الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكراه الثانية كزار حنتوش..استشراف الموت

ثامر الحاج امين

2008 / 9 / 16
الادب والفن


كان شريفاً كالماس
ولذا عاجله الموت
من دون جميع الناس
يمكن لكلمات الرثاء هذه ، التي كان الشاعر "كزار حنتوش" قد كتبها في رحيل احد اصدقائه ان تقال في رحيل كل الطيبين ومنهم الشاعر نفسه الذي غيبه الموت قبل عامين في موعد فاجأ الكثيرمنا لكننا وجدناه فيما بعد انه كان موعدآ مؤجلآ لمرات ، فقد كانت بين الاثنين صفقة انتهت بالتسليم في حضرة الشعر وجمهوره:
كما يفعل المدين
عندما يؤجل سداد ديونه
أجلتً موتي
مرات ، ومرات
من أجلك يازهرة حياتي الوحيدة
فالموت لم يكن زائراَ قد حل ّ دون موعدٍ واختطف الشاعر وهو في نشوة، مغموراً بالحفاوة و الشعر والكبرياء ، انما استشرافه للموت كان مبكراَ وهاجس عاشه الشاعر وكان ظاهراَ على امتداد منجزه الشعرى، ففي قصيدة " اسكافي عفك" وهي من بواكير شعره يتنبأ الشاعر :
سيضيع الصوت رويداَ
وتموت شريداِ
أويهمس خائفآ في قصيدة اخرى هي " نحن لانحسن التدبير" :
فلقد دنت الآن الساعة
واحياناَ يأخذ استشرافه للموت شكل تساؤل يخفي وراءه الكثير من القلق واللاجدوى من سنواته التي لايعرف بها الى أين تمضي وعند أي ساحل ستلقي به في النهاية :
لاندري اين سنمضي بالعمر ؟
أين سيمضي العمر بنا ؟
وحينما يضيق الشاعر بهذه التساؤلات ومن خوفه المفرط ومن هاجس ملاحقة الموت له ينتفض متحدياً ، متظاهراً بالشجاعة فيعلن ( باستطاعتي ان ادعو الموت باشارة من اصبعي ، أو طرده فيغادرني مثل كلب وذيله بين ساقيه) ، لكنه في الواقع لم يكن تحديا حقيقياِ انما محاولة لتهدئة النفس واعادة التوازن لذاته المهددة بالانهيار ذلك انه سرعان مايعود في قصيدة " ومابدلوا تبديلا"الى تاكيد ذلك الخوف :
بعد خمسين..
وقد لاحت لي شاهدة قبري
و"كزار حنتوش" شاعر يؤمن بفكرة القدر الذي لايستطيع الانسان الفرار منه او تغيير وجهته وذلك من خلال استسلامه وتأكيده على ذلك في قصائد كثيرة :
ليس بمقدوري ان امنع هذا
لكن ..
ليس بمقدور احدٍ
ان يلبسني كفني
وانا حي
وفي موقف لا يخلو من عجزٍ ويأس يثير الشاعر في القارىْ احساسا بزوال كل شيء تمثل ذلك في الرغبة والسعي لاقتناص اللذات قبل ان يدنيه الموت وهو موقف لم ينفرد به "كزار " لوحده انما وقفه قبله الكثير من الشعراء :
لارسمية هذا اليوم
لاصحو غداَ
اليوم غناء تحت التوت
وغداَ تابوت
لقد استطاع شبح الموت ان يلقي بظلاله على عالم الشاعرولم يترك له فرصة الانتشاء فنراه حتى وهو يحلّق في عالم الحب يستعير مفردة الموت كانعكاس للهاجس الذي بات يؤرق الشاعر وكانما قامت بين الاثنين علاقة لايراد لها الانفصال:
سوف اموت لانها لاتحبني
لأنني احبها سوف لاأموت
....
سوف اجعلها تموت
ان قالت : أحبك
سوف تجعلني اموت
ان قالت : لااحبك

وفي قصائد كثيرة نجد استسلام الشاعر للموت ياخذ طابع المباشرة بالهمس المسموع والصرخة احيانا :
ايها الموت لو كنت رجلا
لكنت قتلتني
بينما في قصائد اخرى يتجنب الشاعر التصريح ويؤثر التلميح لفكرة الموت حيث يظهر فيها اكثر هدواً،ً : فنراه يتوسل معاتباً :
لماذا ياقلبي المعصور
كليمونة سكير
تتشبث بي
كما تتشبث العانس بالأمل
انت تلتصق بي كالعلق
كن قلباَ لطيفا ولو مرّة
واسقط من جسدي النحيل
كوتر كمان
مثل رمانة تالفة
وحين لايجد من يسمع ويستجيب لصرخته وتوسلاته يعلن :
ابتعت لي مسدساَ
لأريح نفسي من الدنيا
"كزار حنتوش" شاعر (انشأ ه الله على عجل من سبخ الدغارة ، ورماه الى وطن من شمس ، وكحول ، ومصائب ) كان كثير الهموم (لديّ من الاحزان مايكفيني سكراَ بالمجان ) وكذلك (كان قليل البخت كسقاء راح يبيع الماء في حي السقائين ) ومع ذلك فهو قليل الشكوى واذا كان لابد من شكوى فهي جحود الآخرين، فهو يعتقد ان ذلك سيلاحقه وهو يرقد في القبر:
المأتم الذي اقمته
لنفسي
لم يقصده احد
غير كلبي الذي طرده اخي قبل شهر
لذا نرى الشاعر امام هذا الهاجس المؤرق والمرعب يفقد القدرة على مواصلة المكابرة وكتمان هذا الامر حيث تأخذ قصائده الاخيرة من موضوع الموت عنصراً اساسياً في الصورة والجملة الشعريةا كما في قصيدة "حال رحيلي" :
قد تقرأ فاتحتي يوماَ
بالصوت الهامس
او في قصيدة "صحو متأخر جداَ " الذي يستحضر فيها الكثير من دلالات الموت فيوصي :
"لاتتعجلني ياصديقي الذي في النجف ، سأحل عليكم ضيفاَ ذات صيف . لن اكلفكم شيئاَ الاًخامة ، وزنبيل تراب ، ودمعتين "
هذه هي بعض ملامح استشراف الموت في تجربة الشاعر "كزار حنتوش" الذي تركنا في غفلة نستذكر قوله :
ثالثة .. او عاشرة .. تبتلع اللجة
رجلا احمر .. شرط السكين
سعى من اجل ارساء تجربة شعرية متميزة وكان خائفاَ :
قد لاينجب مسعاي الجنة
قد ادفن في الربع الخالي
لكنه في الاخير نام مستريحا هامساَ :
لن استبدل حياتي
بمعلف من ذهب
ولاقبري البسيط قرب "علي"
بتاج محل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي