الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشيج

إسلام يوسف

2008 / 9 / 17
الادب والفن


لا شىء يبعث على الضيق، قدماى سليمتان وافرتى الصحة، متأهبتان للمشى، عقلى مازال قادراً على التفكير، يفتعل معادلات و يستنتج نتائج تبعث على معادلات أخرى، أجربه بين فترة و أخرى لأتأكد أنه لم يركن إلى الخمول، عينى ما زالت لها القدرة على إستدرار الدموع، المحاجر لم تتيبس، ملآى ببحور من الماء على إستعداد لأن تراق عند أول إشارة.

البيت متعدد الطوابق...ثلاث طوابق، أقطن فى الطابق الثالث مع الأسرة، فى الطابق الأول يعشوشب فراغ قاتل، فراغ يستدر عطف العناكب لتملؤه ببيوتها المتهالكة الكثيرة، الأرضية ملآى بالأتربة،الجدران خضراء، منضدة تتوسط الصالة، أربع غرف خلوٌ من أى شىء عدا الرطوبة و أملاح تأكل الأرضية فى نهم و هواء يتنزه بحرية فى أنحاء المكان يتنفس الرطوبة و يلعق الأتربة، دورة المياة ضيقة، تنبعث منها رائحة نفاذة كريهة لمكان مهجور، الدلو الأبيض الذى بداخلها ينساب إليه ماء متسخ عندما أفتح الصنبور، تتلوى بداخله ديدان صغيرة سوداء، على سطح المياه تحط و تقلع حشرات دقيقة.

أستولى على الطابق الأول عندما أود الإختلاء بنفسى، كل يوم أمارس عادة لا تنقطع، أمنح قدماى حرية الصعود من الطابق الأول و النزول إليه، لا أكاد أغادر المبنى، متوقفٌ فى المكان صعوداً و نزولاً، أصحو وقت المغرب لأظل متيقظاً حتى آذان الفجر ثم أنام ..و يتوالى الفعل مع انبعاث الزمن...لا يطلع لى نهار، لا ترانى الشمس، لن أعطيها فرصة التلصص علىّ و إرهاق عينى بأشعتها المملة الكئيبة، بالليل تمنحنى الشوارع أصواتاً لقططٍ تموء و كلاب تنبح و أصوات شبقية لحيوانات تتسافد، الليل يجلو حواسى و يجعلها متأهبة للفعل بإخلاص و مودة عند أى بادرة كصوت مهموس مثلاً أو فكرة شاردة للكتابة.

علبة السجائر الملقاة بإهمال على الطاولة تمنح نفسها طوال الليل لتمارس فعل الإحتراق، تمتلىء الحجرة- التى بها كراسٍ كلاسيكية قليلة مذهبة الإطار مكسورة الحواف ذات فُرُش مهلهلة- بالدخان..أتنفسه و أزفره و يزفره معى الشباك المطل على الشارع المظلم.

كفعلٍ متكرر يفتقد الزمان عندى قيمته، أنام و أصحو واثقاً من الخطوات القادمة، قدمى لن تخطو خطواتٍ أخرى، تحفظ السلالم..لكنها جاهلة بالشوارع و الطرقات، الوعى بالزمن عندى يلهث لهاثاً مخنوقاً لكائن على أهبة الإستعداد لِلَفظِ أنفاسه الأخيرة.

أفقد خاصية تسمية أشياء الزمن، ثوانٍ..دقائق ..ساعات..أيام ..أسابيع..شهور..سنوات ..عقود، كلها مصطلحات لم تعد تشكل جزءاً و لو يسيراً من قاموسى، أصعد، أنزل، أقرأ، ممسكاً القلم أكتب، منكباً على أوراقٍ بيضاء، أُحبّرها و أقلب بياض بشرتها سواداً ثم أنام.

لا شىء يبعث على الضيق، يدى لن يعتورها التأفف من قلمٍ تقبض عليه بمودة، قدمى تنزل و تصعد عارفةً الطريق غير عابئة بالتنفس فى الخارج و غير متطلعة لوطء طرقٍ جديدة، عقلى له القدرة على إملاء كلمات كثيرة على الورق..كثيرة...كثيرة...كلمات...كلمات، و عندما أنتهى كما الحال كل يوم..أجلس وحيداً، يدى أسفل ذقنى....على المنضدة يرقدون فى دعةٍ، قلمٌ و كرّاس و كتاب و جريدة، أنظر إليهم ثم كما كل يومٍ فى نفس اللحظة.....تجهش عينى بالبكاء.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان