الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفنان صالح حسن ممثل يتحدث بلغة الجسد على خشبة المسرح

كريم النجار

2004 / 2 / 13
الادب والفن


الحرية في العمل الفني مفهوم يؤرق كل فنان يشتغل بحقل التمثيل والاخراج المسرحي، الحرية بمعناها الإبداعي في التجديد والتلقائية ومحاورة النص من الداخل ومن ثم الاشتغال على تشظيه ولم تفاصيله حتى وأن كان نصاً مكثفا يعتمد بالأساس على حركة الممثل وطوع جسده، فللجسد ذاكرة وحياة وصرخة تتسع الرؤيا.
وفق هذا المدخل نحاول محاورة الفنان الممثل والمخرج صالح حسن المقيم في هولندا منذ عدة أعوام، حيث قدم عدة أعمال مسرحية (اخراج وتمثيل) باللغة العربية والهولندية، ويعمل حاليا مع أحدى الفرق المسرحية الهولندية المعنية بمسرح الطفل، هذا المسرح الذي يكاد يكون من أصعب الفنون لما يحمله من لغة واشارات ودلالات خاصة تخاطب ذهنية الطفل وتؤثث أحلامه وأفكاره العفوية.
قبل الحديث عن تجربته الخاصة هذه لا بد من معرفة تفاصيل مشروعه الفني الذي تناما في داخله منذ تخرجه من اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد قبل ما يزيد عن 15 عاما واشتغاله مع المخرج المتميز صلاح القصب في مسرحيتي (أحزان مهرج السيرك، الحلم الضوئي)، حيث أجج لديه هذه الجذوة في التعامل مع الصورة وتشكلاتها، التي يكون الجسد هو العنصر الأساس لتأثيث واعادة تأليف العمل المسرحي.
يقول (أنا مدين لصلاح القصب لأنه خلق لدي حاسة خاصة في معرفة الامكانات الجسدية وصورها ومحاورة الجسد وهو نائم لدى الممثل).
كانت رحلة عجيبة بعد المشوار والتأسيس الفني داخل العراق حيث محاولة الانطلاق إلى أفق رحب آخر لا تمارس فيه الضغوط الفكرية وتهميش الحرية على الإنسان، والمبدع بشكل خاص.. فكانت وجهته الاولى إلى الأردن ومن ثم صنعاء التي وجد نفسه فيها بمواجهة الفن بشكل مباشر وعمله على تدريب مجموعة من النساء كي يكونن مدرسات للمسرح فيما بعد، وهناك أيضا التقى بمجموعة من الفنانين (عراقيين ويمنيين) ليخرج ويمثل فيما بعد ثلاث مسرحيات (سمفونية المطر –قدمها فيما بعد في أمستردام بعد أن أعاد العمل عليها– رائحة الوطن ومسرحية قصائد بلا شعراء- بالتعاون على اعدادها مع الشاعر اليمني الراحل عادل البروي).
ولأنه بقي جامح الطموح في أن يتفاعل ويقدم ما هو جديد ومثير على صعيد الفكرة والتكنيك ودراسة المسرح (الجديد) شد رحاله عام 1997 إلى هولندا، ومنذ إقامته فيها شرع بالعمل على مشروعه الذي بقي يتقد داخله وأعني به أسلوب " الميم " المسرحي (كلمة مشتقة من البنتومايم لكن تعطي الممثل حرية أكبر وتستوعب الرقص والحكي والإشارة)، فأعاد العمل على مسرحيته (سمفونية المطر) التي تتداخل فيها المشاهد الصامتة والرقص والايماءة وتجسيدات الصورة التشكيلية بلغة رشيقة مع مؤثرات موسيقية. اشتركت معه في هذا العمل الممثلة الهولندية ميرندا.        
      .
يقول (أن لغة الجسد هي أختصار العالم بفوضاه وحركته، حاولت ولا زلت أن أقدم ما تمليه علي مشاهداتي وقراءاتي وتجربتي المتواضعة بهذا الشأن.. مستمداً من تجارب كروتوفسكي البولوني والروسي مايخولد، كذلك أعد بحثاً الآن عن المخرج الايطالي المعاصر أوجين باربا الذي يشتغل على موضوعة الفيزيك وثقافة الممثل، على الوشيجة التي تربط الممثل والمتفرج، هذه الموضوعة أثارت بي ولا تزال على العمل والخوض في تفاصيلها كي أصل إلى نتيجة مفادها من الممكن أن تكتب قصيدة بكلمة.. أو تجسد الموت أو الحب أو الروح بلغة صامتة تعتمد الإشارة.).
قدم فيما بعد في امستردام ومدن أخرى عملين مسرحيين متميزين، الأول بعنوان (أجمل الأحياء) من تأليف واعداد الشاعر شعلان شريف عن مجموعة شعراء عراقيين تركوا خطاهم وقصائدهم ورحلوا في منتصف مشوار العمر داخل العراق وخارجه بالاشتراك مع الفنان أحمد شرجي والممثلة الكولومبية سورايا سانشيز.
والعمل الثاني بعنوان (قلب وذاكرة) بالاشتراك مع الممثلة الهولندية (كليانا) وهي راقصة باليه، أعتمد فيه على حركة ولغة الجسد. (كان مصادفة وجود المخرجة الهولندية يودت همر أثناء التمارين فرصة للتعارف وقد طلبت منه فيما بعد المشاركة في عمل من اخراجها مع فرقة (دانس فولتاجا) حيث أصبح أحد أعضائها فيما بعد.
قدمت الفرقة مسرحية (Katten staart en zonnebrand) "ذيل القطط ولهيب الشمس" وهي مسرحية موجهة للأطفال واليافعين، يعتمد العمل في هذه المسرحية على حركة الممثل والرقص والجملة البسيطة الرشيقة، أما ثيمتها فهي عملية اللعب مع الطفل بلغة مسرحية مثيرة ومدهشة ومحاولة مشاركة الطفل في العمل. عرضت المسرحية 18 مرة في أماكن مختلفة من هولندا.
- لم أواجه أي مصاعب أو مشاكل بالعمل مع هذه الفرقة، بل أن أغلب المفردات المسرحية هي واحدة، بالرغم أن عمل الممثل هو اجتهاد فردي. لا أخفيك سراً أنني كنت خائف ومتردد لأنني قادم من ثقافة مختلفة ومغايرة عن الثقافة الأوروبية، لكن مع ذلك لم أواجه أي مشكلة تذكر، إضافة إني استفدت عبر الفرقة من تحسين لغتي الهولندية نتيجة الألفة التي تجمعنا.. أو كما كان يقول لنا الفنان عوني كرومي "من لا يعمل لا يخطأ".
في هذه المسرحية أعتماد على الارتجال و(الإضافة) قابلة للحذف والنقاش، عمل المخرجة كان تنظيم الحركة وتشذيب الأشياء الزائدة.
الغريب في هذا العمل كان نصف مشاهديه من الكبار.
وعن رأيه بالممثل الأوروبي مقارنة بالعربي يقول:
- الممثل الأوروبي يعمل من الخارج – هادئ جدا- عكس الممثل العراقي الذي يشتغل من الداخل، من واقع المجتمع، هنا يكون من الواجب عليك كسر الوهم والموائمة بين الحالتين. المكان بحد ذاته يبقى قضية أزلية تحاول أن تخضعه وفق رؤاك، مع أنك محمل بأشياء مأساوية، كربلائية، تعتمد على الوجود وسؤاله منذ كلكامش وحتى الآن، لكن حين تعمل مع الآخر ستضاف لك الحميمية عكس الصرخة التي تحملها داخلك منذ أزمان، عليك أن تتوافق مع الهدوء الصارخ حيث يكون هناك توافق بينك وبين الآخر، وعند ذاك نستطيع أن نحاور الأمكنة حتى بظواهرها المختلفة، نمسك الروح من خلال امرأة الحانة في كلكامش كما كنا نمسك الروح من خلال جدارية جواد سليم.
أن هذا العمل يعتمد على لعبة الدلالات والرموز البصرية، سواء في حركة الممثل أو الفكرة لخلق طقس بصري متكامل في اللون والضوء والحركة والإيماءة والموسيقى. علما أن هذا العمل لا يعتمد على الكلمة كأسلوب وحيد للتعبير، وإنما على الطاقة التعبيرية لجسد الممثل.
أما عن زيارته للعراق مؤخرا والتي صادفت أيام المهرجان العراقي للمسرح ومشاهداته لأغلب عروض المهرجان يقول:

تحرير بغداد من الدكتاتور أعظم عمل مسرحي في حياتي
 
كان يعيش المسرح العراقي حالة من التخبط والاغتراب طيلة فترة النظام السابق، كان مقيدا محصورا وغير منفتح على المسارح والتجارب العربية والأوروبية، أما اليوم وبعد أن تخلص من رقابة السلطة الصارمة والرقيب الابداعي استطاع أن يشق دربا  جديدا لا يحتاج بعد إلى المراوغة أو المخاتلة أو التأويل والتعمية.
 هدا ما رأيته بعد أن عدت إلى بغداد في مهرجان المسرح بعد عشر سنوات من الغربة.. كم كان رائعا أن تحتضنني بغداد بعرس مسرحي إلا وهو مهرجان بغداد المسرحي الأول بعد زوال الطاغية على قاعة المسرح الوطني للفترة من 9/12/2003 حتى 19/12.
 شاهدت عروضا مسرحية مختلفة ومسرحا متحررا من القيود، وأتأمل أن يكون هناك مسرحا  متجددا يليق بواقع الحركة المسرحية العراقية.
   








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي