الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرهاب

انتصار الميالي

2008 / 9 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


يشير الإرهاب terrorisme، بحسب معناه الاشتقاقي،أما إلى منهج حكم وأما إلى طريقة عمل مباشر ترمي إلى إثارة "الرهبة"ia terreur،أي إلى أيجاد مناخ من الخوف والرعب والهلع بين السكان.ويشير الإرهاب ، في الأعم الاشيع،إلى تقنية عمل عنفية تستعملها مجموعات سرية ضد مدنيين بهدف تسليط الضوء على مطالب سياسية معينة. أن خاصية الاستراتيجية الإرهابية هي إتاحتها الفرصة،عبر ابسط الوسائل التقنية، للاحتيال على وسائل الردع العسكري ذي الامكانات التقنية الأكثر تطورا وإفشالها. فبينما تدعي القوى الصناعية العظمى حيازة الأسلحة التي تحصن حمى الوطن، يزرع سلاح الإرهابيين الخوف والعنف والموت في قلوب مدنهم حتى. فالإرهاب يقلب رأسا على عقب دفاع المجتمعات الحديثة، بحيث تظهر أقوى الأسلحة غير ذات جدوى ولا نفع منها في أيدي صنّاع القرار السياسيين والعسكريين.
لا يستحق الإرهاب أية مجاملة. إذ أن مناهجه إجرامية.يريد الخطاب السائد، لكي يدين العنف الإرهابي اشدّ الإدانة، أن يعزله عن أشكال العنف الأخرى. إذ ذاك يدان العمل الإرهابي بوصفه جريمة العنف المحض الذي لا جدال في لا شرعيته، في الحين نفسه الذي ترضى، عن طيب خاطر نوعا ما، أعمال عنف أخرى يزعم أنها"شرعية". ففي مواجهة العنف، تظهر الدول والآراء العامة على حد سواء سخطا انتقائيا ينزع إلى ابتذال أشكال العنف الأخرى. اجل، أن الإرهاب يقتل أبرياء قطعا، ولكن هل تقتل الحرب المذنبين فقط ؟! أجل ،أن الإرهاب "خارج على القانون". ولكن أليس من الوهم- كل الوهم- أدعاء إخضاع العنف لمقتضيات الحق؟ وفي المحصلة، من وجهة نظر اللاعنف، ينبغي على الحكم الأخلاقي الصادر على الإرهاب أن تقوده المعايير أساسية نفسها التي يتذرع بها في الحكم على أشكال القاتل كافة. يجر نزع الشرعية عن المذاهب الأيديولوجية- ولاسيما الأصوليات الدينية- التي تبرّر الإرهاب ودحضها. إلا أن الخطاب الذي يدين الإرهاب سيكون اقل قوة واقل تماسكا منطقيا فيما إذا برر إلى ذلك أشكالا أخرى من العمل العنفي ليست اقل قتلا وقد تكون إجرامية سواء بسواء. إذ أن هناك " إرهاب دولة" لا يستحق هو الأخر، أية مجاملة.
تؤكد اللغة الخطابية المناوئة للإرهاب جهراً أن الإرهاب يتنكر للقيم الرفيعة وللحضارة التي تستوجب احترام الحياة الإنسانية، فليكن، ولكن الدفاع عن هذه القيم تحديدا يعني أولا احترامها لدى اختيار الوسائل المطبقة للدفاع عنها. الانتصار على الإرهاب يعني العمل بأكبر حذر ممكن بالحرص على عدم نفي الفرائض التي تؤسس لاحترام الحياة. الانتصار يعني أولا رفض الانصياع لمنطق عنفه الخاص القاتل. أن الحامل الرئيسي للإرهاب هو أيديولوجيا العنف التي تبرر القتل.لذا فأن الدفاع عن الحضارة يعني أولا رفض التعرض لعدوى هذه الايديولوجيا. وهذا يقتضي الإقلاع عن العمليات العسكرية التي تتضمن حتما قتل الأبرياء. لأنه، من غير ذلك تجازف الديمقراطيات بأن تقترف السيئات نفسها التي تأخذها هي على الإرهابيين، ناهيكم أنها بذلك لا تنفك تخصب التربة التي يقتات عليها الإرهاب وينمو. فحين يتحدى الإرهاب الديمقراطيات راميا إلى زعزعتها، ينبغي عليها محاربته وفقا لإستراتيجية منسجمة مع فرائضها الخاصة ومعاييرها، من دون اقتباس أي شيء من تخر صات الإرهابيين. ينبغي عليها أن تدافع عن نفسها بالنزول بعزم إلى الميدان الذي هو ميدانها هي- ميدان القانون- وان ترفض الانقياد إلى ميدان الاعتباط الذي ينفي القانون.
الإرهاب ليس الحرب. فإستراتيجيته، على العكس، تضع رفض الحرب كمسلّمة. أن ما يميز الحرب هو تبادل الأعمال التي يقررها ويشرع فيها كلُ من الخصمين. وعليه، تحديدا، ليس هناك أي عمل مقابل يمكن لصناع القرار الخصوم أن يقوموا به في مواجهة الإرهابيين. فصناع القرار هؤلاء يجدون أنفسهم عاجزين فعلا عن رد الصاع بالصاع إلى خصم لا وجه له يتوارى. أن من يدعي، إذا، الانتصار على الإرهاب بالحرب أنما يضلل نفسه. أجل، أن المجتمعات الديمقراطية ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها دفاعا شديد الحزم ضد الإرهاب فقط، بل عليها واجب الدفاع عن نفسها ضده أيضا. غير أن هذا الحق وهذا الواجب، حالما يتم الاعتراف بهما في سياق الدفاع عن نفسها ضده أيضا. غير أن هذا الحق وهذا الواجب، حالما يتم الاعتراف بهما في سياق الدفاع المشروع، يبقى السؤال الحقيقي هو معرفة الوسائل المشروعة والفعالة لهذا الدفاع. فطبيعة الإرهاب نفسها تقضي بمكافحته، لا بأعمال حربية، بل بتدابير أمنية. وينبغي أعمال هذه التدابير مع اجتناب وقوع أي شطط امني، وبغية ذلك، احترام معايير القانون احتراما صارما. وضمن الإطار الصارم للقانون، لا يجوز توفير أي جهد لاكتشاف الشبكات الإرهابية وفرط عقدها. ولهذا الغرض، ليست الجيوش هي التي ينبغي تعبئتها، بل أجهزة الاستخبارات. ينبغي اعتقال عناصر الشبكات ومحاكمتهم حالما يتم التعرف أليهم من غير لبس.
ولكن الانتصار على الإرهاب، يجدر الاجتهاد في فهم أسبابه وأهدافه. ينبغي إلا يعفي السخط على المنهج من تحليل أسباب العمل بذريعة خادعة. مفادها أن السعي إلى فهم الإرهاب قد يعني سلفا الأخذ في تبريره، مع ذلك، تظهر الوقائع أن السخط غير ذي جدوى؛ إذ لا يتيح فهم سبب قرار بعض الناس، حتى التضحية بحياتهم، الذهاب إلى أقصى تخوم العنف المدمر القاتل. فلاستئصال الإرهاب، لاجتثاث أصوله، لا مناص من الاجتهاد في فهم طبيعة الجذور التاريخية والسوسيولوجية والأيديولوجية والسياسية التي تغذيه. اجل، أن الإرهاب قد يكون لا عقلانيا، وبذلك يحكم على نفسه بالا يكون سوى فعل عدمي NIHILISTE تحركه أرادة التدمير ورغبة القتل؛ إذ ذاك، لا يتورع الإرهاب أن يكون من حيث الأساس، انتهاكا يتم عن جهل مطبق بالخير والشر. ومع ذلك، فمن الغلط جعل العدمية خاصية كل فعل إرهابي.
في الواقع، يستلهم الإرهاب، ككل استراتيجية عمل عنفي، دوافع عقلانية في الغالب الأعم. فإذا لم يكن الإرهاب هو الحرب، غير انه يريد أن يكون هو الأخر وسيلة لاستمرار السياسة. فهو يمتلك، إذ ذاك، تماسكه الأيديولوجي الخاص ومنطقه الاستراتيجي الخاص وعقلانيته السياسية الخاصة. من هنا، لا يفيد في شيء رفضه بالتشهير بلا اخلاقيته الجوهرية، إذ حالما يُعترف بالبعد السياسي للإرهاب، يصير من الممكن التفتيش عن الحل السياسي الذي يطالب به. أن الطريقة الأكثر فاعلية لمحاربة الإرهاب هي حرمان منفّذيه الأسباب التي يتذرعون بها لتبريره. بذا يكون في الامكان أضعاف القاعدة الشعبية التي يحتاج أليها الإرهاب أيما حاجة أضعافا طويل الأمد. فالإرهاب كثيرا ما يتأصل في تربة سمادها الظلم والإذلال والإحباط والبؤس وفقدان الأمل. أجل، أن الوسيلة الوحيدة لإيقاف الأعمال الإرهابية هي حرمان منفذيها الأسباب السياسية التي يتذرعون بها لتبريرها. مذ ذاك، للانتصار على الإرهاب، ليست الحرب هي التي يجب القيام بها، بل العدل هو الذي ينبغي بناؤه.
عندما يتدرج الإرهاب في نزاع سياسي، تقبل رهاناته التحديد تحديدا واضحا، يصبح من الضروري على الأرجح التفاوض مع الإرهابيين، وهنا أيضا، يؤكد المنطق الخطابي السائد انه " لا تفاوُض مع الإرهابيين "! ولكن فيما يتعدى الأقوال هناك الوقائع. فما أكثر الحكومات التي اضطرت إلى مناقضة أقوالها للاعتراف بالوقائع، أي إلى إسكات سخطها للقبول بالتفاوض...!!
جملة من الأسباب جعلتني اطرق هذا الباب، الأول هو ذكرى تفجير منزلي في منتصف أيلول قبل عام ، والثاني هو ضعف دور الأجهزة الأمنية وقتها في متابعة القضية وإهمالها تماما ككل القضايا المماثلة، وضعف التضامن لدى منظمات المجتمع المدني في رصد الانتهاكات التي يتعرض لها الأبرياء،والابتعاد عما هو جوهري،والتعامل مع القضايا المحورية بسطحية تفقد هذه المنظمات لدورها الحقيقي اتجاه مثل هذه القضايا،وأنا استذكر هذا الحادث،استذكر صلابة من حولي في تحدي الإرهاب رغم أشكاله الشرسة،وموقفهم منه،والية التعامل معه،وفضحهم له دون التذرع بحجج تبعدنا عن دورنا وتضعف من أرادتنا في مواجهة هذا الخطر الذي من شأنه أن يدمر البلاد وينهي حياة الأبرياء.مما يدعونا لأن نطالب الدولة بعدم التنصل من التزاماتها بالقضاء عليه،وبالطرق السليمة،وبما يضمن توفير الحياة الآمنة ولكل العراقيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف