الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشركات المصرية الحديثة وحقوق المستهلك

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 9 / 16
الادارة و الاقتصاد


من الملاحظ أن النظام الاقتصادى للدولة يتحول رويدا رويدا إلى اقتصاد السوق. لقد شهدنا تحول هيئات قومية إلى شركات وكيانات تخضع لاعتبارات الربح والخسارة والآليات التى تحكم الأسواق. وتأتى هيئات التليفونات والكهرباء والمياه على رأس الهيئات التى تحولت إلى شركات خلال العشر سنوات الماضية. لقد كانت الحكومة تتحكم فى أسعار السلع التى تقدمها هذه الهيئات غير أن الوضع يختلف الآن خاصة بعد أن تحولت هذه الهيئات إلى شركات تهدف إلى تحقيق الأرباح ولكنها فى الغالب لا تهتم بتجويد المنتج ولا تلتفت لرغبات ومطالب المستهلكين. وهذا مرده إلى أن هذه الشركات تحتكر السلع التى تقدمها ومن ثم فإنها لا تلقى أية منافسة لها فى السوق. ولا نبغى سوى الحقيقة حين نقول إن الشركة المصرية للاتصالات التى مازالت تدار بذات العقلية القديمة هى التى تسبب الصداع الأكبر للمواطنين، إذ إنها تسعى بين الفينة والفينة إلى رفع أسعار السلعة التى تحتكرها ولا تتعامل بنفس الحماس والحيوية حين يتعلق الأمر بمشاكل المستهلكين.

لقد تحولت الهيئات القومية التى أشرنا إليها إلى شركات خلال السنوات العشر الماضية. ففى عام 1998 تم إنشاء الشركة المصرية للاتصالات لتحل محل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية. وفى عام 2000 صدر القانون رقم 164 الخاص بتحويل هيئة كهرباء مصر إلى شركة مساهمة مصرية تسمى الشركة القابضة لكهرباء مصر. أما الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي فقد تأسست بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 135 لسنة 2004م. من المعروف أن هذه الشركات تقدم سلعا إستراتيجية دون أن تلقى منافسة حقيقية من شركات أخرى. مثلا لقد بلغ عدد مشتركي الخطوط الثابتة أكثر من 9 مليون مشترك لتكون الشركة المصرية للاتصالات بذلك من أكبر شركات الاتصالات في الشرق الأوسط. الجدير بالذكر أن هؤلاء المشتركين لا يستطيعون نقل اشتراكهم لشركات أخرى لسبب بسيط هو أنه لا توجد شركات أخرى تقدم نفس الخدمة أو السلعة ومن ثم فإن هذا يقدم لنا مثالا صارخا للاحتكار. فالشركة المحتكرة للسلعة تعرف عدة حقائق: 1- أن السلعة لا يمكن الاستغناء عنها أو حتى مقاطعتها لفترة طويلة: هل يستطيع مواطن أن يعيش دون مياه أو كهرباء؟ 2- أن السلعة غير متوفرة فى أى مكان آخر. من الواضح أن شركة الاتصالات تختلف عن الشركتين الأخريين فى أن الخطر الذى يهدد الشركة المصرية للاتصالات قد يأتيها من شركات المحمول وعددها ثلاث شركات فى مصر حيث تجاوز عدد مشتركى المحمول 32 مليون مشترك. وقد أدى التنافس بين هذه الشركات إلى تخفيض قيمة المكالمة من محمول إلى محمول لتصل إلى 15 أو 20 قرشا فى الدقيقة وهذا يمثل خطرا على الخطوط الثابتة إلى الحد الذى قد يدفع بعض المواطنين إلى إلغاء الاشتراك فى التليفون المنزلى.

لا شك أن معظم المواطنين لا يشكون من الكهرباء أو المياه بنفس القدر الذى يعبرون فيه عن استيائهم من شركة الاتصالات التى تتفنن لإفراغ جيوبهم من القروش القليلة المتبقية فى نهاية كل ثلاثة شهور. لقد قررت شركة الاتصالات مؤخرا رفع تعريفة المكالمات بين التليفونات الأرضية داخل المحافظات بنسبة 50%. وفى المقابل فقد سعت جمعيات أهلية "حركة مواطنون ضد الغلاء وعدد من جمعيات حماية المستهلك" لمقاطعة التليفون المنزلى لفترة من الوقت. ومما لا شك فيه أن الشركة المحتكرة لا تهمها سوى تحقيق الأرباح ولن تضيرها المقاطعة والدليل على ذلك ما أرويه فى السطور التالية. كانت أسرتى تستعد للمشاركة فى هذه المقاطعة وفور وصولها إلى الشقة بالجيزة اكتشفت أن التليفون مصاب بالسكتة الكلامية وباءت كل محاولات الإنعاش والإفاقة بالفشل فتوجه نجلى يوم الأحد الموافق 6 يوليو 2008م إلى سنترال المريوطية بالهرم حيث ابلغ عن العطل وترك البيانات اللازمة ثم غادر بعد أن تلقى وعدا بفحص العطل. وبقى الفتى فى المنزل منتظرا عمال الصيانة دون جدوى. وقد تكرر هذا السيناريو السخيف خلال الثلاثة أيام التالية: وعود.. وانتظار بلا فائدة. ولما استبد به اليأس توجه فى اليوم الرابع (الخميس 10 يوليو) لمقابلة مدير السنترال الذى أشار إليه لمقابلة المهندس المسئول الذى وعده بإصلاح العطل قبل انتهاء النهار. وفى الواقع لقد عاتبت نجلى على زياراته المتكررة واستجداء مسئولى السنترال لإصلاح العطل لأن عدم إصلاح العطل معناه أن التليفون سيظل فاقدا للنطق والسمع مما يمثل فائدة لنا وخسارة للشركة.

