الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية عشق عراقية ▪

حسين سليم
(Hussain Saleem)

2008 / 9 / 16
الادب والفن


" تُقاس كثافة الحب بانعدام الصبر أو بأقصى الصبر على الانتظار. في ما يحدث أو ما
لا يحدث ، أعرف أن أجمل شيء هو وقت الانتظار"
الطاهر بن جلون
( الحب الأول...الحب الأخير)

قابلتها ثلاث مرات , في فترات متباعدة ، وشكوت لها ، واحدة كل مرّة .وحكيت لها عن ذل الهوى. كنت رث الثياب ، طريد غربة مركبة ، اسحب أقدامي الثقيلة ، وعلى كتفي صرّة صغيرة ، فيها أحلام قليلة ،وفي يدي جريدة ، فيها ما لا يسر من الأخبار ، أسال عن الأمان . وقفت عند أعتاب بوابة قصرها في برلين ،ولما طال انتظاري جلست .
" جاوبني تدري الوكت
بوكاته غفلاوي
موش انت نبعة عشك
بالحسن متغاوي ..."*
مولاتي ! غريب قرب القصر ، يجلس القرفصاء ، يغني ، قال الحاجب وانحنى لها /
" ...ليش المعاتب كلف
والشوك سكتاوي
جا وين اودي الحجي
واتعاتب ويامن ..."
ماذا؟/ صوت حزين ، يثير شغاف القلب / ليدخل ، قالت.
"... مرّن فخاتي الصبح
نشدني وين هواي ..."
الليل يسامرسفر ، حالكة دهاليزه ، غابات مجهولة الأسرار ، رتيب كرتابة النهار ، حوت أهوج ، اوله كاخره . صدى أصوات تملأ الغرفة ، تبعثر حاجياتي كاياد خفية ، او اشباح خرافية . تهرب مني الشوارع ، المدن ، الاشجار ، فانزوي كطريدة خائفة من تعقب الذئاب لها.../
التقينا ، فيما كانت الصحف اليومية تكتب، عن قدوم اقوام شرقية ، بصورة لا شرعية ،هي من دار النور ، وأنا من دار الظلمة.
لي الشرف العظيم ، ان تسمح سيدتي عشتار بمقابلتها ، قلت هذا وانحنيت لها . ان تنظر في شكواي وتحكم . لقد اضناني السهر ، وهدّ قواي التعب / اجابت مشيرة بيديها ، تفضل / مولاتي يا آلهة الحب الطاهرة ! قصركم العظيم هذا ، أطال الله في عمر بنائه،وجعله بيتا يرومه كل من ضاقت به الحيل وانقطعت عنه السبل , وعانى ما عانى من شظف الحياة أمرها . أما بعد يا مولاتي ../ قطعت كلامي سائلة إياي/ وما حاجتك؟/ مولاتي – ملكة السماء ! أنا غريب-" واغرب الغرباء مَنْ صار غريباً في وطنه" **- هربت فجئت انشد الأمان / من أي بلد أنت ؟/ أنا من بلد ينوح فيه كل شيء ، حتى الطيور ، وتبكي فيه العصافير على مر العصور . بلد يُذبح اخياره مرات وتموت النساء بعدهم انتظارا في الفراش . انا من بلد يشيخ الطفل فيه باكرا . وأنا من بلد فيه النفط كالماء والزرع كالمطر . ومولاتي انا من بلد كلام أهله الشعر والحكمة / كانت لهم حكمة/ بلى مولاتي/ ومع هذا يعيش أهله الحزن على مدى الدهور/
..خواء عقيم صفير ريح ، تهرب الأرصفة من تحت قدمي الهاربتين . يخاف ظلي مني وأخشاه . اجري ، تتسع الشوارع أمامي وتضيق .يفزعني حفيف الأوراق المتساقط ، يغدو كأشباح لها أشكال مختلفة تلاحقني فأجد السير . اهرب سريعا كشريد مطارد ، لم أكن هكذا يوما في ارض النخل .آه كم اشتاق لرؤية نخلة ، أتلمس جذعها ، استظل بها واحتمي , احضنها واشم رائحتها ...
"سمعني جلمة عتب
وبمشيتك بهداي
عطشان كلبي شكثر
وانته العطش والماي
