الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجمة أميركية على الأجسام المطوّرة جينياً

سوزان جورج

2002 / 5 / 27
الطب , والعلوم


 

SUSAN GEORGE

إن إطلاق حرب كونية أميركية "بلا حدود" ضد "الارهاب" لم يكن النتيجة الوحيدة لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001. فلقد سمح الارهاب أيضاً للسيد جورج دبليو بوش بأن يفرض باسم الشعور الوطني موافقة مجلس النواب، وبأقلية ضئيلة (216 صوتاً ضد 215) على قانون منح الصلاحية من أجل التنمية التجارية الذي سُمّي من قبل "الطريق السريع". وإذا ما ذهب مجلس الشيوخ في الاتجاه نفسه فسيكون في امكان الحكومة ان توقّع معاهدات دولية تجارية يجوز للكونغرس أن يوافق عليها، أو أن يرفضها وإن كان الاحتمال الأخير ضئيلاً. وبدون هذا الاجراء سيفقد المفاوضون الأميركيون صدقيتهم بين شركائهم الذين يخشون أن تطرأ تعديلات برلمانية تفرغ القوانين لاحقاً من مضمونها.

  وقبل القرار النهائي للكونغرس، كان المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد في الدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001 حقق فجوة في حركة النضال ضد العولمة الليبيرالية ونجاحاً أكيداً في أوساط عالم الأعمال [2] . فقد أطلقت مرحلة جديدة من المفاوضات في مختلف الاتجاهات، يزعم أنها "للتنمية" لتحل مكان دورة الألفية التي فشلت فشلاً ذريعاً في سياتل في كانون الأول/ديسمبر عام 1999. ومن المجالات العديدة التي تناولتها يبدو موضوع البيئة الأكثر حساسية في الوقت الحالي.

  وإذا كان هذا الموضوع قد ذُكر في البيان الختامي لمؤتمر الدوحة، فذلك في شكل أساسي بضغط من الاتحاد الأوروبي، تسانده اليابان والنروج وسويسرا، فيما عارضته الهند بشدة، تجاريها في ذلك الى حد ما معظم الدول النامية إضافة الى الولايات المتحدة. لكن ثمن إدراج الموضوع هذا كان مرتفعاً وحتى باهظ الثمن. فمن ناحية أولى، وبفعل بند مقيد بالغ الأهمية، فإن نتائج المفاوضات المقبلة حول الموازنة ما بين قوانين منظمة التجارة العالمية والمعاهدات المتعددة الطرف حول البيئة، لن تكون ملزمة الا للدول التي وافقت على المعاهدات المتعددة الطرف، وهذا ما سيشجع جميع الدول لتحذو حذو الولايات المتحدة السيئ في عدم التوقيع على أي اتفاق أو في التنصل من التوقيع. ومن ناحية ثانية، وفي تعارض كلي مع الأهداف المعلنة، فإن هذا قد يطلق يد منظمة التجارة العالمية في المعاهدات الدولية حول البيئة، وهذا ما تتمناه أوساط عالم الأعمال خصوصاً في مجال تكنولوجيا الاحياء.

  ويبدو أن لدى المفوض الأوروبي لشؤون التجارة، السيد باسكال لامي، النظرة نفسها. فقبل توقيع بيان الدوحة كتب الى صديقه روبرت زوليك، الممثل الشخصي لرئيس الولايات المتحدة في شؤون التجارة الدولية بغية طمأنته: "لقد أطلعتني على القلق العميق من جانب حكومتك وخصوصاً في ما يتعلق بتجارة المنتجات البيوتكنولوجية، وبتطبيق الجوانب التجارية من المعاهدات المتعددة الطرف الحالية والمستقبلية حول الأمن البيولوجي، معبّراً عن خوفك من أن تستغل أوروبا المفاوضات المقررة في الدوحة كوسيلة لتبرير الضوابط غير الشرعية في وجه التجارة. ففي هذا الاطار، وكمفاوض عن المفوضية الأوروبية، أكتب اليك كي أطمئنك الى أن هذا لن يحصل. كما أريد أن أؤكد لك أني لن استغل هذه المفاوضات كي اغيّر التوازن في الحقوق والواجبات القائم داخل منظمة التجارة العالمية في ما يتعلق بمبدأ الوقاية" [3] .

  وللجملة الأخيرة من هذه الرسالة دلالتها الوافية، فقد كتب المفوض أنه ليس من المطروح أن يطالب الاتحاد بتعزيز مبدأ الوقاية، وليس مطروحاً في نوع خاص أن يطلب عكس مهمة تقديم الدليل في مجال الأمن البيولوجي، فالبلد او مجموعة البلدان التي لا تريد استيراد انتاج ما (كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي بالنسبة الى البقر المغذى بالهورمون) ستبقى مجبرة على تقديم الدليل على أن هذا الانتاج يشكل خطراً، فيما يبقى المصدر من جهته معفى من تقديم الدليل على سلامته، وهذا التسليم كان على الأرجح هو التعويض الذي فرضته واشنطن كي تسمح بإدراج موضوع البيئة في البيان الختامي.

  وهذه الاجراءات الطيبة من جانب الاتحاد الأوروبي قد يكون لها، مستقبلاً، انعكاسات في المجال الجوهري للأجسام المطورة جينياً، كون الولايات المتحدة لا تكنّ لأوروبا المشاعر نفسها التي يكنها لها (أي للولايات المتحدة) المفوض لامي. فلم يكد يمضي شهران على مؤتمر الدوحة حتى كان السيد زوليك في الواقع يزيد من ضغطه موحياً أن إدارة بوش ستواجه على الأرض أشكال "التأخير" الأوروبية في السماح باستيراد أجسام جديدة مطورة جينياً، كما ستواجه موضوع نشر التعليمات المتعلقة بمصدر الاجسام وقائمة المواصفات الخاصة بالمواد التي تحويها.

  ولنذكّر بأن الاتحاد أرجأ منذ العام 1998استيراد أجسام مطورة جينياً جديدة. ومجموع ما اقترح على المجلس والبرلمان الأوروبيين في تموز/يوليو عام 2001 من اجراءات حول احتمالات الضرر وبطاقة التعريف لهده المنتجات، يبدو هو الخيار الذي اعتمدته المفوضية من أجل السماح بعمليات استيراد جديدة. ولكن من اجل إمرار الضرب سيترك للمستهلكين "الخيار" بين المنتجات التي تحوي أجساماً مطورة جينياً وتلك التي لا تحوي منها. لكن الولايات المتحدة لا تريد أن تسمع كلاماً عن التأجيل ولا عن قواعد السلامة او بطاقات التعريف. فبالنسبة اليها لا تمثل هذه المنتجات أي خطر، ونقطة على السطر [4] .

  وفرنسا هي حالياً الركيزة الأساسية بين الأقلية التي تقف في وجه الأجسام المطورة جينياً في اجتماعات مجلس الوزراء الأوروبي الخاص بالبيئة، تضاف اليها الدنمارك (التي يمكن أن يتغير موقفها مع تشكيل حكومة يمينية جديدة فيها)، ثم اليونان والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورغ. وهذه الاقلية هشة وهي تتعرض لمواجهة عنيفة. فعشية مؤتمر الدوحة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001 كانت 64 من أقوى المجموعات والجمعيات لدى المنتجين الزراعيين الأميركيين (ومنها شركات "كارجيل" و"مونسانتو" و"فارم بورو" و"غوسري مانوفاكتورز"، الخ) والتي تحقق مليارات الدولارات من التصدير، تكتب الى وزيري التجارة والزراعة، كما الى السيد زوليك، مستنكرةً ما يطبقه الاتحاد الأوروبي، من مبدأ الوقاية الى "الاجراءات غير الشرعية وبقية العوائق التقنية في وجه التجارة". وقد أجبرت هذه المنظمات الحكومة على الاستمرار في الاسماح بالاستخفاف باتفاقين في إطار منظمة التجارة العالمية، هما الاتفاق المتعلق بالاجراءات الصحية والأمن الزراعي والاتفاق المتعلق بالعوائق التقنية في وجه التجارة.

  ويزعم اللوبي الأميركي، تدعمه كل الآلة الحكومية في واشنطن، أن التأجيل الأوروبي يفوّت فرصة تحقيق أرباح بقيمة 300 مليون دولار في تجارة الذرة فقط، وهو يشدد الخناق اكثر إذ تراوده فكرة الاحتكار الأميركي المحتمل على جميع المنتجات الزراعية المطورة جينياً. أما مجموعات البيوتكنولوجيا الأوروبية الكبرى، وقد احبطتها حركات الاحتجاج فإنها تخلت في الواقع عن الزراعة لتركز على المجال الصحي [5] . وفي كانون الثاني/يناير عام 2002، ذكّرت وزيرة الزراعة الأميركية، السيدة آن فينيمان، في خطاب ألقته في أوكسفورد، بأن الولايات المتحدة من جهتها تستند الى "العلم اليقيني" فيما هناك في أوروبا و"للأسف مبدأ معاكس، يسمّى مبدأ الوقاية، يبدو أنه يعتمد على مجرد معطى نظري بوجود خطر... وهذا المبدأ قد يقف بكل سهولة في وجه بعض المنتجات الزراعية الواعدة أكثر من غيرها وخصوصاً تلك المستنبتة عبر البيوتكنولوجيا." وبعد ثمانية أيام كان مساعدها السيد آلان لارسن يزايد عليها في بروكسيل معلناً أن "صبر الولايات المتحدة قد بدأ ينفد".

  ويتزايد الضغط من أجل رفع قضية الأجسام المطورة جينياً أمام منظمة التجارة العالمية. وقد طالب السيد لارسن المفوضية بمقاضاة دول الأقلية المعوِقة، وفي مقدمها فرنسا، أمام محكمة العدل في لوكسمبورغ، مستعيداً قراراً صدر عن هذه الأخيرة ضد فرنسا التي كانت قد رفضت استيراد لحم البقر البريطاني خلال أزمة جنون البقر. وقد هدد السيد لارسن قائلاً: "إننا نترك الباب مفتوحاً أمام جميع الخيارات التي يمكن أن نتخذها، لكن بطريقة أو بأخرى يجب على رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزارة وعلى وزراء الخارجية الأوروبيين أن يفهموا أن هذه القضية هي بالنسبة الينا ذات أهمية بالغة. فعندما تكون المواقف في آنٍ واحد غير ملائمة وغير شرعية فإن الطريقة الوحيدة لتعديلها هي المواجهة" [6] .

  من جهته، وجه السيد زوليك، في كانون الثاني/يناير عام 2002 تعليمات تقع في أربع عشرة صفحة الى السفراء الأميركيين في العالم أجمع يعطيهم فيها الحجج الدامغة التي يمكنهم استخدامها في مواجهة أي تحفظات محتملة من جانب الحكومات الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وفي نوع خاص من جانب مجموعة الخمس عشرة. وفي رأيه أن الإجراءات المقترحة من الاتحاد الأوروبي حول احتمالات الضرر؟؟؟ وقوائم المواصفات على المواد الاستهلاكية وعلف الحيوانات التي تحوي أجساماً مطورة جينياً "لا يمكن تطبيقها والتحقق منها، وسيكون العمل بها باهظ الكلفة من دون أن تحقق الأهداف المتوخاة كما ستضر بالتجارة". وفي أي حال، فإنها "تستهدف منتجات أقرّ استخدامها في الأساس"، وطبعاً من الحكومة الأميركية. ويخلص السيد زوليك الى التساؤل "هل سيضمن الاتحاد الأوروبي أن الاجازة ستكون خاضعة لاعتبارات علمية وليس لاعتبارات سياسية؟" [7] . وربما سيكون في الامكان تحاشي هذا الرعب الديموقراطي إذا عرفت الولايات المتحدة كيف تلعب أوراقها، والمفوضية الأوروبية حاضرة لمساعدتها.

  في تشرين الأول/أكتوبر عام 2001، وخلال زيارة له الى واشنطن، صرح المفوض المكلف شؤون الصحة والاستهلاك، أنه يأمل في رفع قرار التأجيل خلال المؤتمر الأوروبي الذي سيعقد في برشلونة في آذار/مارس عام 2002. وبعد ثلاثة أشهر وبمزيد من الواقعية، كان المفوض باسكال لامي، وأيضاً خلال زيارة له الى العاصمة الأميركية، يطلع مفاوضيه على انه لا يمكن مقاربة موضوع الاجازة بأجسام مطورة جينياً جديدة بهذه السرعة وذلك بسبب "الجو السياسي". وفي رأيه أن "الفرصة الفضلى" ستتوافر "في وقت لاحق من هذه السنة". فهل هو يقصد مثلاً ما بعد الانتخابات الفرنسية والألمانية؟

  أما السيد فان در هايغن، الوزير المستشار المكلف ملف الاستهلاك والأمن الغذائي في وفد المفوضية الأوروبية الى واشنطن، فقد أراد بدوره أن يكون مستشار ... الأميركيين. وقد اطلعهم بالضبط على الحقائق الأربع المتعلقة بمن يمثلهم، ففي رأيه أن آلية القرار في الاتحاد الأوروبي في شأن استيراد الأجسام المطورة جينياً لا تقوم على "اساس راسخ". ولمزيد من الوضوح أضاف الموظف الكبير الأوروبي أنه إذا  تقدمت الولايات المتحدة بشكوى لدى منظمة التجارة العالمية فإننا "سنخسر القضية". وإذ ساءه ان يضع الاصبع على النقاط الضعيفة في الموقف المفترض به الدفاع عنه، اوضح السيد فان در هايغن أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تقاضي أوروبا أمام منظمة التجارة العالمية في مسألة احتمالات الخطر وقوائم المواصفات في ما خص الأجسام المطورة جينياً. فاذا صدف ان خسرت الولايات المتحدة هذه الدعوى، فإن هذه النتيجة "قد تضعف اكثر ثقة الكونغرس والرأي العام الأميركي في منظمة التجارة العالمية". أما إذا ربحتها "فإن الاتحاد الأوروبي،  لا يمكنه لأسباب سياسية الخضوع للقرار المتخذ". وعندها سينتج من ذلك نزاع "أسوأ من النزاع في موضوع البقر المغذى بالهورمون" [8] .

  وإذ تعزز موقفها بهذه النصائح المستنيرة، ترسخ الولايات المتحدة استراتيجيتها في موضوع الأجسام المطورة جينياً آخذة في الاعتبار الانتخابات المقبلة في فرنسا وألمانيا. وهي ليست في الواقع راغبة في ان "تتحول هذه الدعوى المتفجرة سياسياً داخل منظمة التجارة العالمية رهاناً انتخابياً يشكل مادة لحملة احزاب الخضر ضد البيوتكنولوجيا" [9] . لكنها ذلك لن يجعلها تتخلى عن أهدافها...

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] نائب رئيس مؤسسة "أتاك" في فرنسا، مؤلف كتاب:

Remettre liOMC à sa place, Mille et Une Nuits, Paris, 2001 ;et, avec Martin Wolf, de Pour et contre la mondialisation libérale, Grasset/Les Echos, Paris, 2002

[2] راجع:

Bernard Cassen et Frédéric F. Clairmont, … Globalisation à marche forcée î, Le Monde diplomatique, décembre 2002

والتقرير الذي أعدته السيدة بياتريس مار لصالح وفد الجمعية الوطنية الى الاتحاد الأوروبي يعتبر من جهته أن نتائج مؤتمر منظمة التجارة العالمية قد حققت بالأحرى تقدماً. والعنوان الذي أعطي له هو ذو بعد رمزي "الدوحة، محاولة تحويل" من وثائق الجمعية.

(Les Documents de liAssemblée nationale, n0 3569, 2002, 264 pages, 6, 50 euros).

[3] رسالة من المفوض باسكال لامي الى السفير روبرت زوليك/ الدوحة، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2001

[4] إن المواد المقصودة والتي تحوي أجساماً مطورة جينياً تشمل الهندباء والذرة والصويا والبندورة (الطماطم) وزيوت الصويا والذرة واللفت وبعض أنواع شراب الذرة ونشوياته، والزوائد والأعلاف، لكن ليس المنتجات المستخرجة من حيوانات تغذت بأجسام مطورة جينياً.

[5] صحيفة لوموند، في 20-21/1/2002.

[6] صحيفة:

International Trade Reporter, (lieu de publication ?), vol. 19, n0 2, 10 janvier 2002

[7] يمكن الاطلاع على تعليمات السيد زولسك على موقع Inside Trade

[8] تصريحات السيد فان در هايغن واردة في:

Chris Rugaber, … US to analyze EU Biotech Rules, Plans WTO Submission î, Bureau of National Affairs, International Environment Reporter, (lieu de publication ?), vol. 24, n0 25, 5 décembre 2001

Inside US Trade, vol. 19, n0 51, 21 décembre 2001. [9]

 

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور الأقمار الصناعية تظهر سفينة بحرية ترسو قرب رصيف قيد الإن


.. كائنات حية على المريخ.. ناسا تصل لاكتشاف جديد




.. شاهد: زيارة مركز لعلاج السرطان.. أول نشاط للملك تشارلز بعد ع


.. اعتصم أمام مختبره.. الصين تطرد أول عالم نشر سلسلة عن تفشي كو




.. ريهام سعيد تنهار باكيه .. مفاجأة جديدة بعد تشويه وجهها تفاصي