مما سبق يتبين لنا أن هنالك مشكلة تعانى منها هذه الشركات الحديثة وهى أن هذه الشركات مازالت تحتفظ بنفس العقليات التى كانت تعمل فى ظل النظام القديم الذى لا يعير اهتماما لمصلحة المستهلك ويتعامل معه كما لو أنه لا يدفع مقابل ما يحصل عليه من سلع أو خدمات، عقليات تغذت على التنبلة والإهمال وعدم المبالاة والحرص على تلقى الإكراميات. وفى ظنى لقد تحولت الهيئات إلى شركات دون أن تتأقلم أفرادها وتتدرب كوادرها على هذا التحول. فى الماضى، وقبل أن تتحول هيئات الكهرباء والتليفونات والمياه إلى شركات، كان المواطن تحفى قدماه للإبلاغ عن الأعطال وربما يضطر إلى مقابلة أكثر من مسئول ثم ينتظر عدة أيام قبل أن يأتى من يتعامل مع العطل. هذا فى رأى لا يتسق مع النظام الاقتصادى الحالى حيث تمثل هذه الأعطال خسائر لهذه الشركات التى تحتكر السلعة. فلو افترضنا جدلا أن التيار الكهربى انقطع عن حى من الأحياء أو قرية من القرى فإن الانقطاع ليس معناه حرمان القرية من الخدمة فحسب بل معناه —فى عرف اقتصاد السوق—أن العدادات قد توقفت وهذا يمثل خسارة فادحة للشركة المنتجة للسلعة. فى مثل هذه الظروف نتوقع أن تسعى الشركة للحفاظ على ثقة المواطنين ولتفادى الخسائر المتوقعة من خلال سرعة إعادة الخدمة حتى تستعيد العدادات عافيتها وقدرتها على الدوران دون انتظار أية استغاثة أو استجداء من المواطن. أذكر عندما كنت فى الولايات المتحدة فى الثمانينيات أن سعيت لإجراء مكالمة تليفونية من خلال تليفون عام حيث وضعت بعض العملات المعدنية التى لا تتعدى قيمتها دولار ونصف الدولار ورغم أن التليفون لم يمانع فى ابتلاع العملات إلا أننى فشلت فى إجراء المكالمة وفى الوقت نفسه فشلت فى استعادة العملات فوقفت حائرا لا أدرى ماذا افعل فاستغثت بأحد المارة الذى نصحنى بالتحدث إلى الاوبريتر "عامل/عاملة التليفون" بالضغط على زر "O". وبالفعل اتصلت بسيدة ذات صوت هادئ والتى طلبت معلومات بسيطة كعنوان المنزل والشارع الذى به كابينة التليفون. وبعد عدة أيام فوجئت بشيك بنكى يصل إلى عنوانى لاكتشف أن شركة التليفونات تقوم برد قيمة العملات المعدنية التى وضعتها فى الكبينة دون إجراء المكالمة. لقد اتخذت الموظفة قرارها برد المبلغ للمستهلك دون مشاورة رؤسائها فى العمل وذلك لأنها متدربة على كيفية التصرف فى مثل هذه المواقف.

من الصعوبة بمكان أن يتم التحول من نظام إلى آخر من دون تدريب كوادر قادرة على العمل فى ظل نظام يقوم على المنافسة ويرعى مصالح المستهلكين قبل أن يفكر فى زيادة الأرباح والمكاسب من خلال التفكير المستمر فى رفع سعر السلعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - وزير التموين: صندوق النقد لم يطلب خفض الدعم.. و


.. منصة لتجارة الذهب إلكترونياً بالحلال




.. البنك المركزي اليمني يوقف التعامل مع 6 بنوك لم تلتزم بقرار ن


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 1–6-2024 بالصاغة




.. وضع منافسة بوتين دونتسوفا على قائمة -العملاء الأجانب- في روس