جاوين اودي الحجي
واتعاتب ويامن "
.. تخرج النخلات من جدرانها ، مهشمة زجاج الصورة ،قطعا، تناثرت فوق السرير،على بلاطات الغرفة.تقدمت نحوي على شكل رتل منظم ، تمسد رأسي المتشظى بسعفاتها العريضة كأم حنون، تعاتبني ، شاكية في القن الصغير ، الذي يشبه زنزانة ، لاتتحمل مساحته أكثر من سرير. يقال انها ما عادت تثمر الا اعقاب السجائر،المتناثرة حولها . هرب النوم دون جلاد افطس.يحاصرني الليل المبكر في هذه المدينة ،صور تطاردني بين الاغفاءة والاخرى ومابينهما رعشة ذكريات لصدمة كهربائية تهز بدني ،تعيد شريط الذاكرة المتراكم في الراس./ ورايت عشتار بينهن ،مالبثت ان تناسلت الى اخريات، احاطن السرير. قالت:انا ايضا غريبة هنا . وسالت :هل انت تموز؟ كان دمعها يسقي الجنائن المحيطة بها / لم اجب . واكملت هي لا زلت ابحث عن تموزي. هل رايته؟/ لم اجب / ثم سمعتها تنوح:
" ياغريب الدار من دار الاهل
هاك لهفة شوك معتز بيها
هاك بوسة لعينك الحلوة كحل
شوف بيهه احبابك وناغيها
ياغريب الدار من دار الاهل
هاك لهفة شوك معتز بيها"***
جاوبتها النخلات المعدومة، في الحروب العديدة وترنمت :
"من نواعير الغفت حدر النخل
من ثنايا الهور من برديها
هاك وادري بدمعتك ترفه وتهل
ودري بيك بمستحة تباريها
هاك وادري الغربة ابد ما تنحمل
وادري بحيلك تلاويها"
وبدأت كأن لم أكن أنا في القاعة ، وقلت لها: يا عشتار ! لم تكن هناك سبعة أبواب كما في المرة الأولى في العالم السفلي ، بل اثني عشر بابا،اذ كنت محجوزا خلف باب اخر ، في سجن أبي غريب، حين سمعتك تصرخين في وجه الحراس .
مولاتي! ورموني مرّة أخرى ،في غياهب الظلام ، وظنوا اني ميت لا محال، وقد حفرت بأظافري ، ليل نهار ، لعلني أجد كوّة ، لكن المنفذ قادني إلى مقبرة وهذه إلى اخرى ، وكنت أرى بين المقبرة والأخرى هياكل عظمية.
" مامش بعد كل رجه
والدنيه حزنانة
والهجر هودر غفل
والشفة ذبلانة "
ورايتها ايضا، تظهر على شكل نجمة خلف الحشد، حين احنى الحاجب امامها وقال: مولاتي سيدة البلاد ، الرجل الغريب ينوح امام الباب ، يطلب الاذن بالدخول.
"عطشان كلبي شكثر
وانت العطش والماي
جاوين اودي الحجي
واتعاتب ويامن "
أي غريب هذا؟سألت / الغريب الذي استجار بكم من ظلم الزمان وجاء قبل مدة يطلب الأمان / قهقهت سيدة الجمال وقالت : ليدخل في الحال / كانت تجلس على اريكة حجرية ، وأضواء النيون المسلطة عليها من الأعلى والجوانب تبرز مفاتن صدرها الواسع وثدييها الكبيرين / السلام على مولاتي سيدة الجمال والبلاد / وعليك السلام / وحين ازاحت يديها الممسكتين بالثديين من الاسفل وانحنت ، تدلت قلادتها الذهبية امام صدرها بحركة انسيابية الى الامام والخلف ، وددت حينها ان اكون قلادة اغفو وانام على صدرها مدى الدهر. هوذا العطش الشرقي بين الفخذين قبل الشفتين ، في اوج عظمته ، فقمعته ، كيف لا والقمع لدينا سنّة/ قال الشاعر السومري المحنط في القاعة :"اسكبي للمولى المأمور ليشرب منك "****/ قلت : لا . ونفسي عطشى / اشارت الي بالجلوس ، ثم ابتسمت قائلة : وكيف حالك ؟