعكس في العراق، فتغيير سياسة أمريكا تجاه " محور الشر" انعكس فور ومباشرة على الموقف في العراق. فانفتحت السفارات العربية واحدة بعد أخرى في بغداد، ومباحثات تجري بين الإدارة الأمريكية و كل من سوريا و كوريا الشمالية وإيران، كما تم إشراك حزب الله في الحكومة اللبنانية، ومنحه سلطات واسعة، و أيضا اتفاقات فلسطينية إسرائيلية على الأبواب.
فبعد توجيه ضربات موجعة للقاعدة والمعارضة المسلحة في العراق، وتطبيق سياسة فرض القانون والقيام بترويض جيش المهدي و قوى أخرى ، أخذت حكومة المالكي تشعر بالقوة ، وتريد فرض سيطرتها على المناطق الكردية خارج إقليم كردستان ، وتبيت النية للسيطرة على كردستان أيضا. و هذه السياسة تحظى بدعم كل العنصريين والشوفينيين ، من قوميين بشقيهم القريشي و الصفوي ويسار قومي وإسلامي و .. ما ينذر بتفجير الوضع، و خلق مأساة إنسانية أضافية في العراق.
2008-09-11









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو