الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارتكاس في مكابدات المسافات : تكريس(قراءة في قصيدة - المسافات عناق - للشاعرة آمال بوترعة )

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2008 / 9 / 13
الادب والفن



بأي من ادوات الاشتباك مع الذات نرسم حدود المسافات ..، المسافات التي تفصلنا عن لحظة الغياب او التماهي في جلال لحظة الحضور ؟
بمثل هذا السؤال المترع بمديات الافاضة ، تتصدى الشاعرة آمال بوترعة للاختلاء بتفاصيل انقسامات الروح او تعدد مسارب الانهمار في (غرف ) ارتباكها :

كلما قلت أحبك .

لنبدأ عملية الوقوف في حضرة الشعر ، علينا ان نوقف صوت التأريخ .. ، هذا ما يقوله مداد حجر الاحتراق في صوت الشاعرة آمال بوترعة .. وهي اذ تلملم لنا مويجات الانقسام على (ما فاض عنا ) من (اقاليم الجفاف ) ، فانها تضعنا تحت سقف من رخام الارتباك الذي يخالط الروح لحظة اعادة صياغتها لتوائم انشطارات المسافات التي تفصلنا عن جمرة عناقها .
المسافات عناق .. هذا ما اقترحته الشاعرة كمفتتح لقصيدتها (عنوان) .. وللنظر في الموجبات الدلالية لمثل هذا الاقتراح ، علينا اولا ان نوسع مدى المسافات التي نتلقف من خلالها البنية الاشارية لمدلولات النص التي احالت المسافات (في اللغة دلالة البعد) ، ولكن في الشعر تنقلب بها المصادرة الجدلية لفقاعة المعنى اللغوي ، الى تقابل ضدي ليحيلها الى : عناق ! ولحظة التعامل مع غدق قيامة الشعر تفرض علي نحت (الفتوى) القرائية التالية : الشعر أرستقراطي ، يفرض ولا يفرض عليه : اجتراحا وارتكابا ، لانه اضطرار ، بحسب الاخفش ، الشاعر .
وهذا ما تحرص الشاعرة بوترعة على تقريره من لحظة ولوجها الاولى لهيبة الشعر وسطوته ..

الذي يولم نفسه للغياب ..

يعرف ان الكلام في غرفة الروح

اعلى من سقف يغطي ارتباك ما فاض منا من اغان .

مثل هذه اللغة السلسة والجملة الشعرية المتراصة ، مع طراوة شعريتها ،
تضعنا ازاء حالة تلقي يتوازى فيها فعل الذهول الشعري مع اندلاع سعير الانفعال بتراتبية تصاعد رغبة الايغال في ذروة الاكتواء بجمرة الشعر .. وهي حصيلة جهد فني يميز بصمة الشاعرة بوترعة ويدلل على وعيها المختمر بحسن استخدام ادواتها في خلق (فعل) الشعر .

كلّما ارتفع الشجر قرب ما ننسى من التفاصيل..
تزداد الرّوح انقساما ...
كلّما قلت احبك..
أهذي أو أخاف...
كلّما قلت احبّك....
سارت بي موجة نحو أقاليم الجفاف...
لأصوغ روحي من جديد....

الشاعرة تعمد الى استخدام تقانة التضاد المتقابل من اجل اشاعة حالة ارباك لحظة التلقي لتحاصره بجو القصيدة وحده وتفصله عن جزئيات الاختراقات الخارجية ..
ارتفاع الشجر ..... نسيان التفاصيل .... انقسام الروح
مشاعر الحب ......... الهذيان والخوف
مشاعر الحب ............. اقاليم الجفاف
ومثل هذا التضاد الهارموني يمنح النص زخما انفعاليا / ايصاليا يستوفي اطر الفعل الشعري ، وفي بنيته الاشارية والترميزية على وجه الخصوص . انها عملية تجسيد عبر زخم تصويري غض ومفعم: ففي لحظة الذهول تحت سطوة مشاعر الحب تتفلت خيوط الذاكرة عن كثير من التفاصيل ، لازهدا بها ، بل لتزاحم دفق الاكتواءات وتعدد زوايا تسرب رعشاتها في مسارب الروح التي تتشظى انقساما لتعيد صياغة لون لهفتها قبل ولوجها اقاليم الجفاف التي تترصد ملذاتنا .

اقول :
سلاما علي وعلى الباب الذي يرتدي الخاتمة
لا شأن لي الان بليلة تطير من كفي
وتضيء هذا الرماد
لا شأن لي بموت ... يسبق الحادثة
وامام زخم الفعل الحياتي ، حيث تتساوى في النهاية ، كثير من صحف الفعل بردودها ، وتنغمس اطراف الاصابع في مجمرة الارتخاء : مللا احيانا وتوقا احيانا اخرى ... وندما ايضا – الندم مرآة متربصة بوجه النشوة ! – يحل فعل الارتكاس والارتداد في النفس – لتنكص وجوه كثيرة من ارادة الفعل الى مرآة الظنون والهواجس ... ولكن مهلا ! لان الشاعرة لا تعلن استسلامها ، بل تعلن ترفعها عن هذا الخذلان ، الذي لايبرر حضوره سبب مستساغ غير هواجس الاقنعة ! ولهذا تعلن الشاعرة بصوت مسمعوع ..
لا شأن لي (الان) بليلة تطير من كفي
وتضيء هذا الرماد
لا شأن لي بموت يسبق الحادثة
ولولا وجود هذه (الان) لاعلنت ان الماء الذي تفجر من ينبوع الشاعرة قد بلغ مصبه ! ولكنها سرعان ما تعود لتتذكر ان الانسان وطر مضاف وعليه ان لا ينسى هذا ، لا يأسا ، بل انسجاما مع قوالب الذاكرة الجمعية ، عندما يعود التأريخ ليمد رأسه معلنا حضوره القمعي ، ويتمدد في تضاعيف الذاكرة ..
أكان من حقي ان أمشي في شارع الليل
حين يسيل من القصائد دم العاشقين ؟
أكان بوسع اللغة ان ترقص على ايقاع
جروحي الكسيحة ؟
ولان رخام الارتباك يفترش مديات غير محسوبة من رفوف ذاكرتنا الفردية و الجمعية ، فان الشاعرة تلجأ لخيار التساؤل عن موجبات حالة الارتكاس التي تصفها بـ (جروحي الكسيحة) ، لان الشك – وهو اول اسباب الشعر ومحرضات الشاعر على فعل الكتابة – يستوقفها عند ناصية كل فكرة ..
أكان من حقي ان أمشي في شارع الليل
حين يسيل من القصائد دم العاشقين ؟
الليل مرج من غيوم .. يصهل بكل الاسئلة المواربة او التي تخاتل التغييب .. شوارعه المواربة ، تمهد للخطوات ارصفة من مستحيل اللغة ومداد التخييل .. واذ تتسائل الشاعرة آمال بوترعة عن حقها في وطء بكارة العتمة واسرارها المشاغبة ، فانها تضعنا ازاء خيار التقرير باحقية استرداد الجسد لملف ملذاته من ذاكرة المكابح ، محررا من هوامش فقهاء (الظاهرة الصوتية) ونشره كمرآة ناصعة بلمعان مباهجها ومن دون اقنعة ؟ الجواب تقترحه الشاعرة بصيغة السؤال هو الآخر ..
أكان علي ان اصدق ... من لبس عريه ؟ الاجابة الحتمية ، تحت سقف الشعر وخارج جدران التأريخ ، حتما سيأتي مواربا ، ولكن دون تشاكل (معرفي) بل استفهامي وبقصد التشريع – بمعنى الفتح - امام رياح التقليب والتعرية ، لانها تجيب باللغة عينها – لغة الاستفهام التقريري ..
أم أقول للكلمات كوني آنية للشمس ..،
وكوني غيابي المستمر عن الذكرى ؟
وفي الحالين سترفض الكلمة مثل هذه (الكينونة) لانها ليست صليبا ، بل سفر ومديات لتخوم التخييل والانعتاق . وهذا ما يشكل حجر الزاوية في ذاكرة الشاعرة وتعيه تماما ، لانها تقترح ..
أغلق الباب كما يغلق العاشق قلبه في الليل
ويستسلم للماضي ... وللغزالة والمستحيل ..
على ماذا يغلق العاشق قلبه في الليل يا آمال ؟ على أي امل ووجع ؟ أليس على أمل ان تكون المسافات عناق ، كما اقترحت علينا في عنوان القصيدة ؟ لانك ترسمين صورة هذا (الغلق) بلوحة تستعيرين لها كل انوثة القمر وجلال بهائها ..
ياله من دم مبهم ...
يكتب الغريب على بابه :
المسافات (ستكون) عناق !
وها هي تصل بنا الشاعرة الى لحظة انفاث التوتر ، لانها تختتم هذا السفر الى اقاصي رغبة المستحيل ، بما اقترحته عنوانا له : المسافات عناق . وهل اجمل من عناق الاشتياق الا لوعة انتظاره ؟

""""""""""""""""""""""""""""""""""""
المسافات عناق

امال بوترعة



الذي يولم نفسه للغياب..
يعرف أنّ الكلام في غرفة الروح
أعلى من سقف يغطي ارتباك ما فاض عنّا من أغان...
كلّما ارتفع الشجر قرب ما ننسى من التفاصيل..
تزداد الرّوح انقساما...
كلّما قلت احبك..
أهذي أو أخاف...
كلّما قلت احبّك....
سارت بي موجة نحو أقاليم الجفاف...
لأصوغ روحي من جديد....
أقول:
سلاما عليّ وعلى الباب الذي يرتدي الخاتمة..
لا شأن لي الآن بليلة تطير من كفي
و تضيء هذا الرماد
لا شأن لي بموت يسبق ...الحادثة
أكان من حقي ان أمشي في شارع الليل..
حين يسيل من القصائد دم العاشقين؟
أكان بوسع اللغة أن ترقص على ايقاع
جروحي الكسيحة؟
أكان على خيله أن تركض فوق رمال القريحة؟
أكان عليّ أن أصدق ...من لبس عريه؟
أم أقول للكلمات كوني آنية للشمس..
وكوني غيابي المستمرّ عن الذ كرى...
أغلق الباب كما يغلق العاشق قلبه في الليل..
ويستسلم للماضي..وللغزالة والمستحيل..
يا له من دم مبهم
يكتب الغريب على بابه....
المسافات عناق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد


.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??




.. الفنان سامو زين يكشف لصباح العربية تفاصيل فيلمه الجديد


.. الفنان سامو زين ضيف صباح العربية




.. صباح العربية | الفنان سامو زين ضيف صباح العربية