/ الحمد لله ، بفضل رعايتكم الكريمة ولكن ../ ولكن ماذا ياغريب؟/مولاتي ! سبق وان تشرفت بمقابلتك بشان قضيتي / ابتسمت الملكة وأردفت : ما الخطب الجديد فيها ؟ /مولاتي لم اجد احدا غيركِ ينصفني مما انا فيه / نهضتْ من الكرسي وتقدمتْ الى الامام : ما بك؟/لقد فقدت صوابي من فرط التفكير / وما شاني بذلك / قلت لها اني لم اهرب ، بل كنت خائفا ، ان يمسك العسس بك يوما ما ، ويفترسك أمامي ، ولازلت احتفظ بحيامني إلى هذا اليوم / أنا أسيرة هنا / وارضي جدبه بعدكِ،بلا قمح ولا مرعى/أردت الحماية أعطيناك ، أردت العاطفة سعينا إليها /
اعترف ان قلبي قد تعلق بها حتى احتلته . صار طيفها يقودني أينما حللت وصورتها توغلت عميقا في تلافيف عقلي فغدوت اسيرها دون سجان وقضبان / سذاجة وبلاهة، اردف الشاعر السومري الذي تحرر من وقت الفُرجة / بل هي العفوية والصدق / وقالت : انتظرتك طويلا / وقلت لها لكنني كنت في دهاليز العالم السفلي / بحثت عنكَ / وانا كنت اسمع أخباركِ من الموتى القادمين ، قالوا : لديها عشتار صغيرة / كنت اقول لها اريد دزينة بنات / قالت لماذا ؟ / قلت لها كي لاتفارق عيناي وجهكِ /قهقهت / وقلت لها اناديهن على اسمك عشتار الاولى ، والثانية حتى عشتار الثانية عشرة/وكانت لي احلام جميلة من وحي عينيها في صحراء حياتي القاحلة،قلق وارق واخيرا اصابني الهوان حد البكاء ، اطلب ابعادها عن قلبي وعقلي ،بعد ان ذقت المرار من هذا الهوى / تدبر امرك/ كنت اكذب الاخرين ، لكنني رايتكِ بعد اطلاق سراحي ،تحملين العشتار الثالثة من رجل اخر/ بل كان تموز الاول/ بكيت وهربت مرّة اخرى ، ولازال قلبي ينزف / و قيل لها ، مرّة اخرى يقف الغريب امام البوابة وحاله لا تسر، واشياء غريبة تسقط من صرّته ،بينما كانت سيارات الشرطة تحاصر المتحف / واليوم ماذا تريد؟/ اريد عقلي يا مولاتي/ كيف؟/ اعيديني ايتها الالهة الام ،اعيدني الى زمن الاشارات ، كما كنت طفلا، الى احضان امي، واجعليني دمية لا تكبر تحت نخلة تمر / وحين اكتظت القاعة برجال الامن انقطع الحديث بيننا واغلق المتحف لبضعة ايام حتى تكشفت أخبار المدينة ، عن وجود لاجئ محنط ، الى جوار الشاعر السومري، وفي يده عشبة مكسورة ، وقد عُرف انه دموزي- تموز من القطعة النحاسية المنقوشة اسفل الحجرة التي يقف عليها، فيما ظل صدى صوت غنائه الحزين يسمع في القاعة..
" جاوين اودي الحجي
واتعاتب ويامن "

▪ القصة ، مقاطع من مخطوطة رواية .
* اغنية للمطرب حسين نعمة ، من كلمات كامل العامري ، والحان محمدجواد اموري.
** ابو حيان التوحيدي.
*** مقطع من اغنية (ياغريب الدار) للمطرب قحطان العطار.
**** شعر سومري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى وفاته.. أعمال لا تُنسى للفنان القدير صلاح قابيل


.. فنان بولندي يحتج مكبلا ومعصوب العينين أمام السفارة الإسرائيل




.. وزير الثقافة: لهذا السبب.. السنة دي تحديدًا في معرض الكتاب ا


.. انتظروا الفيلم الوثائقي -مأساة أيزيدية- - الخميس 11 مساءً عل




.. الفنانات الرائدات